الجزيرة نت

حاول درء فتنة إسرائيل في مجدل شمس.. ما قصة جنبلاط مع حزب الله؟ | سياسة


بيروت– شكلت حادثة مجدل شمس منعطفا فاصلا في الحرب الحدودية بين حزب الله وإسرائيل، وبات سؤال “من أطلق الصاروخ على الأطفال في الجولان السوري المحتل؟” تفصيلا بعد المنحى الدراماتيكي الذي سلكته إسرائيل، وهجومها بالمسيرات على ضاحية بيروت الجنوبية.

وأسفر هجوم إسرائيل عن اغتيال القائد العسكري في حزب الله فؤاد شكر، واصفة عدوانها بـ”الرد على مجزرة مجدل شمس” وأنه “اغتيال لقاتل أطفالها”.

وبين ليلة وضحاها، صارت هضبة الجولان مسرحا لانفجار التوتر بين إسرائيل وحزب الله، رغم نفي الأخير قطعا علاقته بإطلاق الصاروخ.

وقبل يومين من عدوان إسرائيل على الضاحية، كان الزعيم الدرزي ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط يتحرك على أكثر من جبهة لاحتواء الموقف بالبلدة السورية ذات الغالبية الدرزية، دفاعا عن هويتها بعدما حاولت إسرائيل الادعاء بأن الضحايا مواطنون إسرائيليون.

دعم المقاومة

ونبه جنبلاط الدروز من “أيّ انزلاق في مشروع العدو التدميري” واتهم إسرائيل بالوقوف وراء المجزرة، مشددا على أنه لا علاقة للحزب بها، وأعلن دعما مطلقا للمقاومة بلبنان وفلسطين. وقال “ما من أحد يعطي دروساً لمجدل شمس”.

وقبل عدوان إسرائيل على الضاحية، والذي مددته إلى طهران باغتيال هنية، أعلن جنبلاط تلقيه اتصالا من المبعوث الأميركي آموس هوكستين، يحمل تهديدا إسرائيليا للبنان.

وعمليا، ترك موقف جنبلاط -الذي عكس تحسسه لخطر استغلال إسرائيل القضية- أثرا بالغا على مستويات عديدة:

ففي مجدل شمس، كان لموقفه وقع على الساحة الدرزية عمومًا، وعلى أهالي البلدة الذين رفضوا زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالتزامن مع تشييع ضحايا الضربة الصاروخية. كما أضعفت تصريحات جنبلاط موقف إسرائيل التي حاولت سلب هوية أهالي مجدل شمس.

ومن جهة حزب الله، شكل موقف الزعيم الدرزي تطورا إيجابيا في علاقته معه، علما بأن دعمه للمقاومة كان واضحا منذ بدء الحرب، وتلقى رسالة شكر خاصة من أمينه العام حسن نصر الله.

وعلى المستوى الداخلي، فاقم موقف جنبلاط الشرخ مع حلفائه السابقين داخليا من قوى “14 آذار” من خصوم حزب الله ومعارضي انخراطه بالحرب، وفي طليعتهم حزب القوات اللبنانية وحلفاؤه. وكان لموقفه الداعم للمقاومة وقعا سلبيا عليهم، وتجلت بتصريحات عدد من الشخصيات التي اعتبرت أن جنبلاط تخلى عن “14 آذار” وصار حليفا لمحور المقاومة.

أهالي مجدل شمس رفضوا زيارة نتنياهو لقريتهم من أجل التضامن مع ضحايا الضربة الصاروخية (الجزيرة)

تقلب المواقف والحلفاء

تتسم شخصية زعيم المختارة في قضاء الشوف -وليد جنبلاط (75 عاما)- بالنجومية السياسية، وتمزج مواقفه بين الحنكة السياسية والسخرية والقراءة التاريخية واستشراف المستقبل.

واشتهر تاريخيا بتقلب المواقف التي ارتبطت غالبا بظروف وسياقات مفصلية، وظلت موضع اهتمام وتجاذب بين حلفائه وخصومه المتبدلين أيضا.

ومنذ اغتيال والده الزعيم السياسي كمال جنبلاط سنة 1977، وهو مؤسس الحزب التقدمي الاشتراكي والمعروف بتبنيه للقضية الفلسطينية، شكلت علاقة جنبلاط الابن مع النظام السوري (المتهم باغتيال والده) محور التقلبات بين التحالف والخصومة، وكذلك مع القوى المسيحية، كأحد رواسب الحرب الأهلية اللبنانية.

ولكن ذروة الانقسام اللبناني -الذي لعب جنبلاط دورا محوريا فيه- كانت عقب اغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري عام 2005 والانسحاب السوري من لبنان، حين أسس حركة “14 آذار” إلى جانب الحريري وسمير جعجع. وتشكل تحالف سياسي عريض مع انقسام البلد بين معسكري “14 آذار” وقوى “8 آذار” التي كان يقودها حزب الله وحركة أمل.

ولا ينسى اللبنانيون، والسوريون أيضا، خطاب وليد جنبلاط في مظاهرة مليونية لقوى 14 آذار، بعد اغتيال الحريري، عندما صدح أمام الجماهير في ساحة الشهداء، بعبارته الشهيرة “يا بيروت بدنا التار.. من لحود ومن بشار..”.

كما نظم شعر هجاء بحق الرئيس السوري، وخاطبه بالقول “يا قردا لم تعرفه الطبيعة.. يا أفعى هربت منها الأفاعي.. ويا حوتا لفظته البحار.. يا أنصاف الرجال يا بشار..”.

جنبلاط وبري

ولعل أكثر العلاقات السياسية ثباتا وعمقا لدى وليد جنبلاط، هي تلك التي تربطه مع زعيم حركة أمل ورئيس البرلمان نبيه بري (حليف حزب الله) إذ ترتبط الشخصيتان بصداقة صمدت حتى في ذروة الخصومة بين حزب الله وجنبلاط، حيث كان بري جسر تواصل بينهما.

ويقول النائب في حركة أمل، محمد خواجة، للجزيرة نت “العلاقة بين الرئيس بري ووليد جنبلاط تاريخية ومميزة، ولم تهتز حتى بأصعب الظروف، وساهمت بتعزيز الاستقرار العام، وترمي لتثبيت وحدة اللبنانيين، التي وصفها الإمام موسى الصدر، بأنها أفضل وجوه الحرب ضد إسرائيل”.

لكن أبرز محددات مواقف جنبلاط راهنا -وفق خواجة- فلسطين وقضيتها العادلة، إذ “برهنت الظروف أن جنبلاط لا يخطئ الهدف انطلاقا من موقف وطني قومي ثابت”.

ويدرك جنبلاط أن الهدف الإسرائيلي هو تصفية القضية الفلسطينية -كما يقول خواجة- و”رفض سريعا توجيه تهمة قصف مجدل شمس لحزب الله، فحمل المسؤولية لإسرائيل”.

وبرأي خواجة، نجح جنبلاط باحتواء الموقف “بعدما سارعت إسرائيل لاستثمار قضية مجدل شمس بتأليب أبناء القضية الواحدة ضد بعضهم”. لكن “موقف أهل البلدة الرافض للاحتلال والمتمسك بالهوية الوطنية والعربية، إضافة إلى مواقف قيادات وحكماء طائفة الموحدين الدروز، قطعت الطريق على إسرائيل التي تتذرع بمجدل شمس تبريرا لعدوانها على لبنان”.

ويصف خواجة مجدل شمس بـ”العصية على الأسرلة” بعدما وقف أبناؤها منذ بدايات الاحتلال رافضين منحهم الهوية الإسرائيلية، و”من استشهدوا هم عرب سوريون دروز”.

كومبو لضربة إسرائيل على العمارة التي كان فيها العسكري في حزب الله فؤاد شكر وضربة مجدل شمس
ضربة إسرائيل على العمارة التي كان فيها القيادي بحزب الله فؤاد شكر (يمين) وضربة مجدل شمس (رويترز)

جنبلاط وحزب القوات

هذه القراءة لا تنسجم مع رأي حزب القوات وحلفائه الذين يرفضون التماهي مع حزب الله وخياراته. ويقول النائب بحزب القوات اللبنانية غياث يزبك للجزيرة نت “نظرتنا لتطورات الحرب سابقة لحادثة مجدل الشمس وما تبعها. ونحن لا ننظر إليها من باب تحميل المسؤولية لفريق دون آخر، لأننا ننظر إلى إسرائيل ككيان معاد ومعتد علينا”.

لكن يزبك يستدرك فيقول “نعتبر أن حزب الله يجر لبنان للويلات مع إسرائيل، ولأن شعار وحدة الساحات لم يؤمن الحماية لا للفلسطينيين بغزة ولا للبنان”.

أما بالنسبة لموقف جنبلاط، فهو ليس جديدا برأي يزبك و”في اللحظات التي تتهدد فيها الطائفة الدرزية، يتموضع حيث يعتقد أنه يوفر لها الأمان”.

ويؤكد يزبك على رفض القوات وحلفائها لمواقف جنبلاط. ويقول “نحن نشك أن يتعامل حزب الله معه كحليف، وإذا تبدلت الأمور ورأى جنبلاط أن حماية الدروز تأتي من موقف مغاير، سيتلقى رسالة معاكسة من نصر الله”.

وخلص إلى القول “نحن لا نريد مهاجمة حزب الله راهنا، لكن مهادنته على طريقة جنبلاط ستكون ورقة مجانية لن يستفيد منها الدروز، لأن ما يفيدهم هو شرعية الدولة”.

جمبلاط والدروز وإسرائيل

من جهته، يفكك الكاتب والمحلل السياسي حسين أيوب موقف جنبلاط من حزب الله وإسرائيل وارتباطه بواقع الدروز -في حديثه مع الجزيرة نت- من منظور مختلف. وبرأيه، فإن من يراجع تاريخ الزعامة الجنبلاطية أقله من كمال إلى وليد، يجد أن الموقف من الاحتلال الإسرائيلي في صلب أدبيات الحزب.

لكن أبرز محددات موقف جنبلاط، بحسب أيوب “هو القلق على الزعامة، وعلى الجماعة الطائفية (الأقلية الدرزية) وعلى لبنان. القلق من الواقع السوري المتشظي، ومن الواقع العربي إذا استمر مسلسل التطبيع مع إسرائيل” موضحا “أصبح جنبلاط مجبولا بالقلق يُرافقه كيفما تحرك وحكى”.

وبالمناسبة، استشعر جنبلاط  -وفق المحلل السياسي ذاته- منذ حوالي الشهر أن هناك تربصا بالواقع الدرزي على مستوى المنطقة، وأقلقته حوادث السويداء، فـ”بادر للانفتاح على رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال أرسلان، بعنوان لمّ شمل البيت الدرزي، وكان أقل حدة من أي مرة سابقة بالحديث عن النظام السوري، في ضوء ما تنامى إليه عن محاولات إسرائيلية لاستغلال الواقع الدرزي بالسويداء”.

ويقول الكاتب “ما جرى في مجدل شمس أظهر أن المخاوف الجنبلاطية بمحلها. وهو يتحرك راهنا، بين حدود منع الفتنة المذهبية وتحصين الواقع اللبناني وحماية جماعته من أية محاولات لخرقها بأجندات خارجية، والبقاء تحت سقف الموقف العربي المناصر لفلسطين”.

وهذه التوليفة الجنبلاطية، بحسب أيوب، ليس من السهل تسويقها لا مع أطراف داخلية ولا مع أطراف خارجية “لكن الأخطر صعوبة تسويقها على مستوى طائفة الموحدين الدروز، حيث يواجه جنبلاط وقادة الحزب الاشتراكي أسئلة محرجة من الجمهور الحزبي والمناصرين، تتمحور حول دور حزب الله”.

جنبلاط والتوازنات

يعتبر أيوب أن وليد جنبلاط يقيس موقفه استنادا إلى التوازنات الوطنية. ومثلما فعل في حرب يوليو/تموز 2006 “يضع جانبا تحفظاته السياسية على حزب الله والمحور، ويعتبر أن الوقوف معه عنصر توازن أمام حالة الاستقطاب السياسي والطائفي التي جعلت موقف الحزبين المسيحيين البارزين (التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية) يتماهى رفضا لانخراط حزب الله بجبهة مساندة حماس والمقاومة الفلسطينية”.

لذا، يجد جنبلاط -بحسب أيوب- أن من واجبه الوقوف مع الحزب، وتأجيل الأسئلة والمحاسبة لما بعد المعركة، لأن هزيمة أي مكون داخلي ستؤدي لاختلال التوازنات.

وهنا، يتفق جنبلاط برأي أيوب مع بري “الذي يرفض الدعوة للحوار دون مشاركة القوات اللبنانية، حتى لا يكرر تجربة الحركة الوطنية اللبنانية عامي 1975 و1976 بالدعوة إلى عزل حزب الكتائب”.

وتتجسد أهمية دور جنبلاط بعد حادثة مجدل شمس -وفق أيوب- باختيار المبعوث الأميركي هوكستين الاتصال به بصفته زعيما درزيا بالمنطقة، ويمتلك قدرة تأثير على دروز السويداء والجولان، وكان رأس حربة بالتواصل مع دروز 1948، لإجهاض مشروع التجنيد الاجباري بالجيش الإسرائيلي.

وليد جنبلاط (يمين) وحسن نصر الله (رويترز)

جنبلاط وحزب الله

يتساءل كثيرون عن لغز المد والجزر بالعلاقة بين جنبلاط وحزب الله. وهنا يُذكّر أيوب بأن الدم هو الذي يصنع عادة محطات فاصلة بين الطوائف اللبنانية. لكن “لم يسقط دم بتاريخ العلاقات الدرزية الشيعية منذ بداية الحرب الأهلية، إلا لحظة 7 مايو/أيار 2008، وسرعان ما طوى جنبلاط هذه الصفحة”.

وحزب الله -برأي أيوب- يتفهم مواقف جنبلاط المتقلبة. فبعد أن يستعمل فزاعة حزب الله للتحشيد الطائفي بلحظة انتخابية لإشعار الدروز بأنهم مهددون وجوديا، ينقلب اليوم التالي لاستخدام التحشيد في خدمة الانفتاح على حزب الله وطمأنته كما يفعل حاليا، حتى أن الحزب بات يحفظ جنبلاط عن ظهر قلب بالمخاصمة أو المهادنة.

ولولا حسابات جنبلاط في علاقاته العربية، وتحديدا السعودية، لكان برأي أيوب “أول من طلب موعدا للقاء نصر الله بعد حادثة مجدل شمس، لقطع الطريق على الفتنة المذهبية”.



اقرأ على الموقع الرسمي


اكتشاف المزيد من اشراق العالم 24

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من اشراق العالم 24

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading