عاجل الآن

أسطورة اختراق مستعرب صهيوني للجهاد المقدس عام 1948

اشراق العالم 24 متابعات عالمية عاجلة:

نقدم لكم في اشراق العالم24 خبر “أسطورة اختراق مستعرب صهيوني للجهاد المقدس عام 1948”

يحكي نيتح في كتابه أنه ولد عام 1918 لأسرة يهودية في عكا، ولظروف العائلة الصعبة انتقلت عام 1920 للاستقرار في دمشق حيث نشأ وترعرع، قبل أن يعود ليستقر في مستوطنة تل أبيب. في روايته هذه يحاول نيتح أن يضع نفسه في كل نشاط مركزي من الأنشطة المؤسسة لمجتمع المستعمرة، فأولا يتحدث عن مشاركته عمه في تهريب يهود دمشق إلى فلسطين، قبل أن يلتحق عام 1935 بالهاغاناه، المنظمة العسكرية الصهيونية الأبرز.

أثناء ذلك، يتعرف على شخص يسمى محمود الحسيني في الحمة، ادعى الحسيني أنه ناشط في مخابرات الهاغاناه، وأنه يعرف ويعرف، فتشكك نيتح، إلى أن جاء يوم حادَث فيه الحسيني موشيه شاريت هاتفيا طالبا لقاءه بمعية نيتح في أحد مقاهي تل أبيب، قدم شاريت مسؤول الملف السياسي في الوكالة اليهودية، وأحد أبرز أركانها، ختم شاريت اللقاء بحديث لنيتح: “إنه منا، ثق به”.

وفي أجواء الغروب، تآخى نيتح ومحمود الحسيني بالدم على شاطئ يافا. وبعد حين، وبينما كان محمود ونيتح في زيارة للقدس، بدأت المواجهات، واضطرا للبقاء فيها. تواصل محمود مع قيادة الهاغاناه في تل أبيب، وأخبر نيتح بقرار القيادة ببقائهما في القدس للتجسس، فتوجها إلى السوق واشتريا كاميرا وزيّا يشبه زي “العصابات” العربية، وفي الشيخ جراح التقى في أحد منازل عائلة الحسيني بعبد القادر الحسيني الذي سيصير زعيمها.

قصة محمود وقصة التآخي هنا، ومركزية محمود في نشاط نيتح التالي في الهاغاناه، والتي حضرت في قصته المنشورة في “ليشاه (le’isha)” يوم 3 سبتمبر/أيلول 1973، واستعادها بحرفيتها تقريبا في كتابه؛ تختلف وقصة أخرى نسبت إلى نيتح في 2 مايو/أيار 1974.

فإيلي كوهن سنة 1948 هو بطل المشهد المتفرد، نشأ في بيئة عربية، ولما هاجر إلى فلسطين عاشر العرب، وكان له علاقته التجارية بهم، ولما بدأت معركة يافا استدعي من مقر الهاغاناه في تل أبيب ليذهب في مهمة جريئة متسللا بين صفوف اللاجئين العرب المغادرين يافا، فحصل على بطاقات هوية مزورة، ومعدات تصوير متطورة، وقدم له محمود، بوصفه عربيا من مواليد يافا عمل سابقا مع الهاغاناه ليكون مساعده.

يمضي إيلي كوهن 1948 المسير في موكب لاجئي يافا إلى أن يصل القدس، فيطلب لقاء عبد القادر الحسيني ليستأذن منه بالعمل مصورا صحفيا في المنطقة. وافق بشرط أن يعطوه نسخة من صور معاركه لأنه يريد الاحتفاظ بها في ألبومه، وافقا على الشرط وأعطوا الحسيني ألبوما احتوى صورهما الأولى.

في هذا اللقاء بالحسيني، سمعوا عن خططه للهجوم على القسطل، فطلبوا المشاركة، وكان لهم ما أرادوا، شهدا مقتل الحسيني، وحزن محمود على ابن عمه، وأخبرا قيادتهما التي كان التواصل معها بنقاط ميتة بالأمر، وفي إحدى معارك الشيخ جراح أصيب محمود بجروح خطرة، خشي نيتح من أن يفشي محمود سره، فجاوره في المستشفى إلى أن مات. لينتقل نيتح إلى منطقة الخليل ويشاهد سقوط غوش عتصيون، وخلال هذه المعارك فقد الاتصال بالهاغاناه.

غوش عتصيون، الحاضرة في الرواية هذه، كانت حاضرة في الرواية الأولى -رواية الكتاب- بوصفها موضع نشاط نيتح ومحمود الأول، إذ كلفوا بالتجسس على القوات العربية في الخليل، ولما علموا حاولوا الاتصال بقيادتهم وفشلوا لأن قوات الحسيني الشهيد قطعت الطريق. ويبدي نيتح أسفه على أنه كان سببا في معركة غوش عتصيون الأولى، إلا أنه أعطى صورا للهاغاناه مكنتها من التعرف على تفاصيل الحديث والأسلحة التي بيد القوات العربية. وليخفي عمله، أعطى نسخا من الصور للصحف العربية، صارت توزع كصور تذكارية أيضا.

وبالكاميرا كسب نيتح -وفقا لهذه الرواية- القلوب. وفي روايته هذه يحول نيتح هزائم صهيونية في معارك القدس للحديث عن بطولة مزعومة، ففي معارك الشيخ جراح، ورامات راحيل والقطمون، وعندما يعجز عن مساندة القوات اليهودية؛ يبدأ ومحمود بالصراخ بأننا نخسر المعركة، فيصاب العرب بالذعر وتقل خسائر اليهود. وليبرر صور فوزي القاوقجي التي في مجموعته، يقول بأنها التقطت في مقر القاوقجي في بيسان -وهذا لم يكن، إذ كانت الصورة في بلدة جبع- يوم طلب منهما الحسيني الشهيد التوجه إلى بيسان لطلب مساعدة القاوقجي، فعادا مع المقاتلين. ولما سمعا بدير ياسين صورا الضحايا ونشرا أخبارا مزورة عن وصول عدد القتلى لـ600 امرأة و500 رجل و400 طفل.

فوزي القاوقجي وعدد من القادة في بلدة جبع، ويُظن أنها التقطت في مارس/آذار 1948. (تصوير: خليل رصاص)

وفي صباح اليوم التالي، جمع الحسيني قادته حول خريطة نشرت على الأرض، ومن الاستماع إلى حديثهم فهم يسرائيل بأن الحديث عن هجوم وشيك، فأخذ صورا من زوايا قريبة للخريطة، ليرسلها لقادته. ولما رآه الحسيني طلب التقاط صورة له، كانت صورته الأخيرة. وبعد معركة القسطل، وتحريضه العرب للنزول عن الجبل لحضور جنازة الحسيني الشهيد، لم يجد نيتح بعد كل ذلك اعترافا من قيادته بجهده، فغضب وقرر العودة إلى أسرته التي لم تكن تعرف عنه شيئا، وصدم بزوجته وهي ترتدي السواد ظنا منها أنه قتل.

أما محمود فيحكي بأنه قتل برصاص اليهود في مواجهات في حي مئهشعاريم، وبفقده لمحمود شعر بأنه فقد جزءا من جسده. وبعد وقت قصير غادر أسرته إلى غوش عتصيون ليشهد سقوطها وليعود من جديد إلى أسرته. في الفصل الأخير من هذه الرواية، يتحدث عن استدعائه للخدمة في الجيش في شهر يونيو/حزيران 1948، ومشاركته في منطقة القدس مجندا في لواء عتصيوني، حيث شهد احتلال عين كارم. ولم يكن يعلم قادته الجدد عن جهده السابق، الذي لم يكن يعرفه سوى عدد محدود من القادة كشاريت وقائد الهاغاناه في القدس دافيد شلتئيل.

تناقض روايتي نيتح يثير الشك في مجمل روايته المتصلة بدوره كمستعرب، فإذا أضيف إلى ما اكتشف عن سرقته لصور رصاص، وكذبه في بيان مناسباتها يمكن التأكد من أن كل القصة التي احتفي بها في الصحافة العبرية، بعد بث لقاء لنيتح في برنامج تلفزيوني “هذا سري” عام 1973، إذ كان المضيف أحد زبائن بائع الفلافل نيتح، وكما يبدو فإن نيتح بنى الحكاية، أو بنيت له، على ألبوم صور مسروق، من صور رصاص، وصله بطريق ما، إما أثناء خدمته في منطقة القدس أو بعد ذلك، كما وصل لكارمل، وكما وصل لصفحات مجلة الجيش الصهيوني “بمحنيه”، التي نشرت جزءا من هذه الصور في تقريرها: في الطريق إلى الاستقلال، حرب القدس، صور من الجانب العربيّ، في مايو/أيار 1951. وبهذا الظهور والاحتفاء التالي، الذي بقي في مجمله محدودا ولا يليق ببطولة نيتح المدعاة، اشتهر بعد مقابلات نيتح المصورة والصحفية مطعمه وحقق ما أراد.

تاريخ لبيع الفلافل

يوم إعلانه عن سره المزعوم، برر نيتح صمته خلال السنوات السابقة بخشيته على أسرته التي بقيت في دمشق، ولذلك لم يشتهر دوره في الحرب المؤسسة، التي اعتنى كل صهيوني على إثرها بإبراز دوره فيها وإن كان هامشيا، لأن إثبات المشاركة في هذه الحرب لم تكن غايته يومها التأريخ لها، وإنما الاستثمار في المشهد السياسي التالي لها.

ولهذا اشتد الصراع على رواية تاريخ الحرب صهيونيا، وسعى كل شخص لإثبات دور ما في الحرب، ونفيه عن الآخرين. لكن كما يبدو من عناصر روايات نيتح، فإن التأخر في كشف السر المزعوم لم يكن إلا لغياب الرواية.

ولما أتى من يحبكها، حرص على قتل الشهود، فكل من كان يمكن أن يكون مرجعا ليدقق الرواية قتل أو مات، فعنصر الرواية المركزي محمود الحسيني قتل ولم يعرف قبره، ولم تشر لوجوده في يوم من الأيام أي رواية صهيونية أخرى، رغم أن إعلان وجوده كان سيكون قصة نجاح كبرى للمخابرات الصهيونية، زمن العصابة، وزمن الجيش، لصلته المزعومة بالحسيني الشهيد.

أما شهود الرواية الصهاينة، موشيه شاريت ودافيد شلتئيل، فكانا قُبرا قبل زمن. ولو كان لشاريت أو رجاله مثل هذا الإنجاز في اختراق الجبهة العربية لكان أول المحتفين به.

إذن، لم يوجد مستعرب يوما باسم إبراهيم السيد، ولم يوجد جاسوس كمحمود الحسيني، ولم توجد إلا صور خليل رصاص المبثوثة في ثنايا الصحف أيام المعارك، والمنهوبة بعدها.

هذا الاستنتاج أثار في نفسي السؤال مجددا عن كثير من الحكايا المبثوثة في المصادر الاستعمارية عن المستعربين خصوصا، ومخابرات الهاغاناه عموما، في حرب 1947-1949، والتي ستكون جزءا صغيرا من أدبيات “التسحيج” لمخابرات الصهاينة التالية، خصوصا أن التاريخ هنا لا يزيد من مبيعات الفلافل فقط، وإنما هو مصدر رئيس لشرعية السياسي التالية للحرب.

ولعل الصراع على التاريخ هذا أحد أبرز المصادر التي يمكن من خلال تتبع أوجهه بيان كثير من ثغرات، أو تخاريف، بعض الروايات المبثوثة في أدبيات الحرب الصهيونية، فمثلا ستجد حديثا من مؤرخ كأوري ميلشتاين للحديث عن إخفاق الهاغاناه ومخابراتها يوم تفجير مقر الوكالة اليهودية في القدس بيد رجال الجهاد المقدس، وأن الإخفاق قاد أحد أبرز مؤرخي الهاغاناه في القدس، يتسحاق ليفي في كتابه الصادر عن وزارة الأمن “تسعة أقواب: القدس في معارك حرب الاستقلال”، لحذف كل ما قد يؤشر إلى إخفاقه في هذا، وأن الأمر تجاوز التأليف لحذف كل مصدر أولي في الأرشيف يمكن أن يدينه.

لكن النظر في تناقضات المصادر الاستعمارية لتعرية هذا التاريخ قد يكون خيار المؤرخ الثاني، فأهل البلاد أدرى بدروبها، وكما حكى الريماوي قصة صور بديا، حكى فوزي القطب قصة الإخفاق الصهيونية يوم تفجير الوكالة في القدس.


الجدير بالذكر أن خبر “أسطورة اختراق مستعرب صهيوني للجهاد المقدس عام 1948” تم نقله واقتباسه والتعديل عليه من قبل فريق اشراق العالم 24 والمصدر الأصلي هو المعني بما ورد في الخبر.
اشترك في نشرة اشراق العالم24 الإخبارية
الخبر لحظة بلحظة
اشرق مع العالم

اقرأ على الموقع الرسمي


اكتشاف المزيد من اشراق العالم 24

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من اشراق العالم 24

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading