الأبقار والثيران في مقابر الفراعنة.. لماذا قدسها القدماء؟
اشراق العالم 24 متابعات ثقافية:
كيف نظر المصريون القدماء إلى الأبقار والثيران ولماذا وجدت بعض الدفنات لها في الجبانات المصرية القديمة؟.
هذا ما يوضحه كتاب “العبادة الحيوانية بين الدفن والرمزية في مصر وبلاد الشام والعراق: في عصور ما قبل التاريخ” لـ زينب عبد التواب رياض
يقول الكتاب:
تقديسها
ولقد وضَح هذا التقديس منذ العصر الحجري القديم الأعلى، فيما عُثر عليه من قرونٍ لأبقار وثيران، دُفِنت في مقابرَ آدمية (جبل الصحابة، وتوشكا)، رأى Hoffman في العثور عليها أنها إرهاصاتٌ أولية لِما ظهر في العقائد المصرية في العصور التاريخية من أهميةٍ رمزيةٍ لتلك الحيوانات، التي كان لها ارتباطاتها العقائدية الهامة في مصر القديمة. بينما ربطت Gimbutas بين القرن، وبين الإلهة الأم.
وأشار Giedion إلى ارتباط القرن بالخصوبة عند بعض القبائل الأفريقية التي تملؤه بالدم، بينما ربطت Levy القرنَ بطَور الصيد؛ أي إنه كان للقرون أهميةٌ طقسية لارتباطها بالقوة الذكرية لدى البعض، ولارتباطها بالأمومة لدى البعض الآخر. وترى الدارسة أنَّ تفسير Giedion أقربُ من الصحة؛ إذ إنَّ الدم يرمز إلى استمرار الحياة والبعث، وأن يُملأ القرن بالدم لهو دليلٌ على بعث الحيوان من جديد.
وهكذا جاءت أغلب إشارات بداية وجود دفنات الثيران والأبقار ولو بصورة جزئية — متمثلة في القرون — دليلًا على الرمزية العقائدية لتلك الحيوانات، وعلى نشأة علاقة من نوعٍ ما ربطتها بالإنسان، منذ العصر الحجري القديم الأعلى تقريبًا، ممَّا دعا Frankfort إلى القول بأنَّ مصر كانت هي المهد الأول الذي انطلقت منه العقيدة الدينية المرتبطة بعبادة وتقديس الثيران والأبقار، وإن كانت الدارسة ترى عكس ذلك؛ إذ عُرفت عبادة الثيران والأبقار في بلاد الشام منذ الألف الثامن ق.م. تقريبًا.
ولقد فسَّر Kessler الغرضَ من دفنات الثيران والأبقار التي عُثر عليها بجبَّانة البداري بأنَّ هذه الحيوانات كانت تتمتَّع بصفات القوة والخصوبة، ومن ثَم اهتمَّ بدفنها والاعتناء بها ضمانًا لاستمرار تلك القوة والخصوبة معه دائمًا، كي ينتفعَ بها، سواء في حياته أو بعد مماته.
ولا شكَّ أنَّ هذه الدفنات إنما تشير إلى ذلك التقديس الذي أحاط بتلك الحيوانات، وتُعد أيضًا بمثابة وثيقة حفظَت لنا الكيفية التي كانت عليها تلك الدفنات، ومكَّنتنا من فهْم ومعرفة تلك العقيدة المرتبِطة بالأبقار والثيران.
وتُعد دفنة البقرة والطفل الرضيع التي عُثر عليها بجبَّانة تل حسن داود، تلك الدفنةُ التي تُعد تأصيلًا لأسطورة إيزيس والابن حورس، الذي أرضعته ورَعَته البقرة حتحور في أحراج الدلتا؛ فالمعبودة حتحور هي البقرة المقدسة، وهي الأم التي تمنح الخلود لأبنائها، وهي الربة الحامية لإله الشمس التي تساعده على مواجهة أخطار العالم السفلي، وهي التي تعطي الميلاد من جديد للشمس.
ومن هنا تولَّدت فكرةُ الآلهة الحيوانية، أو الحيوانات المؤلَّهة، التي ربطت ما بين الإنسان والحيوان، سواء بصلاتِ رهبة وخوف أو منفعة، فأصبح الحيوان رمزًا مقدَّسًا يربط ما بين الإنسان والإله.
كأُضحية
كثيرًا ما كانت تُقدَّم الثيران والأبقار كأُضحيات حيوانية، تقرُّبًا للإله، ورغبةً في زيادة الخير، وذلك كما في حالة الدفنة رقم E.94 In بالنبتة، التي عُثر فيها على بقرة، كانت قد ذُبِحت قبل إتمام عملية الدفن، مما يوحي بأنها أُضحية.
وكما في حالة التراكمات العظمية التي عُثر عليها في النبتة أيضًا، والتي كانت نتاج تراكمات سنوات عديدة كانت تُنحَر فيها الحيوانات وتُقدَّم كأضحياتٍ في توقيتٍ معيَّن من كل عام.
وكما في حالة المقبرة رقم ٣٨٥ج٤ بالجبَّانة الملَكية بحلوان، التي اشتملت على بقايا عظميةٍ لأكثر من ثور، وذلك في ثلاث طبقات، وأسفل تلك الطبقات الثلاث عُثر على سكين من الصوان، ربما كانت سكينَ أُضحية، وربما دلَّ وجودها بالمقبرة، على أنَّ هذه المقبرة كانت مقبرةً خاصة بأحد أصحاب النفوذ، وأنَّ السكين كانت لها غرض طقسي مرتبطٌ بالثور.
غرض اقتصادي
يُعتقد أنَّ عبادة الثيران والأبقار تكمُن في ارتباطها بالزراعة، وقد أفاد بذلك المؤرخون الكلاسيكيون أمثال كليمنس السكندري الذي ذكر أنَّ البقر كان يُعتبر رمزًا للأرض والزراعة والغذاء، هذا بالإضافة إلى ارتباط الثيران والأبقار بالخصوبة الجنسية.
ويرى البعض أنَّ هذه الحيوانات بعد استئناسها في العصر الحجري الحديث زادت وتوالدت حيث الاستقرار وضمان الحصول على القوت، وذلك بعد حياة التَّرحال والخضوع لقسوة البيئة وضيق مصادر الرزق الذي كان يعاني منه أهلُ هذه العصور، فما كان من هؤلاء القوم الذين استأنسوا هذه الحيوانات إلا أن قدَّسوها نظرًا لأنها هي التي غيَّرت حالهم إلى أحسن حال.
فكانت هذه الحيوانات هي المقياس الرئيسي للثروة والاقتصاد الزراعي، وذلك منذ العصر الحجري الحديث كما ذُكر آنفًا، لا سيما في مجتمعات الصحراء الغربية؛ إذ كان اقتناء أعداد كبيرة من الأبقار والماشية دليلًا على القوة والثروة والمكانة الاجتماعية لأصحابها، ولعلَّ في الاهتمام بدفنها ما يعكس الرغبة في الاحتفاظ بها.
روابط قد تهمك
مؤسسة اشراق العالم خدمات المواقع والمتاجر باك لينكات باقات الباك لينك
اكتشاف المزيد من اشراق العالم 24
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.