روايات الإثارة.. أجاثا كريستي أيقونة المغامرة

روايات الإثارة والغموض من أكثر مجالات الأدب قراءة، ولا شك أن أعمال بعض الكُتّاب العرب في هذا المجال، حصدت نجاحًا غير عادي، وكاىت سببًا في شهرتهم، كأحمد خالد توفيق، وحسن حلبي، ونبيل فاروق، وتبقى الروايات الأوروبية ومؤلفيها، حجر الأساس في مجال الروايات البوليسية، فأعمال أجاثا كريستي مثلاً، تصدرت قائمة المبيعات لسنوات طويلة، وباعت أكثر من مليار نسخة، وتُرجمت إلى أكثر من 100 لغة، وما زالت تُقرأ حتى الآن، بل إن بعضها حُوِّل إلى أفلام سينيمائية، فهل كان أحد يُصَدِّق أنَّ فتاة من الطبقة المتوسطة، بوُسعها أن تُحَقِّق هذا النجاح؟

نعم! والدتها فعلت، لقد كانت الأم مقتنعة طوال الوقت، بأنَّ أبناءها يُمكنهم فعل كل شيء، وكانت الداعم الأكبر لها، فعندما كانت أجاثا طفلة، أُصيبت بحُمّى، ولشعورها بالملَل، نصحتها والدتها بالكتابة، وقد ساعدتها الفكرة كثيرًا، في تجاوز أزمتها، لذا أُصيبت بصدمة نفسية بعد وفاة والدتها، إذ خسرت أكبر داعم لها، ومع اكتشافها لخيانة زوجها الكولونيل أرتشي كريستي، تضاعفت الصدمة، فاختفت لـ10 أيام، حتى عُثِر عليها في أحد الفنادق.

العجيب أنه وبعد انفصال أجاثا عن زوجها الأول، ظلَّ لقب كريستي ملتصقًا بها، حتى بعد أن تزوجت السيد ماكس مالوان عالم الآثار، وظلَّ الجميع يُناديها به، وبعيدًا عن الروايات التي كتبتها بأسماء مستعارة، فقد نُشِرت معظم أعمالها باسمها متبوعًا بلقب كريستي.

من الواضح أن حياة أجاثا مليئة بالقصص، والأحداث، ونقاط التحول المهمة، ولكن لماذا يهتم القراء بأعمالها، ويقرؤونها حتى الآن؟

تمتاز أعمال أجاثا -الأصلية-، بلغة إنجليزية متوسطة؛ الشيء الذي ساعد القراء على مطالعة أعمالها بسلاسة، وساعد المترجمين على ترجمتها إلى لغات أخرى بسهولة ويُسر، وهذا يُوضح أن الكاتبة كانت تهدف إلى إتاحة مؤلفاتها للجميع بلا استثناء.

كما أن السنوات التي قضتها في باريس، ساعدتها على إدراج بعض الحوارات الفرنسية في بعض الروايات، وكون أبيها من أصلٍ أمريكي، سهَّل عليها أيضًا إدراج بعض المصطلحات الأمريكية، في روايات كجريمة في قطار الشرق مثلاً.

اهتمت أجاثا في أعمالها بإبراز بعض الصفات في المجتمع الغربي، إذ ركزت على علاقة الصداقة الوطيدة بين رجل التحري هيركيول بوارو وصديقه الكابتن هاستينجز، ففي رواية الأربعة الكبار مثلاً، نلاحظ ارتباطهما الشديد ببعضهما، ومكوث هاستينجز مع بوارو حتى يكشفا عصابة الأربعة الكبار، ورفضه القاطع للإيقاع ببوارو وتسليمه لأعدائه، لكنه اضطر آسفًا إلى تسليمه؛ خوفًا على زوجته، فهؤلاء الأشرار قد وضعوا أيديهم على نقطة ضعفه الوحيدة، حتى حزنه على موت بوارو وإصراره على إكمال ما بدأ صديقه، ينفي الشائعة التي تقول بأن الإنجليز يتمتعون ببرود لا مثيل له، هم في الحقيقة لا يتمتعون بالبرود، فلنقُل إنهم لا يختلطون بالغرباء بسهولة.

تحدثت أجاثا أيضًا عن صفة التضحية، ففي جريمة في قطار الشرق، نرى كيف أنَّ السيدة ليندا آردن على استعداد تام للإعدام، لتحميَ ابنتها الصغرى وزوجها، ومخدومي عائلة آرمسترونج، ومسؤول التذاكر، فهي الآن تشعر بالراحة، لقد انتقمت لحفيدَيْها، وزوج ابنتها، وابنتها، ولم يعد لديها ما تحيا من أجله، ونرى أيضًا في تلك الرواية، وفاء العقيد آرمثنوت لصديقه الراحل وعائلته، وكيف أنه سعى للثأر له ولعائلته؛ تقديرًا لما فعله من أجله أيام الحرب.

أيضًا أوضحت أجاثا أنَّ هناك بعض الأشخاص يضعون أنفسهم موضع القاضي والجلاّد، وهذا خاطئ لكنه يحدث، وهنا نعود من جديد إلى جريمة في قطار الشرق، والتي تحكي عن شخص يُعثر عليه مقتولاً في القطار المسافر من إسطانبول في تركيا، إلى كاليه في فرنسا، وبالتحقيق، يتضح أن هذا الشخص كان رئيس عصابة في أمريكا، وأنه اختطف طفلة تُدعى ديزي آرمسترونج وقتلها، لكنه تمكن من الإفلات من العدالة، الشيء الذي دفع والد الفتاة إلى الانتحار، وأدى إلى وفاة والدتها الحامل، وانتحار مربيتها خلال التحقيق، مِمّا دفع ضابط بالجيش، وجدة الطفلة، والخدم، ووالد المربية إلى الاجتماع والاتفاق على قتله.. نذكر مثالاً آخر، رواية ثم لم يبقَ أحد، تحكي الرواية عن قاضٍ بريطاني، همُّه الوحيد هو تطبيق العدالة، لكنه يرى أن بعضهم قد تمكن من التحايل على القانون بشكل من الأشكال، ليُقرر جمعهم وتطبيق العقوبة عليهم، والمفاجأة الحقيقية أنه هو أيضًا قد أخطأ في حكم ما، ليقوم بقتل نفسه في النهاية، لكنه يترك رسالة للشرطة، يشرح فيها كل شيء.

لقد كانت أجاثا شخصًا متطورًا طوال الوقت، تحاول توظيف رواياتها حسب ثقافتها، وحسب الطبيعة حولها، فعملها في صيدلية خلال الحرب العالمية الثانية، ساعدها في التعرف إلى أنواع السموم ومواد التخدير، لتذكر بعضها في كتاباتها، كما أن زياراتها للبلدان العربية،  جعلها تكتب بعض الروايات عن تلك الأماكن.