أدب وثقافة

يحيى حقى.. ماذا قال عن المناضل أحمد كيرة؟

اشراق العالم 24 متابعات ثقافية:


أعمال يحيى حقى من أكثر الأعمال شهرة على الإطلاق، ولا شكَّ في أنَّ جميعنا استمتع بقراءتها، ووجد فيها غايته من المتعة والفائدة، وكان الأكثر إمتاعًا لنا هو تحوُّل أعماله من المقروء إلى المرئي، كقنديل أم هاشم مثلاً والمفاجأة أنك عندما تبحث في أعماله، تجد أنه كتب عن شخصيات ربما لم يسمع عنها جيلنا، أو أنهم لم يأخذوا الحظَّ الكافي من الشهرة، من بين تلك الشخصيات، كان أحمد كيرة، أحد أعضاء التنظيم السري لثورة عام 1919، فماذا قال يحيى حقي عنه؟


في البداية علينا أن نُوَضِّح، بأنَّ معرفة الأجيال الجديدة لشخصية أحمد كيرة، كانت من خلال رواية “1919” للكاتب المصرى أحمد مراد، وسواءٌ اتفقت أو اختلفت معه، فأنت موقن من أن مراد يسلط الضوء على شخصيات لم نسمع عنها يومًا والحقيقة أنَّ يحيى حقي كان من أوائل مَن كتبوا عن أحمد كيرة، وهو لم يكتب سيرته الذاتية، لكنه كتب عن علاقته به، ففي كتابه “ناس في الظل”، حكى حقي قصة هروب كيرة من مصر قائلاً: “أصبح عبد الحي بعبعا عند الإنجليز، فطلبوه بعد أن فتلوا له حبل المشنقة، بحثوا عنه في كل مكان فلم يجدوه رغم تجدد إغاراته.. تسلل إلى الحدود الغربية، ثم إلى ليبيا، ثم سافر إلى إسطنبول حيث لقيته بها سنة 1930”.


في نهاية العقد الثاني وبداية الثالث من القرن الـ20، سافر يحيى حقي للعمل في القنصلية المصرية في تركيا، وهناك كانت بداية لقائه بأحمد كيرة.


ويحكي عن تلك الفترة قائلاً: “والله أعلم بما لقيه من مشقة وأهوال، وكان لابد لي ولا مناص أن أسعى إليه لأعرفه، وكيف لا أفعل واسمه يرن في أذني رنين أسماء أبطال الأساطير، ولكن شاء لي سوء الحظ أنني كنت حينئذ موظفًا بالقنصلية، وعبد الحي يتفادى المكان وأهله تفاديه للوباء، لأن الاحتلال الإنجليزي كان لا يزال رابضا على مصر، فكنت لا ألقاه إلا صدفة، فأقطع عليه الطريق، إنه يعرفني ويراني ولكنه يتجاهلني، فلا أترك يده بعد المصافحة، بل أبقيها في يدي وأقول له إن لي صداقة حميمية ببعض أقاربه وبلدياته، وأذكرهم له بالاسم، وألح عليه إلحاحًا شديدًا أن يمشي معي ولو خطوتين أن يضرب لي موعدًا لنأكل معًا، كل هذا وهو يستنفذ بإصرار يده من كلبشات يدي، يشكرني بابتسامة كلها حياء، ورأسه مطرق إلى الأرض، ثم يعتذر قائلا: قريبا إن شاء الله”.


ثم يصف حذره الزائد مِمَّن حوله، وكيف يحافظ على إنسانيته وأخلاقه،رغم ما يعانيه من مصاعب: “ظل هذا حالي معه أربع سنوات، لعل شدة إلحاحي عليه زادت من تخوفه مني.. رأيت عبد الحي في إسطنبول المثل الإنساني الفذ للرجل الشريد، ما أكثر أمثاله في أعقاب الحروب، كانت ملابسه تدل على مقاومة عنيدة للفاقة، وغلبت صفرته التحتانية على سمرته، يمشي على عجل وبحذر كأنه يحاول أن يفلت من جاسوس يتبعه، عيناه كالنار تطوف نظرتهما في دائرة الأفق كلها رغم إطراق رأسه، إن سره لا يخرج من شفتيه ولا من عينيه، لسانه ممسوك، مدرب على ألا يزل، مهما كانت الظروف والأحوال، بكلمة عفوية لم يسبقها تدبر وتفكر في وزن معناها، وتقدير أثرها، لا أثرها المباشر فحسب بل حتى أثرها البعيد، من أجل هذا الحذر خلال كلامه القليل كذلك من أى نغمة تعبر عن عاطفة، لأن النغمة لها أيضا معناها، فلست تدري من نبرة كلامه أهو سعيد أو غير سعيد، متعب أم غير متعب، هل جيبه دافئ أم نظيف، معدته خاوية أم عامرة، هل حذاؤه يسالمه أو يعقره، هل هو متعجل أو غير متعجل، هل هو قادم من عمل أتمه أو ذاهب إلى موعد ينتظره؟”. 


ثم يحكي عن شعوره يوم وصله خبر مقتل كيرة قائلاً:”بلغني أنهم عثروا على كيرة مقتولا بطعنة خنجر، جثته ملقاة في حفرة بجوار سور إسطنبول العتيق، بجانبها عود من ثقاب منطفئ، كان هو الأثر الوحيد، وهو، مثل العود، منطفئ أيضا، وقيل لنا إن التحقيق الذي جرى بسرعة، لم يسفر على معرفة الفاعل، ولا كيف حدثت الجريمة، كان كيرة معذورا وعلى حق في تخوفه وفراره”.



اقرأ على الموقع الرسمي


اكتشاف المزيد من اشراق العالم 24

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من اشراق العالم 24

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading