“مأساة الكتاب العربي”.. ما الذي يدفع المؤلف إلى النشر خارج بلده؟ | ثقافة
الرباط – نشر الكاتب العراقي خزعل الماجدي إلى اليوم 114 كتابا، 4 منها فقط نشرت ببلده في ثمانينيات القرن الماضي، وهو ما حقق لكتبه الإبداعية والفكرية في الأديان والأساطير انتشارا واسعا في الوطن العربي، والقليل منها هو الذي نشر في العراق، لأنه يؤمن منذ البداية بأنه لا بد لكل كاتب في العالم العربي أن ينشر مؤلفاته خارج بلاده، ما دام أفق العالم العربي أوسع من أي بلد محلي، وسيكون مقروءا في كل هذا الأفق، خصوصا بعد ظهور الإنترنت ووسائل التواصل الرقمية.
الماجدي من ضمن العديد من الكتاب العرب الذين لوحظ إقبالهم على النشر خارج بلدانهم، الأمر الذي عرف تزايدا كبيرا في السنوات الأخيرة، حيث يمكن اعتباره “هجرة جماعية”، خصوصا بعد ظهور دور نشر مستقلة داخل وخارج العالم العربي، دور محترفة تحسن طباعة الكتاب العربي وتوزيعه وتسويقه، وتستثمر كل الوسائل التكنولوجية المتطورة، والوسائط الرقمية من أجل الترويج للكتاب وعقد الاتصال مع مختلف الكتاب في الوطن العربي.
فما الذي يدفع الكاتب العربي إلى النشر خارج بلده؟ وما الذي تمنحه له تلك الدور ولا يجده في بلده؟ وما واقع النشر والكتاب في العالم العربي بعد أزمة كورونا؟
زهد أهل البلد بكتابهم
يقول الماجدي للجزيرة نت إن الدافع الأساسي لهذا التوجه هو أن “أهل البلاد يزهدون بكتابهم ولا يهتمون بهم، لكنه حين يأتي لهم مشهور في العالم العربي، يستقبلون شهرته بالترحاب والاهتمام. وهو الشيء الذي حصل مع الشاعر العراقي بدر شاكر السياب في منتصف الخمسينيات حين سافر إلى بيروت وقام أدونيس باختيار مجموعة مهمة من قصائده الجديدة غير المنشورة في كتاب، وجمعها في كتاب واحد هو “أنشودة المطر”، التي اشتهرت في العالم العربي وصار السياب معروفا في كل مكان، حتى في بلده العراق”.
ويضيف أن هذا الأمر حدث أيضا مع الرواد الأربعة للشعر الحديث وكلهم عراقيون: بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي وبلند الحيدري، وأعطى إشارة قوية للعديد من الكتاب في العالم العربي، على أن هذا “قانون صحيح وقوي”، ما زال ساريا إلى اليوم، بل إنه يعتبر “عدم النشر خارج البلاد أمرا معيقا لانتشار أعمال الكاتب والمبدع”.
وضع مأساوي
ومن جهته يسجل الكاتب المغربي حسن المودن أن وضعية الكاتب العربي مأساوية، يكتب ويؤلف، وتلك مهنته بالتأكيد، ولكنه يعاني كثيرا في إيجاد ناشر، وقد يطبع على حسابه، وأحيانا يتحول إلى موزع لكتابه في الأكشاك والمكتبات، والحقيقة التي تصدم المبتدئين والمكرسين أنه لا يمكنك أبدا أن تعيش من الكتابة والتأليف.
ويقول في حديث مع الجزيرة نت أن كتابه الأول المتعلق بترجمة أساس في التحليل النفسي، نشر خارج البلد في أواخر التسعينيات في المجلس الأعلى للثقافة بمصر بمساعدة أستاذه محمد برادة، وهو ما فتح له أبواب الشهرة والتداول، التي حرص عليها في كتاباته الأخرى التي نشرت تباعا في دور نشر عربية في لبنان ومصر والأردن وإيطاليا من أجل ضمان التوزيع الواسع عربيا وأوروبيا، وهو ما تفتقر إليه للأسف مجموعة من دور النشر المغربية، إضافة إلى المستحقات المالية التي لا يحصل عليها الكاتب المغربي في بلده إلا قليلا، كما يقول.
ومن خلال تجربته، يحتفظ الكاتب المغربي حسن المودن لبعض الناشرين المغاربة والعرب بالتعامل الراقي ودعمه في فترات عصيبة من حياته، حيث وفروا له العديد من النسخ، ومكنوه من مستحقات مادية مجزية، ولكن بعد كورونا “تغير تعامل الكثير من الناشرين، داخل البلد وخارجه، ويريدون كتبا لكن من دون أن تحدثهم لا عن نسخ كثيرة ولا عن مستحقات مادية”.
هجرة الكتاب العربي
وتشير مجموعة من الدراسات الحديثة، وعلى رأسها دراسة لاتحاد الناشرين العرب عن “النشر في الوطن العربي” لخالد عزب ورئيس الاتحاد الناشر المصري محمد رشاد، إلى تصاعد وتيرة النشر باللغة العربية خارج المنطقة العربية في الأعوام الأخيرة، في لندن وباريس وميلانو وغيرها، وركزت على النجاح الذي حققته “دار المتوسط” بإيطاليا، التي تنشر للعديد من الكتاب العرب بمن فيهم الجاليات العربية، وتمكنها من أن تصبح جسرا لترجمة الأدب العربي إلى عدد من اللغات الأجنبية خاصة الإيطالية.
وتلفت الدراسة أيضا الانتباه إلى هجرة الكتاب اليمني إلى مصر، الذي أصبح ملمحا جديدا في حركة النشر اليمنية، حيث برزت “دار أروقة” التي تنشر بالقاهرة لكتاب يمنيين، والشيء نفسه يمكن الحديث عنه مع الكتاب المغاربي الذي هاجر إلى العواصم الأوروبية ومصر والأردن أو تونس بالنسبة إلى الكتاب الليبي.
إن هذا الوضع يطرح تحديات كبيرة وغير مسبوقة على دور النشر العربية، حسب قول محمد رشاد رئيس “اتحاد الناشرين العرب”، نتيجة الركود الذي أصاب المنطقة بسبب تداعيات وباء كورونا، والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تؤثر على كل وسائل الإنتاج المتعلقة بالنشر، إضافة إلى “توغل الشركات الدولية في المنطقة العربية للاستحواذ على نسبة من صناعة النشر العربية”.
جدية وحرفية الدار
إن نقل الإبداع المغاربي إلى المشرق، كان هو الهاجس الذي حرك “دار العين للنشر” المصرية منذ انطلاقها عام 2000، حيث عملت على نشر العديد من الإبداعات المغربية، واستغلت وسائل التواصل الاجتماعي للتواصل مع الكتاب العرب في مختلف المناطق واستقطابهم للنشر في الدار.
وحول أسباب الإقبال الذي تعرفه الدار من قبل الكتاب العرب بشكل عام والمغاربة بشكل خاص، تقول فاطمة البودي المسؤولة عن الدار، إنها تعود إلى جدية وحرفية الدار في التعامل مع الكتاب العربي والمغاربي وتسويقه وترويجه والحرص على حضوره في كل المعارض العربية والدولية، شأنه شأن الكتاب المصري، فضلا عن تخصيص ندوات وحفلات توقيع في المعارض للكتب، ومد المنابر الثقافية بنسخ من تلك الأعمال للتعريف بها وبالكتاب، بل وترشيح العديد منها إلى أرفع الجوائز، وحصول بعضها على الجوائز، وبلوغ قوائمها الطويلة والقصيرة، وهذا ما جعل الدار تحظى بثقة واحترام الكتاب العرب.
حجة سوء التوزيع غير صحيحة
بكثير من الحسرة والألم يتحدث الشاعر المغربي محمد بنيس، أحد مؤسسي “دار توبقال للنشر”، للجزيرة نت عن النكسة الكبيرة التي عرفتها هذه الدار بسبب أزمة كورونا، التي كادت تعصف بها، وهي الدار التي سيتم الاحتفال العام المقبل بمرور 40 عاما على عملها المتواصل، وعطائها وتعريفها بالعديد من الكتاب المغاربة والعرب، ونشرها للكثير من الدراسات والأبحاث الفكرية والأدبية والنقدية، والترجمات، والكثير من الأعمال الشعرية المغربية والعربية التي اهتمت بها الدار في الوقت الذي كانت فيه الكثير من دور النشر وما زالت ترفض نشر الشعر، بذريعة عدم مقروئيته.
ويقول بنيس إن الكتاب المغاربة بدل أن يتضامنوا مع “دار توبقال للنشر” التي تقاوم من أجل الاستمرار، هجروها إلى دور نشر عربية أخرى، معتبرا أن حجة سوء توزيع الكتاب المغربي بالخارج لم تكن صحيحة على الأقل مع “توبقال”، لأن عددا كبيرا من الكتاب المغاربة أصبحوا معروفين في العالم العربي بفضل النشر في هذه الدار، التي لم يكن لمؤسسيها أي هدف تجاري.
غير أن من يتابع إبداعات الشاعر والكاتب محمد بنيس سيلاحظ مزاوجته بين نشر كتبه في “دار توبقال” وفي دور عربية أخرى في سوريا ومصر ولبنان وتونس، مثلما حدث أخيرا مع ديوانه “هواء بيننا” الصادر عن “دار المتوسط” بإيطاليا، وهو ما يفسره بنيس بانفتاحه منذ زمن على النشر في العالم العربي، واستجاباته للكثير من الصداقات، حيث سيصدر له قريبا كتابان عن دار نشر عراقية.
الرقابة على الكتب
الشيء نفسه نلاحظه أيضا مع الكاتب المصري إبراهيم عبد المجيد مؤسس “بيت الياسمين للنشر” الذي صدرت له مجموعة من الأعمال عن دور نشر عربية أخرى خارج داره ودور مصرية، وهو ما يعزوه الكاتب إلى الرقابة على الكتب، لأن بعض الناشرين أصبحوا في السنوات الأخيرة “يجدون صعوبة في نشر بعض الأعمال، لأن هناك من يمكن أن يهاجم العمل الأدبي المنشور لأسباب يراها سياسية أو دينية، لذلك يعتذر بعض الناشرين عن نشر الكتاب خشية من ردود الفعل”.
ويضيف عبد المجيد للجزيرة نت أنه لا ينتقد أي ناشر ويعرف صعوبة الحياة السياسية أو الثقافية الآن، لذلك يعرض أعماله على ناشره المصري فإذا رفض يقوم بنشره خارج مصر في “دار المتوسط” بميلانو، حيث تدخل الكتب إلى البلد وتوزع بلا مشكلة، لأن ما فيها ليس كما يتصور الناشر الذي اعتذر عن نشرها.
وحتى لا يقال إنه أحدث دارا للنشر لينشر لنفسه، ولا يسبب إحراجا للناشرين في مصر، أصبح الكاتب إبراهيم عبد المجيد، كما أخبرنا، يقبل على النشر بالخارج مثله مثل العديد من الكتاب العرب الذين إن تباينت دوافعهم فإن الهم الذي يجمعهم هو ضمان النشر الجيد والتوزيع وتحقيق المقروئية والانتشار، أما الحقوق فلا داعي للتفصيل فيها كما يقول الكثير من الكتاب، لأن الكاتب هو الخاسر الأكبر في هذه العملية حتى ولو كان النشر مدعوما من طرف مؤسسات وصية على القطاع بالبلد، كما هو الشأن في المغرب مع الدعم المخصص لنشر الكتب، والذي يستفيد منه الناشر مع التنصيص على تخفيض ثمن الكتاب إلى النصف، وهو الشيء الذي لا يحدث، ويؤثر على مبيعات الكتب بالمغرب ومقروئيتها.
الدعم أفسد النشر
وفي هذا الإطار يقول الكاتب المغربي حسن المودن إن الدعم الذي تخصصه وزارة الثقافة المغربية للكتاب “لا يستفيد منه الكاتب، فوضعه قبل ظهور هذا الدعم هو وضعه بعده، ولا بد من دعم مباشر للكاتب المغربي، ماديا ومعنويا. وللعلم، فالقارئ المغربي هو أيضا لا يستفيد من هذا الدعم، فثمن الكتاب لم يتغير، وكأنه ليس هناك من دعم”.
رغم مرور أكثر من 20 عاما على سن سياسة دعم الكتاب بالمغرب من طرف وزارة الثقافة، فإن دور النشر المغربية ظلت رهينة له، كما يقول الشاعر والروائي المغربي نزار كربوط، ولم تستطع أن تنتقل بالنشر بالمغرب من الهواية إلى الاحتراف وتحوله إلى صناعة قائمة الذات، يمكن أن تنافس عبرها دور النشر بلبنان ومصر مثلا.
ويوضح كربوط للجزيرة نت أنه بعد مرور 7 عقود على استقلال المغرب لم يحقق النشر قفزة نوعية فيما يخص صناعة الكتاب وجماليته وتسويقه، وحتى الدعم، المبادرة الحميدة التي جاءت بهدف خدمة الكتاب قد “أفسدت النشر في المغرب”، وقتلت حس الاجتهاد والإبداع وروح المنافسة لدى المشتغلين في هذا القطاع، ولم يسايروا العصر ولا انخرطوا في التجارب الحديثة لترويج الكتب وتسويقها مثل الكتب الصوتية أو المقروءة عبر المنصات الرقمية أو عبر التطبيقات الخاصة بترويج الكتب.
لهذا، كما يقول، فإن الدعم “أخطأ طريقه، فبدل أن تضخ الأموال في الحسابات البنكية لدور النشر، كان عليها تشجيع الكتاب بطريقة غير مباشرة مثل صرف منح لإقامات أدبية للكتاب، وشراء حقوق الترجمة، وحث المكتبات على اقتناء كل الإصدارات الجديدة التي تصدر خلال السنة، كما هو متداول في مجموعة من البلدان العربية والغربية”.
الناشر كشريك
الناشر الأردني جهاد أبو حشيش صاحب “دار فضاءات”، التي نشرت لأكثر من 1200 كاتب عربي خارج الأردن من مجموع 1750 كاتبا نشرت لهم الدار لحد اليوم، يفسر إقبال الكتاب العرب على النشر خارج بلدانهم بالتوق إلى تحقيق انتشار أوسع، في ظل انحسار مشاركة أغلب الدور، وخاصة المغاربية منها في المعارض العربية.
ولهذا السبب حرصت “دار فضاءات” منذ انطلاقها، كما يقول للجزيرة نت، على خلق تجربة مغايرة وجادة، ومسؤولة لخلق ثقة القارئ بالكتاب الذي تنشره فضاءات، وعملت بجد على التواصل مع الكتاب في المعارض وتعميق معرفتهم بالدار ورؤيتها للنشر، التي تقوم على كونها “تعمل بمثابة مدير أعمال، وأنها أكثر من مجرد دار نشر. فالعالم العربي لا يحتاج إلى وراقين لا يهتمون إلا بما يجنون من أرباح، إنما يحتاج إلى شريك يعي أهمية الكتاب ومدى تفرد مبدعه، ويعمل بثقة وصدق على أن يكون الحامل لراية المبدع وإبداعه”.
وإلى جانب الاهتمام بجودة الكتاب المطبوع، فإن الدار، كما يقول الناشر، حرصت منذ البداية على تشكيل لجان القراءة، حيث يكون قبولها أو رفضها لأي كتاب مبررا بمدى استحقاق هذا الكتاب للنشر، وهذا من أساسيات احترام الناشر للكاتب وجهده، كما أن قسم التدقيق اللغوي في “فضاءات” متميز عربيا، إضافة إلى قسم التحرير والمراجعة، وغيرها من اللجان، وهو ما جعل الدار تستقطب العديد من الكتاب العرب والمغاربيين وتحافظ عليهم، وتعمل على تحقيق الثقة والتقدير المتبادلين اللذين يعمقان العلاقة والقناعة بالتشاركية باستمرار.
مشاركة صورية في المعارض
الروائية والناقدة هدى النعيمي من قطر تؤكد ما قاله الناشر الأردني، وتقول إنه من حق الكاتب العربي أن يسعى للانتشار ووصول كتابه إلى أوسع دائرة ممكنة، عربيا وعالميا إن أمكن، مما يخول له المشاركة في الندوات واللقاءات الأدبية في محافل ثقافية كثيرة، قد لا توجد في وطنه، وحضور كتابه في المعرض العربية للكتاب، لأن الناشر المحلي، برأيها، “لا يشارك في معارض الكتاب الكبيرة مثل معرض القاهرة، وإن شارك تكون المشاركة صورية، ولا تؤتي أكلها، في حين يقوم الناشر الآخر بتنظيم احتفاليات للتوقيع تضمن للكاتب حضورا قويا في هذه المناسبات الثقافية المهمة”.
ومن جهة أخرى، تشير الدكتورة النعيمي إلى التكلفة المادية للطباعة والنشر، التي تختلف من بلد عربي إلى آخر، وتقول إنها “غالية نسبيا في منطقة الخليج، وقد لا تكون في متناول الكاتب، الذي غالبا لا يتكسب من إبداعه بل يضطر للصرف عليه من جيبه الخاص، في حين أن التكلفة تقل كثيرا في حال اختيار الناشر من بيروت مثلا، ولهذا فعلى الناشر في كل بلد أن يعي المنافسة الخارجية، وأن يعمل على اجتذاب الكاتب المحلي بتقديم إيجابيات أكثر له”.
أزمة الكتاب الشعري
لا يختلف وضع لبنان كثيرا عن مجموعة من البلدان العربية، خاصة بعد الظروف التي يعيشها البلد في السنوات الأخيرة، حيث تقول الشاعرة اللبنانية ندى الحاج، التي اضطرت مؤخرا إلى تغيير “دار النهار” اللبنانية، التي نشرت لديها 6 مجموعات شعرية، بدار نشر عربية أخرى قبل أن تنتقل إلى النشر في “دار المتوسط” بإيطاليا، تقول إنها شعرت بنوع من اليتم المعنوي للوضع الذي آل إليه النشر بلبنان، البلد الذي عاش زمن الازدهار والانفتاح، وساد فيه مناخ الحرية الفكرية التي جذبت إليه معظم أدباء العالم العربي وفنانيه الهاربين من قمع السلطة والرقابة والحظر، والذين وجدوا في لبنان الحضن والإشعاع والانتشار لأعمالهم.
وتضيف نجلة الشاعر اللبناني الراحل أنسي الحاج، أن دور النشر تعاني من أزمة تمويل وتسويق وتحارب من أجل استمراريتها في ظل أزمة شراء الكتاب (الشعري بشكل خاص) وأزمة القراءة الورقية التي تتحول إلى ترف نخبوي لا يندرج في قائمة الأولويات الحياتية. مع أن الحركة الناشطة لمعارض الكتب في أرجاء العالم العربي تتوسع وتقرب المسافات بين الأدباء والناشرين والقراء.
وتؤكد ندرة دور النشر اللبنانية التي تُصدر حاليا كتب الشعر دون تحميل الشاعر بعض تكاليف الطباعة، بحجة قلة إقبال القارئ على هذا النوع من الكتب، كما أن معظم المكتبات تتبع إستراتيجية تسويق مشابهة، مكتفية بعرض نسخ قليلة من الإصدارات الشعرية الجديدة على رفوفها.
عقدة الشرق ووهم الانتشار
أما الناشر طارق سليكي رئيس “اتحاد الناشرين المغاربة” فيرى أن الحضور الكبير للكتاب المغربي في دور النشر العربية يمكن النظر إليه من زاويتين: زاوية الدبلوماسية الموازية أو الثقافية للنشر، حيث كسر الكاتب والإبداع والفكر المغربي العلاقة التقليدية بين المشرق العربي والمغرب العربي، وأصبح للصناعة الثقافية المغربية (فكرا وإبداعا أدبيا أو فنيا) حضور متميز، كما أن مكانتها وأثرها في المشهد الثقافي العربي مشهود لها بالعمق والتفرد.
والزاوية الثانية، وهي النشر، لأن “هجرة” الكتاب المغاربة إلى النشر في بعض دور النشر العربية يضع الناشرين المغاربة أمام أسئلة وتحديات تستوجب مقاربتها بعمق واحترافية، وتحتاج إلى الحوار والإنصات لإيجاد الحلول المناسبة لهذه المعضلة.
ويوضح الناشر طارق سليكي صاحب دار “سليكي أخوين” بطنجة، التي تأسست منذ عام 1994، أن عقدة الشرق ما زالت مستمرة للأسف لدى بعض الكتاب المغاربة، كما أن الانتشار الواسع “ما هو إلا مجرد وهم، لأنه إذا اطلعنا على العديد من العقود المجحفة التي يوقعها كتاب مغاربة، لا يستطيعون حتى البوح بها، تؤكد بالملموس عقدة الشرق”.
الشيء نفسه يؤكده الناشر المغربي حميد أحمد المرادي مدير “دار التوحيدي للنشر”، التي تأسست عام 2000 ونشرت لمجموعة كبيرة من الكتاب المغاربة والعرب، ويقول أيضا إن “ما يتوهمه بعض الكتاب من حسن التوزيع خارجيا، فهم أعلم بأن الأمر مجرد مبرر واه، يكفي أن أؤكد أن الكتاب المغربي يصل عبر الناشر المغربي إلى كل الآفاق العربية والعالمية، أما الأصل فهو في نوعية الكتاب”.
ويوضح المرادي أن صناعة الكتاب بالمغرب ليست في أزهى أوقاتها، فالقطاع يتميز بمعيقات كبرى يلخصها في “سيادة احتكار سوق الكتاب وخاصة سوق الكتاب المدرسي من طرف مجموعة محددة، بشكل يعيق تطور صناعة الكتاب بالمغرب، وغياب المهنية في قطاع صناعة الكتاب، واستمرار امتهان مؤسسات كالجامعات والمؤسسات العمومية ممارسة مهنة النشر دون سند “قانوني”، وغياب سياسة مبادرة للدولة لتأطير قطاع صناعة الكتاب، تحت كل أشكاله الورقية والرقمية، لتجعل منه جزءا من صناعة ثقافية قادرة على المساهمة في تنمية وتنويع مصادر الثروة”.
ولعل هذه المعيقات التي يعاني منها النشر في المغرب تنطبق على مجموعة من البلدان العربية، التي ما زال النشر لديها لم يتحول بعد إلى صناعة، وما زالت تعاني الأمرّين قبل أزمة كورونا وبعدها، ويقاوم البعض منها من أجل البقاء، بينما البعض الآخر قد أغلق أبوابه بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة وارتفاع تكاليف إنتاج الكتاب لا سيما الورق، ناهيك عن تدني القراءة.
غير أن ظهور بعض دور النشر الخاصة وتمكنها في ظرف قياسي من استقطاب الكتاب العرب والحصول على ثقتهم بفضل حسن ترويجها للكتاب وتسويقه، يطرح أكثر من سؤال على دور النشر العربية التي تأمل في الاستمرار والمنافسة بأساليب لا تأخذ في اعتبارها التطور الحاصل، ولا تستثمر التكنولوجيا المتطورة لضمان قراء الغد، وهو ما قلب مقولة عميد الأدب طه حسين القديمة التي تقول: القاهرة تكتب، ولبنان يطبع، والعراق يقرأ، وغير من معادلة الكتابة والقراءة في الوطن العربي.
اقرأ على الموقع الرسمي
روابط قد تهمك
مؤسسة اشراق العالم خدمات المواقع والمتاجر باك لينكات باقات الباك لينك
اكتشاف المزيد من اشراق العالم 24
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.