الجزيرة نت

جدار الصوت أم غارة؟.. حين يصبح الأطفال في لبنان خبراء عسكريين | سياسة


|

جنوب لبنان- في الاتجاه من بيروت نحو أحد مراكز إيواء النازحين من القرى والبلدات الحدودية مع إسرائيل بقضاء صور جنوبي لبنان حيث أسفرت الحرب عن تدمير عشرات القرى الحدودية كانت المسيّرات تكاد لا تغادر السماء، والطريق الذي عادة ما يشهد اختناقات مرورية سالك وحركة السير فيه خفيفة.  

حين وصلنا مركز الإيواء وجدنا أطفاله في جلسة تعليمية تنظمها إحدى الجمعيات غير الحكومية بعنوان “مهارات الحياة” وطريقة التعامل بإيجابية مع الأحداث المحيطة، وضرورة التمسك بالأحلام والعمل على تحقيقها.

 كان الطفل أحمد يحضر الجلسة دون مشاركة أو تفاعل، ويعزو السبب في ذلك إلى التأقلم مع الأحداث.

ويقول أحمد للجزيرة نت “تأقلمنا مع هذا الوضع المستمر منذ أشهر، ولم نعد نهاب شيئا”.

خبراء صغار

ويتابع أحمد أنه اعتاد ورفاقه حتى على جدار الصوت الذي تخترقه الطائرات الإسرائيلية، وأصبحوا يفرقون بينه وبين الغارة الفعلية.

وأوضح أن جدار الصوت يختلف عن الغارة في أمرين، فالأول لا يؤذي والأخرى تقتل أو تدمر، والأول يكون على مرحلتين ثم تُسمع أصوات هدير محركات الطائرة والغارة نسمع صوتا واحدا قويا.

وجدار أو حاجز الصوت هو السرعة التي تنتقل بها الموجات الصوتية في الهواء والتي تبلغ 1235 كيلومترا في الساعة، وعندما تحلق الطائرة بهذه السرعة أو أكثر يقال إن خرقا لجدار الصوت حصل، وينتج عن هذا صوت قوي يعرف بـ”الدوي الصوتي” وهو ظاهرة فيزيائية.

في مركز إيواء بقضاء صور جنوب لبنان تعوّد الأطفال من النازحين على أهوال الحرب (الجزيرة)

من جانبه، يبدي الطفل حسن استعداده للحديث، وشرح الفرق بين جدار الصوت والغارة الفعلية.

يقول حسن للجزيرة نت “عندما أسمع صوتا قويا أنتظر لثوان، فإذا سمعت دويا ثانيا وبعدها أصوات محركات الطائرة أقول لأفراد عائلتي لا تخافوا، أما إذا كان صوتا واحدا فهذا يعني أنها غارة”.

وذهب حسن أكثر من ذلك، وقال لنا “أعلم أين الغارة أو عملية الاغتيال، إذا كانت من جهة بيروت أو صور أو القرى الحدودية لا أخاف من الاثنتين لأنني تأقلمت معهما”.

بدورها، أسيل ذات التسعة أعوام أكدت أنها لم تعد تخاف من الصوت، وقالت “لم يعد أي شيء يخيفني لأن الله معنا”.

ويضم مركز الإيواء 160 شخصا نزحوا من القرى الحدودية، حالتهم الاقتصادية صعبة، ويعيشون على المساعدات و”الكراتين التي تأتيهم من الجمعيات وفاعلي الخير”، حسب مدير المركز.

آثار مزعجة

أن يعتاد أطفال بهذا العمر على هذه الأصوات المرعبة وأن يتحدثوا عنها بهذه الثقة ويحللوها وكأنهم خبراء عسكريون تبدو ظاهرة يجب التوقف عندها وسؤال علم النفس عنها.

وحسب الطبيب النفسي أحمد عياش، فإن فهم الحدث والتعامل معه يختلفان بحسب أعمار الأطفال، فمن يدرك معنى الطائرة الحربية ومعنى الحرب يستطيع التمييز بين جدار الصوت والغارة.

ويوضح عياش أن الأطفال دون الخامسة يصعب عليهم إدراك الفرق، ولكنهم قد يقلدون ذويهم أو إخوتهم في الهدوء أو الخوف.

ويتابع المتخصص ذاته في حديث مع الجزيرة نت أن العنف والخوف يتركان أثرا مزعجا في الذاكرة، بما فيها الهزات الأرضية الطبيعية، وكلما ترافق حدث الخوف مع أخبار الموت كان وقع الأنباء أعمق في الذاكرة وأسّس لاضطراب نفسي في المستقبل.

والآثار السلبية على الأطفال ليست فقط نفسية، إذ ممكن أن تكون عضوية بحسب الدكتور عياش الذي أشار إلى أن الخوف يمكن أن يأخذ أشكالا متعددة، منها التأتأة والخوف المرضي إنما ليس محسوما، إذ إن قابلية الجهازين العصبي والنفسي للاضطراب تختلف من طفل إلى آخر، كما أن بيئة الطفل وعائلته تؤديان دورا اساسيا في امتصاص الصدمات وتجاوزها مستقبلا.





اقرأ على الموقع الرسمي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى