هل تشعر برطوبة شديدة حاليا؟ تلك فقط هي البداية | علوم
يمر العالم العربي حاليا بموجة حارة قاسية، تهدأ قليلا ثم لا تلبث أن ترتفع وتيرتها مرة أخرى، ويصاحبها موجة رطوبة شديدة ترفع الإحساس بالحرارة إلى درجة كانت غير مسبوقة في بعض المدن العربية.
يوليو/تموز وأغسطس/آب هما الشهران اللذان يمثلان ذروة الصيف في منطقتنا، ومع درجات الحرارة المرتفعة فإن معدل التبخر من المسطحات المائية والتربة والغطاء النباتي يرتفع، ليسهم ذلك في ارتفاع مستويات الرطوبة.
الهواء كحقيبة حاملة للماء
يأتي ذلك في سياق أن العديد من الدول العربية تقع بالقرب من مسطحات مائية كبيرة مثل الخليج العربي والبحر الأحمر وبحر العرب والبحر المتوسط، وتتبخر مياه هذه البحار الدافئة بشكل أكبر في وجود حرارة الصيف، ليضيف ذلك مزيدا من الرطوبة إلى الهواء.
وتشهد المناطق الساحلية، على وجه الخصوص، رطوبة أعلى بسبب التأثير البحري، وتحمل الرياح التي تهبّ من البحر مزيدا من الرطوبة إلى الداخل، فتزيد مستويات الرطوبة. وفي كل الأحوال، فإن درجات الحرارة المرتفعة في الصيف تؤدي إلى إنشاء أنظمة ضغط منخفض تسحب الهواء الرطب من البحار المحيطة.
أضف إلى ذلك نقطة مهمة، وهي أنه يمكن للهواء الدافئ أن يحمل بخار ماء أكثر من الهواء البارد، يوصف ذلك بما يسمى بـ”معادلة كلاوزيوس-كلايبرون” التي تفيد في أحد استنتاجاتها بأن قدرة الهواء على الاحتفاظ بالرطوبة تتضاعف تقريبًا مع كل زيادة قدرها 10 درجات مئوية في درجة الحرارة.
ومع زيادة درجة حرارة الهواء تزداد أيضًا نقطة التشبع (تمثل الحد الأقصى لكمية بخار الماء التي يمكن للهواء الاحتفاظ بها عند درجة حرارة معينة)، وذلك يسمح لمزيد من الرطوبة بالبقاء في الهواء دون أن تتكثف في صورة سائل.
ومن ثم فإنه في يوم صيفي حار، تسخن الشمس الأرض والمسطحات المائية، فيزيد التبخر، وهذا يضيف مزيدا من بخار الماء إلى الهواء ويرفع الرطوبة.
تأثير بشري
وإلى جانب العوامل المناخية، توجد عوامل بشرية تسهم في رفع الحرارة خلال يوليو/تموز وأغسطس/آب، إذ يمكن للمدن ذات الكثافة السكانية الكبيرة والبنية التحتية المدججة بوحدات تكييف الهواء أن تزيد مستويات الرطوبة المحلية بسبب زيادة انبعاثات بخار الماء.
تميل المدن إلى أن تكون أكثر دفئًا من المناطق الريفية المحيطة بها بسبب تأثير الجزر الحرارية الحضرية، حيث تمتص المباني والطرق والأسطح الخرسانية ضوء الشمس أثناء النهار، وفي الليل تطلق هذه الأسطح الحرارة المخزنة فيجعل ذلك المدينة أكثر دفئًا من المناطق المحيطة بها.
وغالبًا ما تحتوي المدن على عدد أقل من الأشجار والمساحات الخضراء التي من شأنها أن توفر الظل والتبريد، ويسهم ذلك إلى جانب تكييف الهواء والعمليات الصناعية وانبعاثات المركبات في زيادة الحرارة وبالتبعية الرطوبة.
تأثير التغير المناخي
ولأن التغير المناخي يرفع من درجات حرارة الطقس، فإن ذلك يعني أن هواء الأرض سيحمل مزيدا من الرطوبة عامًا بعد عام. وتوضح بعض الدراسات الأحدث في هذا النطاق أن الظروف في منطقتنا العربية قد تصبح شديدة الحرارة والرطوبة بحلول نهاية القرن، وربما يجعل ذلك البقاء في الخارج أكثر من 6 ساعات أمرا لا يطاق في بعض الدول.
وقد أظهرت دراسة من وكالة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا) أن المستويات القصوى للإجهاد الحراري تضاعفت على مدى 40 سنة الماضية. ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه، إذ وجدت الدراسة أنه منذ عام 2005 تجاوزت درجات حرارة البصيلة الرطبة 35 مئوية لفترات قصيرة من الزمن في 9 مناسبات منفصلة في عدد من الأماكن بالعالم منها الخليج العربي ومحيطه، وهو أمر خطير نسبيا.
وقد وجدت دراسة نشرت في دورية “نيتشر كلايمت تشينج” أن أجزاء من الشرق الأوسط بشكل خاص قد تتجاوز عتبة درجة حرارة البصيلة الرطبة الآمنة أكثر ترددا مع اقتراب نهاية القرن. لكن، ما درجة حرارة البصيلة الرطبة؟
أثر البصيلة الرطبة
في الظروف الشديدة الحرارة والرطوبة (عندما يكون الهواء مثقلًا ببخار الماء) لا يتبخر العرق، وقد يواجه الجسم صعوبة في التخلص من الحرارة، وتلك النقطة التي تقلق العلماء في هذا السياق.
ويعرّف العلماء درجة حرارة البصيلة الرطبة على أنها مقياس مشترك لكل من درجة الحرارة والرطوبة التي كلما ارتفعت أصبح الهواء لزجًا وأكثر سخونة. وتمثل درجة حرارة البصيلة الرطبة أدنى درجة حرارة يمكن أن تبلغها برودة الجسم البشري عندما تتبخر الرطوبة منه (بطريق التعرق)، فكلما انخفضت أصبح من الأسهل علينا أن نبرد أجسامنا، وكلما ارتفعت أصبح صعبًا أن نبرد أجسامنا.
وطالما أن درجة حرارة البصيلة الرطبة أقل بكثير من درجة حرارة بشرتك، فيمكن لجسمك إطلاق الحرارة، ولكن عندما تقترب درجة حرارة البصيلة الرطبة من درجة حرارة جسمك الأساسية (التي هي 37 درجة في المعتاد) فإنك تفقد القدرة على تبريد جسمك.
وتعدّ أعلى درجة حرارة رطبة يمكن للبشر تحملها عند تعرضهم لطقس حار رطب لمدة 6 ساعات على الأقل هي حوالي 35 درجة مئوية (تختلف هذه القراءة عن درجة الحرارة العادية المعلنة في الأخبار مثلا، إذ تكون عادة أبرد منها).
وبذلك تعد درجة حرارة البصيلة الرطبة المرتفعة أمرًا خطيرًا لأن البشر يفقدون حوالي 80% من الحرارة من خلال التعرق. لذلك عندما تكون الرطوبة ودرجة حرارة الهواء مرتفعة، يصبح من الصعب التخلص من الحرارة الزائدة، وقد يؤثر ذلك على الجسم بالسلب ويدخله في وقت أسرع في حالة إجهاد حراري يمكن أن تكون مميتة في مستوياتها الخطيرة.
وفي عام 2022 أفادت دراسة من جامعة هارفارد بأن معدلات الإجهاد الحراري ترتفع عامًا بعد عام بسبب الاحترار العالمي. وأوضحت الدراسة أنه حتى لو تم تحقيق هدف اتفاق باريس المتمثل في الحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى درجتين مئويتين، فمن المرجح أن يزيد التعرض لمستويات حرارة خطيرة بمقدار 3-10 أضعاف في العديد من المناطق في جميع أنحاء العالم.
وقد وجدت دراسة نشرت في أكتوبر/تشرين الأول 2023 في دورية “بي إن إيه إس” أن مليارات البشر سيتأثرون بحرارة لا تطاق لجسم الإنسان إذا ارتفعت درجة الحرارة العالمية بمقدار درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة، وبشكل خاص في شمال الهند وباكستان وبنغلاديش وشرق آسيا والجزيرة العربية ومنطقة الساحل الأفريقي.
وجدت الدراسة أن الأمر لا يحتاج بدرجة حرارة البصيلة الرطبة المتوسطة لأن تصل إلى 35 درجة، ولكن عند 30.55 درجة مئوية فقط يظل التأثير السلبي قائما على صحة الإنسان، ولا يستطيع الناس الأصحاء القيام بالأنشطة اليومية البسيطة.
اقرأ على الموقع الرسمي
روابط قد تهمك
مؤسسة اشراق العالم خدمات المواقع والمتاجر باك لينكات باقات الباك لينك
اكتشاف المزيد من اشراق العالم 24
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.