لماذا تخاف "سي آي إيه" عودة ترامب؟
اشراق العالم 24 متابعات عالمية عاجلة:
نقدم لكم في اشراق العالم24 خبر “لماذا تخاف "سي آي إيه" عودة ترامب؟”
مقدمة الترجمة
في مقال بمجلة “فورين أفيرز” يعكس بيتر شرودر، العضو السابق في الهيئة التحليلية العليا في وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) وعضو مجلس الاستخبارات الوطني في الفترة من 2018 إلى 2022 مخاوف مجتمع الاستخبارات الأمريكي من صعود دونالد ترامب. يعد هذا المجتمع هو قلب البيروقراطية الأمنية الأميركية، وهي الجزء الأساسي من “الدولة العميقة” التي يرى ترامب أنها تعوق تنفيذ أجندته ويتعهد “بتفكيكها”، وهو ما ينذر بمواجهة محتدمة بين الرئيس وأجهزة استخباراته القوية.
تعزز تعيينات ترامب لمديري أجهزة الاستخبارات هذه المخاوف، وفي مقدمتهم جون راتكليف، المرشح لمنصب مدير وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه)، وكاش باتيل المرشح لرئاسة إف بي آي، وأخيرا وليس آخرا تولسي غابارد المرشحة لتولي منصب مدير الاستخبارات الوطنية، وثلاثتهم من المنتقدين السابقين لعمل أجهزة الاستخبارات والمشاركين لترامب رؤيته بشأن “الدولة العميقة”. أكثر من ذلك، فإن سجل ترامب مع أجهزة الاستخبارات خلال ولايته الأولى لم يكن وديا بما يكفي، وهو ما يزيد قتامة التوقعات.
اقرأ أيضا
list of 2 items
هل يعيد كاش باتيل عصر الرعب لـ”إف بي آي”؟
“مبعوث يسوع”.. هل سيُدخل ترامب أميركا عصر الهيمنة المسيحية؟
end of list
فكيف يخطط ترامب لتفكيك البيروقراطية الاستخبارية الأميركية؟ وما تداعيات ذلك على عمل هذه الأجهزة وعلى الأمن القومي الأمريكي من منظور أوسع؟ وكيف سيتعامل التقنيون في مجتمع الاستخبارات مع حقبة ترامب؟ يجيبنا شرودر بتوقعاته في السطور التالية.
إعلان
نص الترجمة
في 21 يناير/كانون الثاني 2017، وبعد يوم واحد من تنصيبه رئيسا خلال ولايته الأولى، زار الرئيس الأميركي دونالد ترامب مقر وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) في لانغلي بولاية فرجينيا. هدفت الزيارة، التي كانت أول حدث رسمي لترامب في رئاسته الثانية، إلى إعادة ضبط علاقاته مع مجتمع الاستخبارات بعد 10 أيام فقط من هجوم ترامب على وكالات الاستخبارات واتهامها بالمساعدة على تسريب تقرير زعم أن عملاء روسيين لديهم معلومات شخصية ومالية سيّئة عنه.
لكن ترامب سرعان ما انحرف عن مساره، مفسحا المجال للغة خطاب حددت مسار علاقاته مع مجتمع الاستخبارات طوال فترة رئاسته. فبينما كان يقف أمام النصب التذكاري لوكالة الاستخبارات المركزية، وهو الموقع الأكثر أهمية وإجلالا في الوكالة، تحدث وكأنه في حدث انتخابي متنقلا من موضوع عشوائي إلى آخر، ومتباهيا بالحشود الكبيرة التي حضرت حفل تنصيبه.
وتسبب حديث ترامب المفعم بالشكوى من وسائل الإعلام أمام صفوف النجوم التي تمثل موظفي الوكالة الذين لقوا حتفهم أثناء الخدمة؛ في إثارة دهشة العديد من الضباط، وكان ذلك بمثابة هدف عكسي أحرزه ترامب في مرماه زرع بذور الشك وانعدام الثقة بينه وبين جهاز الاستخبارات على مدار السنوات الأربع المقبلة.
ومع تنصيب ترامب رئيسا للمرة الثانية، من المرجح أن يشعر مجتمع الاستخبارات بالقلق مجددا. وفي ظل وجود فريق إداري أكثر تنظيما واستقرارا، كان الأمل هو أن الرئيس سوف يسخر مجتمع الاستخبارات لتأمين الوطن والمصالح الأميركية في الخارج، لكن ترشيحاته حتى الآن لمنصب مدير وكالة المخابرات المركزية، ومدير الاستخبارات الوطنية، ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالي تشير إلى أنه يعطي الأولوية للولاء على الخبرة.
وبدافع من الضغائن السياسية، هناك مخاوف من أن يشن ترامب هجوما شاملا على ما يسمّيه “الدولة العميقة” وهي -وفقا لاعتقاد الرئيس- مجموعة سرية من البيروقراطيين الحكوميين الذين يتعاونون لعرقلة أجندته، ومنهم الضباط الذين يتجسسون بشكل غير قانوني على الأميركيين ويسربون المعلومات إلى وسائل الإعلام.
إعلان
ولكن من غير المرجح أن يستسلم المسؤولون في وكالات الاستخبارات لهذه التهديدات، ويظهر التاريخ أن مجتمع الاستخبارات كان قادرا في كثير من الأحيان على تحقيق النجاح، حتى عندما كانت علاقته بالرئيس متوترة. وعلى الرغم من المنعطفات في ولاية ترامب الأولى، فقد أشرف على إنجازات استخبارية مهمة، مثل قتل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية ومؤسسه أبي بكر البغدادي.
رغم ذلك، من المرجح أن تواجه الاستخبارات مجموعة من الأخطار تحت الإدارة المقبلة، تشمل التهديدات الشخصية والمؤسسية، فضلا عن أخطار على صعيد جمع المعلومات واستخدامها، والمهمات والبعثات، والشراكات الأجنبية. وسوف يكون لزاما عليها أن تبحر وسط الأزمات القريبة الأجل وتسعى لتجنب ضرر أطول أمدا لمؤسسات مجتمع الاستخبارات وقدراته.
تجفيف المستنقع
يبدأ التهديد الذي يفرضه ترامب على مجتمع الاستخبارات بمورده الأساسي وهو البشر. وينوي الرئيس الحد من نفوذ بيروقراطيات الأمن القومي وتقليص حجم الحكومة الفيدرالية؛ مما يعني استنزاف القوة البشرية لمجتمع الاستخبارات، وبالتبعية تقليص فعاليته.
وقد تحدث إيلون ماسك وفيفيك راماسوامي، اللذان اختارهما ترامب لقيادة وزارة جديدة للكفاءة الحكومية (إضافة المترجم: فيفيك راماسوامي قرر الانسحاب من وزارة الكفاءة الحكومية بعد ساعات من تنصيب دونالد ترامب رئيسا، حيث أشارت صحيفة البوليتكو إلى نيته الترشح لمنصب حاكم ولاية أوهايو، فيما لم يؤكد فيفيك هذه الأنباء أو ينفيها بعد)، عن ضرورة خفض القوى العاملة الفيدرالية على نطاق واسع، وهو ما سيؤثر حتما في العاملين في مجال الاستخبارات. وأكثر من ذلك، وعد ترامب نفسه بطرد ما يسمّيه “الجهات الفاعلة الفاسدة” في فضاء الأمن القومي.
لا يزال من غير الواضح يقينا ما إذا كانت التخفيضات المنتظرة للقوى العاملة الفيدرالية سوف تشمل مجتمع الاستخبارات وكيف سيتم تطبيقها إذا حدثت. ولكن إذا أقدم البيت الأبيض بقيادة ترامب على تخفيضات عميقة للغاية، أو شملت التخفيضات مجالات حاسمة، فمن شأن ذلك أن يقوض قدرات مجتمع الاستخبارات، فمثلا ربما يؤدي تخفيض أعداد الموظفين إلى إضعاف مجموعات المهارات التي يحاول مجتمع الاستخبارات تنميتها لمواجهة التهديدات المستقبلية من جهات فاعلة مثل الصين، أو في قطاعات مهمة مثل التكنولوجيا المتقدمة.
إعلان
وحتى إذا لم يقم ترامب بأي تخفيضات على الإطلاق، فإن خطابه العدائي وحده سوف يقوض وظائف مجتمع الاستخبارات. وكما حدث في ولايته الأولى، لربما يختار ضباط الاستخبارات الموهوبون والمؤهلون من المستوى المتوسط ترك العمل لصالح رئيس يطالب بالولاء الشخصي، وهو اتجاه من المرجح أن يتفاقم عند تزايد الضغوط على موظفي الخدمة المدنية.
ينذر هذا التوجه المحتمل بخطر شديد، نظرا إلى أن تعويض الخسائر البشرية في الاستخبارات أمر صعب بسبب الطبيعة الفريدة للوظيفة، والمهارات والمعارف والخبرات الخاصة التي تتطلبها. على سبيل المثال، في أكتوبر/تشرين الأول 1977، طرد مدير وكالة المخابرات المركزية آنذاك ستانسفيلد تورنر فجأة حوالي 800 ضابط عمليات؛ مما أدى إلى انخفاض الروح المعنوية في الوكالة، وتراجع عمليات الاستخبارات البشرية لسنوات قادمة.
وفي أعقاب سقوط الاتحاد السوفياتي، خُفضت أعداد موظفي الاستخبارات بنسبة 25٪، وانخفضت ميزانية وكالة المخابرات المركزية بنسبة 18٪؛ وهو ما أجبر الوكالة على تجميد توظيف المحللين وضباط العمليات والتقنيين. وامتد تأثير هذه التخفيضات إلى أواخر التسعينيات وحتى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين؛ مما أعاق قدرة الاستخبارات على التعامل مع التهديد المتزايد من قبل الإرهاب العالمي.
واليوم، صارت مهمة تعويض الموظفين المفقودين أكثر صعوبة. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021، أشار مدير وكالة المخابرات المركزية ويليام بيرنز إلى أن الأمر يستغرق أكثر من 600 يوم في المتوسط لمعالجة وتعيين ضباط جدد. ويمكن لترامب أيضا أن يردع المرشحين المؤهلين عن التقدم أصلا إلى الوظائف؛ إذ لن يشعر سوى قِلة من الناس بالإثارة إزاء العمل مع رئيس يشيطن وظائفهم.
وحتى مع افتراض أن ترامب لن يخفض حجم مجتمع الاستخبارات، فإن “إصلاحاته” من المرجح أن تخفض جودة العنصر البشري. وينصح “مشروع 2025″، وهو المخطط الذي أعدته مؤسسة التراث “Heritage foundation”، مركز الأبحاث المحافظ، للانتقال الرئاسي بعد تولي ترامب، ينصح الرئيس بإصدار أوامر إلى مدير وكالة المخابرات المركزية باستبدال رؤساء مراكز البعثات والمديريات -الهيئات التي تشرف على عمل الوكالة في مجالات مختلفة- لضمان توافق أنشطة وكالة المخابرات المركزية مع أجندته.
إعلان
وفي حال وُضعت هذه الخطة موضع التنفيذ، فإن ذلك سيعني إبعاد العديد من المديرين الموهوبين لصالح ضباط ينظر إليهم المدير على أنهم أكثر ولاء أو حزبية.
ينصح “مشروع 2025” أيضا بنقل أجزاء من الوكالة بشكل دائم إلى خارج واشنطن العاصمة لتقليل نفوذ وكالة المخابرات المركزية، وهو سبب آخر ربما يدفع الموهوبين إلى المغادرة ويعطل التعايش بين الاستخبارات وصناع السياسة. كما اقترح معهد “أميركا أولا” للسياسة، وهو مركز أبحاث أسسه مسؤولون سابقون في إدارة ترامب عام 2020، قواعد سلوك جديدة تتطلب من ضباط الاستخبارات التوقيع على اتفاقية تنص على عدم “إساءة استخدام أي معلومات أو صلاحيات حصلوا عليها نتيجة عملهم في مجال الأمن القومي لأغراض سياسية”، حتى بعد ترك الخدمة الحكومية.
ومن المحتمل أن تؤدي مثل هذه المعايير غير الواضحة والمفتوحة إلى توليد النفور من المخاطرة في العمليات والتحليل بين صفوف موظفي الاستخبارات.
وعلى أقل تقدير، من المرجح أن تؤدي سياسات الإدارة إلى خلق حالة من الاضطراب تشتت انتباه الاستخبارات عن مهامها الأساسية. وحتى الإصلاحات المفيدة المحتملة، مثل منح مدير الاستخبارات الوطنية سلطة أكبر على ميزانية المجتمع، من شأنها أن تخلق معارك على النفوذ بين 18 وكالة يضمها مجتمع الاستخبارات. ومن غير المرجح أن يعمل القادة المشغولون بالدفاع عن مواردهم وميزانياتهم -فضلًا عن وظائفهم- بعضهم مع بعض بشكل فعال.
تسييس التحليلات
خلال فترة ولايته الأولى، أظهر ترامب عدم اكتراثه بمخرجات مجتمع الاستخبارات، لدرجة أنه نشر صورة فضائية سرية على حسابه على تويتر، وازدرى قادة الوكالات علنا قائلا إن عليهم “أن يذهبوا إلى المدرسة” بعد أن اختلف مع شهادتهم السنوية أمام الكونغرس بشأن التهديد الإيراني. وفي الأيام الأخيرة من ولايته، هرب إلى مقر إقامته في مار إيه لاغو ومعه وثائق استخبارية شديدة السرية.
إعلان
أثارت هذه التصرفات قلق خبراء الاستخبارات، ومن المؤسف أن هناك الآن فرصة كبيرة لتكرارها. على سبيل المثال، يشارك المرشحون الرئيسيون الجدد لتولي وكالات الاستخبارات ترامب تجاهله لمنجزات المجتمع، ويقدرون الولاء السياسي. فمثلا، تعد تولسي غابارد المرشحة لتولي منصب مدير الاستخبارات الوطنية من المنتقدين القدامى لعمل الاستخبارات الأميركية، كما أنشأ كاش باتيل المرشح لمنصب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي قائمة بأعداء “الدولة العميقة” لـ”تطهيرهم”.
وحتى المرشح لمنصب مدير وكالة المخابرات المركزية جون راتكليف، الأقل إثارة للجدل من بين الثلاثة، لديه سجل حزبي لا يمكن تجاهله، فهو المدير السابق للاستخبارات الوطنية لترامب، وفي أوائل يناير/كانون الثاني 2021، ورد اسمه ضمن المتورطين في تسييس التحليلات حول تدخل الصين وروسيا في الانتخابات الرئاسية لعام 2020.
ولإكمال المشهد، يحل رئيس مجلس النواب مايك جونسون محل النائب الجمهوري مايك تيرنر رئيسا للجنة الدائمة المختارة للاستخبارات في مجلس النواب بسبب مخاوف قادمة من “مار إيه لاغو” -إشارة إلى ترامب- وفقا لتيرنر. وسبق أن صوت تيرنر لصالح التصديق على انتخاب بايدن عام 2020 وكان من دعاة دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا.
وقد جادل روبرت غرينواي، عضو فريق ترامب الانتقالي المعني بشؤون وكالة المخابرات المركزية، بأن الإحاطة الاستخبارية اليومية الحالية، التي تقدم فيها وكالات الاستخبارات تقييمات مباشرة للرئيس بالتنسيق بينها، يجب أن تُستبدل بنظام موجه من خلال المعينين السياسيين من المستوى الأدنى في البيت الأبيض. ومن شأن مثل هذا النظام أن يزيد احتمالات سماع ترامب حصرا لما يريد سماعه، بدلا مما يحتاج حقا إلى معرفته.
وإذا تصرف ترامب وفريقه بمثل هذا التجاهل، فمن المرجح أن يؤدي موقفهم اتجاه مجتمع الاستخبارات إلى إضعاف تبادل المعلومات وإجبار الوكالات على تقييد تدفق الإحاطات الصادرة مخافة إساءة استخدامها. إن مسؤولي الاستخبارات مسؤولون عن حياة العملاء البشريين وكذلك عن منصات جمع المعلومات الباهظة الثمن التي لا يمكن تعويضها، وربما يخشون أنّ تناقص الحماية لمعلومات وكالاتهم يمكن أن يؤدي إلى تعريض هذه الأرواح والأصول للخطر.
إعلان
وسوف تكون عواقب ذلك وخيمة، وتكفي هنا الإشارة لتقرير لجنة 11 سبتمبر، الصادر عام 2004، الذي أشار إلى أن الفشل في تبادل المعلومات (خاصة بين وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي) كان عاملًا رئيسيا وراء الفشل في الكشف عن الهجمات ومنعها.
أكثر من ذلك، من شأن المخاوف بشأن تسييس الاستخبارات أن تحفز المزيد من الرقابة الذاتية، وهو ما يعني أن الضباط سوف يترددون في تمرير المعلومات التي لا تتوافق مع أجندة الرئيس، وربما تنحرف تحليلاتهم وتقييماتهم نحو خدمة المصالح السياسية للإدارة، بدلا من تقديم رؤى موضوعية وفق المعلومات المتاحة.
كانت هذه الديناميكية حاضرة في تحليل تدخل الصين في الانتخابات الرئاسية لعام 2020، وفقًا لتقرير أمانة التظلمات بشأن مجتمع الاستخبارات في يناير/كانون الثاني 2021، الذي أشار إلى أن مديري وكالة المخابرات المركزية تمسكوا بأحكامهم المسبقة حول أن الصين لم تسع لتشويه ترامب في الانتخابات وتجاهلوا جميع التقارير والمعلومات التي تشير إلى خلاف ذلك. وتماما مثل تضارب المصالح، تشوه الاستخبارات المسيسة العملية التحليلية؛ مما يقوض المناقشات الأساسية لحل المشاكل الصعبة.
دفع الحدود
ينطوي تسييس الاستخبارات على أخطار تتجاوز بكثير خسارة الموظفين وتحريف التقييمات وإشعال المعارك الداخلية. ومن المرجح أن يشعر مسؤولو الاستخبارات بالقلق إزاء التأثير الطويل الأمد الذي ستخلفه سياسات ترامب على أدوار وسلطات وكالاتهم؛ مما يؤدي إلى الحذر والتردد الذي يضر بالفعالية التشغيلية.
تتمتع وكالة المخابرات المركزية، على وجه الخصوص، بذاكرة طويلة عن العمليات التي أمر بها البيت الأبيض وجاءت بنتائج عكسية على الوكالة، مثل فضيحة إيران كونترا في الثمانينيات واستخدام التعذيب أثناء “الحرب على الإرهاب”، وكلاهما أدى إلى سنوات من التحقيق، وألحق أضرارا علنية بسمعة الوكالة.
إعلان
ونظرا إلى سجل ترامب في متابعة سياسات بعينها لتحقيق مصالح شخصية (كما فعل حين طلب من الرئيس الأوكراني زيلنسكي التحقيق بشأن جو وهانتر بايدن)؛ فمن المرجح أن يدقق ضباط الاستخبارات في تورطه في عملياتهم أو توجيهها، خوفا من أن تؤدي الدوافع السياسية أو التجاوزات إلى مساءلتهم أمام الكونغرس.
وكان هذا التحفظ موجودا بالفعل خلال فترة ولاية ترامب الأولى، فبحسب مجلة “وايرد”، حاول ترامب دفع وكالة المخابرات المركزية إلى الإطاحة بالدكتاتور الفنزويلي نيكولاس مادورو، لكنه قوبل بدعم فاتر غير متحمس من جانب البيروقراطيين القلقين من ردّ عنيف.
ومن المرجح أيضا أن تخلق وجهات نظر ترامب غير التقليدية في السياسة الخارجية واستعداده لاستعداء الحلفاء تحديات أمام تبادل المعلومات الاستخبارية مع الشركاء الأجانب. وأوصى “مشروع 2025” بأن يسعى البيت الأبيض إلى مزيد من السيطرة والإشراف على الشراكات الاستخبارية الأجنبية، بدلا من تركها تحت سيطرة وكالات الاستخبارات. ويثير تعيين ترامب لتولسي غابارد قلق حلفاء الولايات المتحدة، نظرا إلى نهجها الودي نسبيا مع روسيا والرئيس السوري السابق بشار الأسد (الذي التقت به عام 2017).
وفي يوليو/تموز 2024، أخبر العديد من المسؤولين الأجانب مجلة بوليتيكو أن مستشاري ترامب أبلغوهم أنه يفكر في تقليص تبادل المعلومات الاستخبارية مع شركاء الناتو ضمن خطة لتقليص الدعم للحلف الأطلسي (الناتو). وفي مايو/أيار 2017، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن ترامب مرر معلومات استخبارية قادمة من إسرائيل إلى وزير خارجية روسيا في اجتماع في المكتب البيضاوي.
لا غنى عن الشراكات الأجنبية الصحية لمجتمع الاستخبارات، إذ تجمع الحكومات الأجنبية وتنقل الأفكار والمعلومات التي تفتقر الوكالات الأميركية إلى الوصول إليها أو الموارد اللازمة لجمعها. ولكن إذا أصبح الشركاء قلقين من أن الرئيس الأميركي أو مدير الاستخبارات الوطنية لن يحمي هذه المعلومات، أو أنها ستستخدم لمباشرة سياسات ضارة فلربما يتوقفون عن مشاركتها.
إعلان
وإذا حدث ذلك فلن تقتصر تداعياته على الاستخبارات وحدها، بل ستكتشف الإدارة أنها خسرت أداة مهمة لصنع السياسات وممارسة النفوذ. على سبيل المثال، حذرت واشنطن من الغزو الروسي لأوكرانيا قبل وقت طويل من حدوثه في فبراير/شباط 2022، مما ساعد على التهيئة لفرض عقوبات دولية قوية.
البحث عن سلام
لا شك أن العديد من ضباط الاستخبارات يترقبون بقلق شديد ولاية ترامب الثانية، ويتذكرون الأحداث التي شهدتها السنوات الأربع لولايته الأولى، بداية من الزيارة الافتتاحية المثيرة للجدل للانغلي، وانتهاء بتمرد الكابيتول. ولكن ضباط الاستخبارات لديهم وجهات نظر سياسية متباينة، وعندما يتعلق الأمر بعملهم فإن أغلبهم غير مسيسين، وكل ما يريدونه هو التركيز على مهمتهم الأساسية في ضمان سلامة وأمن الشعب الأميركي.
وإذا أدرك ترامب ذلك، فإنه يستطيع تسخير هذا التركيز وهذه الطاقة لتأمين الولايات المتحدة في الداخل والخارج. ومع انتقال أقل فوضوية، وخبرة أكبر، أصبح ترامب أكثر استعدادا للعمل مع الاستخبارات هذه المرة مقارنة بما كان عليه خلال ولايته الأولى. ولكنه لا يزال يحتقر البيروقراطيين الفيدراليين ويحمل ضغينة راسخة بسبب التحقيق الذي أجراه مجتمع الاستخبارات بشأن تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية لعام 2016. لذا فإن المسار الذي يشير إليه، من خلال خطابه وتعييناته، هو المواجهة.
وفي حال مضى ترامب قدما في هذا الطريق، فسوف تواجه وكالات الاستخبارات الأميركية تحديات خطيرة في تنفيذ عملياتها اليومية والتركيز على مهامها الأساسية، ولكن لا يزال أمام محترفي الاستخبارات مهمة يتعين عليهم القيام بها، وربما تكون أفضل خططهم هي محاولة القيام بها على أكمل وجه.
في عام 1961، كاد غزو خليج الخنازير الفاشل بقيادة وكالة الاستخبارات المركزية أن ينسف علاقات الوكالة مع الرئيس جون كينيدي الذي تولى منصبه حديثا. ولكن في العام التالي، استعادت الاستخبارات بعض ثقة كينيدي إثر تقديم معلومات تفيد بأن الاتحاد السوفياتي كان يسلم صواريخ نووية إلى كوبا. ويخبرنا ذلك أنه حتى الرؤساء المتشككين العدائيين غالبا ما يغيرون موقفهم عندما يدركون أنهم بحاجة إلى إفادات الاستخبارات وقدراتها.
إعلان
كما أن مجتمع الاستخبارات لديه آليات إشرافية عديدة يمكنه استخدامها لجعل الأمر أكثر صعوبة على فريق ترامب لإساءة استخدام المعلومات الاستخبارية بما يتجاوز تعزيز الأهداف السياسية، وهي آليات تطورت بالتوازي مع أدوار الاستخبارات وسلطاتها الفريدة. وسوف يكون من الصعب على البيت الأبيض الإحاطة بتفاصيل البيروقراطية الاستخبارية السرية والمترامية الأطراف، خاصة أن ترامب ليس معروفًا بالتركيز والمثابرة، ويعني ذلك أن جزءا كبيرا من عمل الاستخبارات سوف يستمر في الظل بغض النظر عن السياسات التي ينتهجها ترامب.
وفي نهاية المطاف، فإن فترة ولاية ترامب الرئاسية ستستمر أربع سنوات فقط، وليس بالإمكان إعادة انتخابه مرة أخرى. وينبغي أن يتجنب مسؤولو الاستخبارات خلال تلك الفترة تشتيت انتباههم، وعليهم إيجاد طريقة للبقاء مركزين على المهام الأساسية. ومن خلال القيام بذلك، يمكنهم ضمان أن تكون اضطرابات ترامب مجرد فترة مؤقتة وليست تغييرا جذريا في طبيعة مجتمع الاستخبارات الأميركي.
_________________
هذه المادة مترجمة عن فورين أفيرز ولا تعبر بالضرورة عن الجزيرة نت
الجدير بالذكر أن خبر “لماذا تخاف "سي آي إيه" عودة ترامب؟” تم نقله واقتباسه والتعديل عليه من قبل فريق اشراق العالم 24 والمصدر الأصلي هو المعني بما ورد في الخبر.
اشترك في نشرة اشراق العالم24 الإخبارية
الخبر لحظة بلحظة
اشرق مع العالم
اقرأ على الموقع الرسمي
روابط قد تهمك
مؤسسة اشراق العالم خدمات المواقع والمتاجر باك لينكات باقات الباك لينك
اكتشاف المزيد من اشراق العالم 24
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.