5 شروط لتعود الديمقراطية من جديد للعالم
اشراق العالم 24 متابعات عالمية عاجلة:
نقدم لكم في اشراق العالم24 خبر “5 شروط لتعود الديمقراطية من جديد للعالم”
تناولنا في الجزء الأول من هذا المقال ملامح ومؤشرات الركود الديمقراطي، وأشرنا إلى حجم الانحسار الذي تعيشه فكرة الديمقراطية وتراجع زخمها حتى في معاقلها التقليدية كالولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية. كما عرضنا لتداعيات هذا “الركود” على منطقتنا التي لا تزال تكافح من أجل التغيير والإصلاح والديمقراطية.
بيد أن هذا التراجع لفكرة الديمقراطية، أو انحسار زخْمها كنظام حكمٍ في العالم، لا يمنع من الوقوف عند مؤشرات كثيرة معاكسة تؤكد تطلعات الشعوب وكفاحها في أنحاء العالم من أجل “الديمقراطية”، ورؤية بلدانها تُدار بنظام حكم رشيد، حيث لا يشير الجدل الفكري والسياسي اليوم إلى غير الديمقراطية، كمنظومة حكم هي الأكثر مقبولية، أو إن شئنا القول إنها منظومة الحكم الأقل سوءًا وشرورًا.
فالديمقراطية كمفهوم سياسي، وكآلية للحكم ليست مفهومًا مغلقًا وستاتيكيًا، وهي ليست معطى ثابتًا، ولا مكسبًا مضمونًا ونهائيًا، بل هي حالة متحركة، لم تكن يومًا ولن تكون حالة مثالية مكتملة، على الرغم من أنها تُصوّر اليوم بشكل نوستالجي، باعتبارها المثال المفقود والنموذج الموعود، الذي عاشه وتنعّم به المواطنون في الماضي بينما افتقده مواطنو الحاضر، في حين تبدو الديمقراطية ديناميكية في التاريخ تطرأ عليها عوارض القوة والضعف؛ الازدهار والانكسار.
تلوح اليوم مجموعة من الشروط والمؤشرات التي يمكنها أن تلعب دورًا مهمًا في أن تخرج الحالة الديمقراطية من الركود إلى الصحوة، ومن التعثر إلى النهوض، ومن الانحسار إلى الانتشار، مستعيدة جاذبيتها كفكرة، وفاعليتها كمشروع إنقاذ.
- أولًا: الحاجة لإعادة تعريف الديمقراطية وتحريرها المفهومي من المركزية الغربية، باعتبارها كسبًا إنسانيًا وخبرة تاريخية للبشرية جمعاء، تتجاوز في نشأتها التجربة اليونانية، إلى فضاءات حضارية كثيرة.
تخليص فكرة الديمقراطية من القفص الثقافي الغربي، وتحريرها من هذه المركزية المتغلبة والغالبة، يساعد على استعادتها كتجربة إنسانية ساهمت شعوب وحضارات متعددة ومتنوعة في نشأتها وتطورها، فكرًا وآليات.
ويمكّن هذا التحرير المفهومي للديمقراطية من إطار المركزية الغربية، من النظر لهذا الكسب بعيدًا عن الحذر منها أو التوتر تجاهها أو سوء التفاهم التاريخي في العلاقة بها، وهو موقف سلبي راكمته قرون من الاستيلاء الغربي على هذه الفكرة، والزعم بأنها كسب غربي خالص، نشأ في فضائها الحضاري، ثم فاضت به على البشرية تنعّمًا.
- ثانيًا: الحاجة لتحرير الديمقراطية من سطوة الأيديولوجيا والطائفية. ففي المنطقة العربية تعاني بلداننا من انقسامات حادة على أساس أيديولوجي. وتحولت هذه الانقسامات إلى عقبة كأداء في وجه فرص التغيير ابتداءً، ثم لمعوقٍ أمام أي انتقال ديمقراطي تاليًا.
فالتيارات السياسية في المنطقة العربية بقدر ما رفعت لواء التغيير وكافحت من أجله، بقدر ما مثّل تمترسها خلف أيديولوجياتها الصارمة والصلبة، وعدم تحليها بالمرونة لتحقيق التوافقات وبناء الجبهات السياسية المؤهلة للتغيير، حاجزًا أمام تحقيق التغيير.
وقد لعب الاستبداد في المنطقة بورقة الانقسامات الأيديولوجية واستثمرها أي استثمار باستدامة ضعف قوى المعارضة وضرب بعضها ببعض، وتبديد أي فرص للتغيير، بل وحتى الإصلاح.
وتبدو الحاجة لتحرير الديمقراطية ملحّة وماسّة في ظل ما عاشته التجارب العربية التي تحقق فيها تغيير النظام السياسي، على غرار تونس ومصر وحتى اليمن. ففي هذه الدول أعاق الانقسام الأيديولوجي بين القوى التغييرية مسار الانتقال الديمقراطي، فانتهى إلى فشل التجربة وإغلاق قوسها، وعودة أنظمة حكم عسكرية أو شبه عسكرية متحكمة، بينما جرى إضعاف أو إقصاء كل تلك القوى المنقسمة أيديولوجيًا من المشهد السياسي.
إلى ذلك يعاني العراق ولبنان من طائفية حرمت البلدين من انتقال ديمقراطي طالب به العراقيون واللبنانيون خلال حراك شعبي كبير بين 2019 و2021 من أجل التغيير والإصلاح والحرب على الفساد، والعدالة الاجتماعية. ونجحت القوى النافذة في الحكم أن تلتف على ذلك الحراك الشعبي، وتجهض فرص التغيير والإصلاح الجدي.
- ثالثًا: الحاجة لتحرير الديمقراطية من الأنانية السياسية. فبقدر ما تلعب شخصيات وتيارات سياسية دورًا بارزًا ورياديًا في تأسيس المشهد السياسي، تصديًا للإصلاح والتغيير، بقدر ما تتحول هذه الشخصيات وهذه التيارات في لحظة ما إلى عوائق أمام تجربة التغيير والإصلاح والانتقال الديمقراطي.
فجوهر الديمقراطية كآلية للحكم الرشيد بكل أدواتها المؤسساتية والقانونية والرقابية، يحكمها مبدأ التداول السلمي على السلطة، عبر الانتخابات الحرة والديمقراطية والنزيهة.
لكن أثبتت العديد من التجارب أن شخصيات وتيارات سياسية، تحوّلت من قوة إصلاح وتغيير، إلى قوة عرقلة وإرباك؛ بسبب الإصرار على الاستمرار وعدم السماح بالتداول على القيادة أو على السلطة، إما بزعم أنها ناجحة ولا تتغير أو بزعم المخاطر التي يمكن أن تنجرّ على التغيير.
وتساق حجج ومبررات كثيرة، يبدو بعضها معقولًا ومنطقيًا، ولكنه يكرّس على المدى البعيد الاستمرارية على حساب التجديد والتداول. وتحرم الأنانية السياسية، أحزابًا ودولًا من ميزة التداول، ويفوّت عليها فرص التجدد والتحوّل.
وتعاني جميع التيارات والقوى من الأنانية السياسية، ولم ينجُ منها لا اليسار ولا الإسلاميون ولا القوميون ولا الليبراليون. وهي مرض سياسي مستفحل يكاد يجعل من الديمقراطية فكرة طاردة للأجيال الشابة المتطلعة للمستقبل، تغييرًا وتجديدًا، أشخاصًا وأفكارًا.
- رابعًا: الحاجة لتحرير الديمقراطية من الليبرالية المتوحشة واقتصاد السوق. ففي وقت اكتسحت فيه العولمة القيم الكونية، وتمكنت فيه الرأسمالية المتوحشة من مفاصل الاقتصادات، بات المتحكمون في الاقتصاد هم المتحكمون في العملية الديمقراطية بكاملها، هم من يحددون قواعد اللعبة في الانتخابات وفي تشكيل الرأي العام وفي توجيه اختيارات الناخبين، عبر وسائل الإعلام والتواصل، التي أصبحت أسيرة قواعد التحكم والخوارزميات.
فبقدر ما تبدو وسائل التواصل الاجتماعي حالة من الحرية السائلة والسائبة، بقدر ما تخفي حجم التحكم والسيطرة عليها من قبل المؤسسات العملاقة التي تديرها بطريقة ناعمة، ولكنها تغولية وتحكمية.
ونتج عن اختطاف العملية الديمقراطية إفراغها من جوهر فلسفتها القائمة على الحكم الرشيد، بما في ذلك العدالة الاجتماعية. وبقدر ما جرّدت الليبرالية الاقتصادية نظام الحكم الديمقراطي من أسس العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، بقدر ما تحولت فكرة الديمقراطية إلى فكرة طاردة، وغير جاذبة، بعد أن أصبحت تبدو لقطاعات واسعة من المجتمع باعتبارها أداة لتحكم مؤسسات الدولة العميقة، المختطفة والمشكلة أصلًا على مقاس اقتصاد السوق والليبرالية الاقتصادية.
لذلك يُعد تحرير الديمقراطية من سطوة اقتصاد السوق والليبرالية الاقتصادية، وإعادة تبيئتها ضمن فلسفة حكم تقوم على العدالة الاجتماعية والرؤية التنموية الاقتصادية الاجتماعية مهمة حيوية من أجل استعادة زخمها كآلية للحكم لا التحكم، وبالتالي استعادة ثقة الشعوب فيها كأفضل وأرشد أنظمة الحكم وأقومها مسالكًا.
- خامسًا: رغم الشكوك والانحسار الواضح لزخم فكرة الديمقراطية، غير أن التمسك بها ولو شكليًا مازال الموقف الراجح لدى عشرات البلدان في العالم. ففي العام 2024 جرى تنظيم أكثر من 70 عملية انتخابية في أنحاء العالم، ما يؤشر على أن الرهان على المسار الديمقراطي لم يتراجع بالمطلق، وإنما داخلته انحرافات وتشوّهات، تحتاج للمراجعة والتصحيح.
والمؤكد أن هذه الانتخابات التي يجري تنظيمها يطغى على الكثير منها صبغة شكلية استعراضية، لا تعبرّ عن إرادة حرة بالكامل، ولا تتسم بالشفافية التي تضفي على المنتصرين فيها الشرعية الكاملة، وإنما هي عملية مشوّهة لتكريس سلطة الأمر الواقع، أو إضفاء شرعية على سلطة تغلّبت.
تحتاج قوى الإصلاح والتغيير المدافعة عن الديمقراطية أن تكافح من أجل عملية انتخابية أكثر تعددية ونزاهة، كشرط في مسار ديمقراطي حقيقي يعكس الإرادة العامة للناخبين.
ويؤكّد تمسّك عشرات البلدان بتنظيم انتخابات ومؤسسات حكم تمثيلية حتى وإن بدت في الكثير من الأحيان شكلية، على أن المنحى التراجعي والنكوصي على فكرة الديمقراطية ليس منحى نهائيًا، أو أنه غير قابل للتوقف (irreversible)، وإنما يمكن النظر لذلك باعتباره فرصة لتصحيح وإعادة إنعاش مسار ديمقراطي جدي وحقيقي.
- سادسًا: يمثّل “الحق في تقرير المصير” وما يرتبط به من حاجة الشعوب وتعطّشها للتغيير، عاملًا مهمًا وحيويًا في استعادة الديمقراطية لزخمها، باعتبارها خشبة الخلاص الجلية اليوم، في منح الشعوب التائقة للحرية، بارقة أمل من أجل نظام سياسي أقل شرورًا، وأكثر تعبيرًا عن إرادتهم الجماعية.
فمنطقة مثل منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، يظهر سجلّها وتصنيفها في التقارير والمؤشرات العالمية المتخصصة، أنها هي الأسوأ في العالم من حيث الحرية والعدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية وغياب الحكم الرشيد.
وهي منطقة بقدر ما تتوفر فيها من مقدرات وإمكانات، بقدر ما تعتبر الأسوأ لجهة انتشار المجاعة والفساد والأنظمة الاستبدادية. فمثلًا اضطرت مؤسسة “مو إبراهيم للإنجاز في القيادة الأفريقية”، وهي مؤسسة متخصصة في الديمقراطية والحوكمة والحكم الرشيد، لأن تحجب جائزتها المقدرة بخمسة ملايين دولار، لسنوات متتالية؛ بسبب عدم جدارة أي قائد أفريقي بالجائزة.
ويمثل انتشار التعليم، والنسبة الكبيرة لفئة الشباب في المنطقة، وارتفاع الوعي لديهم بالحاجة لأنظمة سياسية تستجب لتطلعاتهم، عوامل ضاغطة من أجل الإصلاح والتغيير، لذلك نشهد بشكل دوري حراكًا شعبيًا وأشكالًا متعددة من الاحتجاجات المتصاعدة، تمثل الأرضية الخصبة لانتعاش فكرة الديمقراطية كسبيل لهذا الإصلاح وهذا التغيير.
سابعًا: مثّل انتصار الثورة السورية بعد أربعة عشر عامًا على انطلاقتها حدثًا تاريخيًا بارزًا ليس فقط لسوريا وإنما للمنطقة وحتى العالم، بما حمله من دلالات وما سيخلّفه من تداعيات. ففي وقت سادت فيه حالة من الانكسار ومزاج من الإحباط واليأس، اندفعت الثورة السورية، مستفيدة من الأحداث في المنطقة، وما أسفرت عنه من تغيّر في بعض المعادلات، لتطيح بواحد من أعتى الأنظمة الاستبدادية والدموية في المنطقة، ولتعلن نهاية حقبة استمرت لنصف قرن حكم خلالها نظام الأسد سوريا بالحديد والنار.
وضخّ انتصار الثورة في سوريا موجة إيجابية غير مسبوقة في شعوب المنطقة، حيث سادت حالة من استعادة الأمل والحلم في التغيير.
وسبق انتصار الثورة السورية أحداث أخرى في بنغلاديش، وباكستان، أشرت على إصرار شعب البلدين على التغيير. فقد دفعت تحركات شعبية وطلابية حاشدة في بنغلاديش إلى هروب رئيسة الوزراء المتسلّطة من البلاد، وأُغلقت معها حقبة طويلة من الاستبداد والدكتاتورية والفساد. كما شهدت باكستان ولا تزال حراكًا شعبيًا واسعًا لاستعادة المسار الديمقراطي، وللمطالبة بالإفراج عن رئيس الحكومة عمران خان المطاح به من قبل العسكر.
ففي منحى معاكس لتراجع زخم الديمقراطية، تنهض اليوم مع بداية العام الجديد الثورة السورية كلحظة تاريخية لاستعادة زخم التغيير في المنطقة. فنجاح الثورة السورية يؤشّر اليوم على سيناريو موجة جديدة في مسار الربيع العربي، يمكن تسميتها بالموجة الثالثة. وبالنظر للأهمية الإستراتيجية لسوريا وثقل وزنها في المنطقة، فإن ما تحمله من دلالات كبيرة وتداعيات نوعية لثورتها على المنطقة، قد يجعل هذه الموجة الجديدة المتوقعة مختلفة نوعيًا وكميًا.
والخلاصة: تواجه المنطقة اليوم تحديات إستراتيجية ومخاطر كبرى تهدد المعادلات التي استقرّت عليها منذ أكثر من مائة عام. ولم تعد هذه التحديات والمخاطر تهدد التوازنات الإقليمية لمنطقتنا فحسب، وإنما تهديدات تطال حدود بلدان، بل ووجود بلدان أخرى.
وهو ما يجعل الاستخفاف بالديمقراطية والزهد فيها ترفًا يفاقم هذه المخاطر ويعمّقها. فجميع دول المنطقة اليوم في حاجة لتعزيز شرعياتها، وترميم اجتماعها السياسي وتمتينه، باتجاه وحدة أكثر صلابة ومناعة، ولن يتم ذلك إلا عبر نظام سياسي ديمقراطي، يأخذ بعين الاعتبار أخطاء وانحرافات التجربة السياسية المنصرمة فيتجاوزها.
تبدو ملامح المنطقة في شكلها الحالي القائم على تسويات وترتيبات الحرب العالمية الأولى، قد استهلك، ولم يعد قادرًا على الاستجابة لا لتطلعات وانتظارات شعوب المنطقة، ولا لمقتضيات استقرار أقطارها.
وتنهض الديمقراطية والاختيارات الديمقراطية السبيل الوحيد لولوج هذه المنطقة مئوية جديدة وحقبة جديدة تعبّر عن هويتها وتطلعات شعوبها، التي ملّت القهر والاستبداد والدونية.
منطقتنا في حاجة للديمقراطية الآن وللديمقراطية أبدًا.
الجدير بالذكر أن خبر “5 شروط لتعود الديمقراطية من جديد للعالم” تم نقله واقتباسه والتعديل عليه من قبل فريق اشراق العالم 24 والمصدر الأصلي هو المعني بما ورد في الخبر.
اشترك في نشرة اشراق العالم24 الإخبارية
الخبر لحظة بلحظة
اشرق مع العالم
اقرأ على الموقع الرسمي
روابط قد تهمك
مؤسسة اشراق العالم خدمات المواقع والمتاجر باك لينكات باقات الباك لينك
اكتشاف المزيد من اشراق العالم 24
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.