هل ينجح عون في حل التناقضات في لبنان؟
اشراق العالم 24 متابعات عالمية عاجلة:
نقدم لكم في اشراق العالم24 خبر “هل ينجح عون في حل التناقضات في لبنان؟”
لكن هناك مهمة دائمة وراسخة أمام أي رئيس لبناني، يزيد حضورها في الوقت الراهن، ألا هي “إدارة النخبة السياسية اللبنانية” ذات النزوع الطائفي المتعارف عليه، والذي يقره الدستور نفسه، إذ تقول المادة 95 منه: “بصورة مؤقتة والتماسًا للعدل والوفاق تمثل الطوائف بصورة عادلة في الوظائف العامة وتشكيل الوزارة دون أن يؤول ذلك إلى الإضرار بالمصلحة العامة”.
هنا يلزم رئيس لبنان أن يتمتع بخبرة سياسية، ولياقة ذهنية، تمكنه من التعامل مع نخبة تبدو كالمسرح الشكسبيري الذي يجمع بين فرقاء يتآمرون أحيانًا في الخفاء، ويتصارعون في العلن، حول المطامح والمصالح والمناصب، متشرّبين ملامح المجتمع اللبناني الفسيفسائية المعقدة، فيأتون على شاكلته، متنقلين في تقارب وتباعد، وتجاذب وتنافر بين حالات من الغليان الذي لا يعرف للتهدئة سبيلًا، ولا إلى الراحة طريقًا.
سيكون على الرئيس، أن ينظر خارج خلفيته العسكرية، ليدرك ما ترتبه “ذهنية الصفقة” التي تسيطر على الحياة السياسية، والتي لا يختلف فيها المستبحر في العقيدة، والمتفلت والعبثي الذي لا يؤمن بشيء، ولا ينكر اللبنانيون أنفسهم وجودها بقوة في حياتهم، فبعض الصحف تدير بوصلتها في اتجاه من يدفع، وبعض الناس يغيرون انتماءاتهم الطائفية مثلما تتبدل فصول السنة، ولبنان هو البلد الذي تضم فيه العائلة أحيانًا تحت أجنحتها المسلمين والمسيحيين، فالزواج مفتوح على مصراعيه.
وكما انقسمت العائلات، قسّمت المناصب السياسية أو وزعت، فرئيس الدولة مسيحي، ورئيس الوزراء مسلم سني، ورئيس مجلس النواب مسلم شيعي، وفي ذات الوقت توزع مقاعد البرلمان، وكراسي الوزارة، ووظائف الإدارة العليا على الطوائف حسب وزنها الاجتماعي. والحياة السياسية عامة يحكمها الزعماء، وهم قادة الطوائف ورؤوس المليشيات، ورؤساء الأحزاب، وكبار الملاك.
ولبنان الذي انفتح على العالم مبكرًا، نهل من الثقافات المختلفة حتى ارتوى، وتلونت خريطته الفكرية بشتى الألوان، فهناك التحديثي، وهناك التقليدي، وهناك الراديكالي في مقابل المحافظ، ويوجد من يفكر تفكيرًا لاتينيًا، ومن يسلك نهجًا أنجلوسكسونيًا، ويحيا فريق حياة دينية خالصة، وفريق آخر لا يرى للعلمانية بديلًا، وفي خضم هذا الانفتاح لا تزال العشائرية تعشش في العقل اللبناني.
هذه التركيبة اللبنانية المختلفة في العالم العربي، انعكست على النخبة اللبنانية، فجاءت حبيسة داخل الطوائف، وملونة بألوانها، فهي سواء كانت نخبًا سياسية، أم اقتصادية، أم اجتماعية، أم ثقافية، تظل بنت السياق الاجتماعي الذي أنتجها، وتمرّ آليات تجنيدها بالطائفة.
لا تقتصر مهمة الرئيس في إدارة الخلافات بين النخب على النخبة الرسمية التي تتبوأ مقاعد السلطة سواء في البرلمان أو الوزارة، لكن أيضًا على “النخبة المضادة” التي تضم أولئك الذين يخسرون في المنافسة الانتخابية على مقاعد مجلس النواب، والذين يتم تجاوزهم عند تشكيل الحكومات. وأولئك يشكلون نخبة قوية في وجه النخبة الحاكمة، حيث يمتلكون ذات المقدرات من التأييد والدعم المحلي، والتمرس في العمل السياسي العام، وامتلاك الثروة والتاريخ.
ورغم أن الحكومات المشكّلة دائمًا كانت تراعي مسألة احتواء أصحاب النفوذ وترضية الطوائف، فإن الحياة السياسية اللبنانية ظلت مليئة بالمتذمّرين والمتمردين؛ لذا ليس من الغريب أو الجديد أن تجد عقب كل تشكيل وزاري مجموعة ترفض وتعارض بشدة، وهي ليست من أولئك الذين تم استبعادهم فقط، بل أيضًا من بين الوزراء أنفسهم الذين لا يرضون عن حقائبهم، وكانوا يطمحون في حقائب أعلى وأكبر.
فنشاط النخبة السياسية في لبنان سواء الحاكمة أو المضادة جعل الحياة السياسية هناك مليئة بالحركة، ومتيّمة بالتغيير، ففي نحو 72 سنة تم تشكيل 65 وزارة، ومجلس النواب ينتقل عدد أعضائه من 55 إلى 66 إلى 77، ثم يهبط إلى 44، ويرتفع إلى 66، ويقفز إلى 99، ويستمر هكذا من عام 1960، حتى بعد انتهاء الحرب الأهلية فيقفز إلى 108 أعضاء، ثم أخيرًا 128 عضوًا.
فالطوائف تزيد وتبرز قوة بعضها؛ ولذا لا بدّ من أن يتم التنفيس عن هذه القوة بتوزيع الأعداد والمناصب والأدوار، وإلا حدث الانفجار بل إن هذا الانفجار كان محتومًا فاندلعت الحرب الأهلية، وشوهت صورة لبنان الاجتماعية، ولطخت جدرانه بدماء أبنائه.
وبعد اتفاق الطائف عام 1989 الذي أنهى الحرب الأهلية كانت هناك ثلاث قضايا تدور حولها النخبة السياسية اللبنانية في أدائها، وتحسب حسابها في تنافسها، وهي: تحرير الأرض السليبة، وإعمار البلاد المخربة، والحد من صراع الطائفية المرذول.
وهي قضايا تعود بتمامها بعد 35 سنة، فالأرض التي انسحبت منها إسرائيل في مايو/ أيار 2000، تحت ضربات المقاومة، عادت لتحتل جزءًا منها، ومناطق عدة في لبنان تم تدميرها وتحتاج إعادة إعمار، والطائفية لا تزال تطل برأسها، وقد تكون محل أخذ ورد أكثر من أي وقت مضى.
هنا سيكون على الرئيس الجديد أن يتعامل بذكاء ومرونة مع قضية المحاصصة السياسية والمذهبية والطائفية، ومع التجليات الواقعية لشعار:”الجيش والشعب والمقاومة”، ويعرف جيدًا كيف يمكن له أن يتحرك بخفة، لكن بتأثير شديد، في ظل صلاحياته المتقلصة لحساب رئيس الوزراء، وحاجته الماسّة إلى تعاون الحكومة، ومجلس النواب، والقوى الشعبية والمدنية معه لتنفيذ القرارات.
لكن الرمزية التي صار يشكلها “رئيس لبنان” بعد سنتين من شغور المنصب، وفي ظل سياقات إقليمية ومحلية ملتهبة، تجعل التعويل عليه من الناحية الواقعية، لا سيما عند الشعب اللبناني، أكبر بكثير مما ترتبه الصلاحيات، أو ما يحدد نفوذه السياسي في وجه تركيبة تحكمها عمليًا الطوائف والأحزاب السياسية، وتنعكس على المناصب الوزارية والبرلمانية.
هذه الرمزية يمكن أن تساعد عون، إن كانت لديه النية والعزم، على ألا يستسلم للتركيبة السياسية التقليدية في اختيار رئيس الحكومة والوزراء وقادة المؤسسات والإدارات الأساسية، لتكون عينه على من يقدر على أن يمد يده للبنان الآن، وهو يعيش لحظة حرجة من تاريخه المعاصر، عليه أن يعبرها بسلام.
الجدير بالذكر أن خبر “هل ينجح عون في حل التناقضات في لبنان؟” تم نقله واقتباسه والتعديل عليه من قبل فريق اشراق العالم 24 والمصدر الأصلي هو المعني بما ورد في الخبر.
اشترك في نشرة اشراق العالم24 الإخبارية
الخبر لحظة بلحظة
اشرق مع العالم
اقرأ على الموقع الرسمي
روابط قد تهمك
مؤسسة اشراق العالم خدمات المواقع والمتاجر باك لينكات باقات الباك لينك
اكتشاف المزيد من اشراق العالم 24
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.