أخبار العالم

ماني.. هرب من “إمام المسجد” وتخلى عن عاداته في ليفربول


يخطئ دجوركاييف في ترويض الكرة، يستغل عمر داف الفرصة ويمرر كرة لزميله ضيوف على الجناح الأيسر، يراوغ الأخير فرانك لوبوف ويقترب رويدا رويدا من منطقة الجزاء، يرسل تمريرة عرضية أخطأ في التعامل معها إيمانويل بيتي والحارس بارتيز ليجد بابا بوبا ديوب الكرة أمامه فيسكنها الشباك معلنا عن فوز تاريخي للسنغال على حامل اللقب فرنسا.

احتفل اللاعبون بالرقص عند الراية الركنية في سيول الكورية، وعلى بعد أكثر من 13 ألف كيلو متر غربا في قرية بامبالي، رقص السنغاليون جميعهم وكان من بينهم طفل يبلغ من العمر 10 أعوام يُدعى ساديو، كانت تلك اللحظة فارقة بالنسبة له، فقرر السير على خطى من شاهدهم وهم يبلغون ربع نهائي أغلى مسابقات كرة القدم، وبعد هذا اليوم بأكثر من 10 أعوام، أصبح هذا الطفل أكثر شهرة من سابقيه، ظفر لبلاده بالكأس الإفريقية الأولى في تاريخها وحصد 10 بطولات مع 3 أندية مختلفة، ولا يزال يتطلع لصناعة مجد أكبر في الدوري السعودي.

وأعلن النصر يوم الثلاثاء عن ضم السنغالي ماني قادما من بايرن ميونخ الألماني، في رابع صفقاته الصيفية بعد الكرواتي مارسيلو بروزوفيتش والإيفواري سيكو فوفانا والبرازيلي أليكس تيليس.

هروب.. ثم إلهام لاستكمال الحلم

هرب ماني من والده إمام قريته بامبالي -والذي توفي وهو في السابعة من عمره- ليجرب حظه في كرة القدم بالعاصمة داكار، أعيد بعد بضعة أيام إلى قريته، لكن انتهى به الأمر بالعودة إلى عاصمة السنغال بعد بضع سنوات، بعد حدث غيّر طريقة تفكيره كليًا.

كانت هزيمة حامل اللقب منتخب فرنسا أمام نظيره السنغالي في المرحلة الأولى لدور مجموعات مونديال 2002 بمثابة المعجزة للطفل صاحب الـ 10 أعوام حينها، وأصبح الأمر مصدر إلهام له بعد وصول “أسود التيرانغا” للدور ربع النهائي.

يقول ماني: بعد المونديال، أقمنا أنا وأطفال قريتي دورة لكرة القدم، ازدادت عزيمتي وإصراري يوما بعد يوم على أن أكون الأفضل بينهم، كان الجميع يقولون لي إنني الأفضل لكن عائلتي لم تكن مهتمة بكرة القدم، وكانوا يخططون لأمور أخرى بالنسبة لي.

“شرعوا في تغيير رأيهم حينما أدركوا أن كرة القدم موجودة في قلبي وعقلي، خاصة خالي، الذي أقنعته بأن أترك بلدتنا وأتجه إلى داكار العاصمة”.

والدته وخاله باعا المحاصيل التي كانا يحصدانها من أجل جمع الأموال لمساعدته على مطاردة حلمه، ليس هم فقط، بل جمع سكان القرية ما تيسر من الأموال لتأمين ما يكفي حتى يتبع ساديو شغفه.

يتابع ماني: حينما وصلت إلى داكار، عشت مع عائلة لا أعرفها، عرضت عليهم القليل من المال وتحدثت عن طموحي قبل أن يسمحوا لي بالبقاء في منزلهم، كان هناك شخص مشترك بينهم وبين عائلتي، وهو من أخذني إلى منزلي الجديد، لقد قدموا لي الرعاية اللازمة واهتموا بي في كل شيء، حتى ينصب تركيزي على كرة القدم فقط.

وأكمل المهاجم الذي كان يمارس كرة القدم بواسطة بعض أنواع الفاكهة ذات الشكل الدائري لعدم وجود كرة قدم فعلية: في القرية، ليس هناك عمل آخر للقيام به سوى أن تصبح مزارعاً. كان حلم طفولتي هو كتابة التاريخ والفوز بكل الجوائز.

“أنا في فرنسا.. في أوروبا”

بعد اختبارات أبهر خلالها الجميع انضم ماني إلى جينيراسيون فوت، ومن ثم أكمل رحلته إلى شريكه ميتز في فرنسا، ساهم اوليفييه بيران المدير السابق لمركز التكوين في نادي ميتز ومدير العمليات في شركة “جينيراسيون فوت” في هذه الصفقة، وقال عنها: كان يقوم بأشياء استثنائية ويملك عقلية إيجابية. كانت قدرته على مراوغة الخصوم من نقاط قوته وأصبح من الواضح أنه كان عليه التوقيع مع ميتز. لذلك عرضت على النادي إحضاره.

لم يخبر ماني والدته بأنه سيترك بلاده من أجل مستوى أفضل من كرة القدم، وصل إلى ميتز في موسم الشتاء وتحديداً في 4 يناير 2011. ويتذكر ابن الـ 31 عاما في فيلم وثائقي: أول ما أدهشني هو الريح.

“أخبرت خالي فقط، أمي لم تكن تعرف، في أول أيامي في فرنسا، لم أمتلك رصيدا في هاتفي لأتحدث مع أمي، أعطاني صديق لي هاتفه واتصلت بها وأخبرتها أنني في فرنسا، قالت أي فرنسا؟ قلت لها فرنسا في أوروبا، فأجابت: ماذا تعني في أوروبا؟ أنت في السنغال، قلت لها لا أنا في أوروبا”.

“كانت تتصل بي يوميا لتتأكد أنني لست في السنغال، أخبرتها حسنا افتحي التلفاز حينما يلعب ميتز، ستشاهدينني وأنا في فرنسا”.

أخفى إصابته بسبب الخوف

كانت البدايات معقدة بالنسبة للاعب الشاب الذي أخفى إصابة خوفاً من إعادته إلى السنغال.

أوضح بيران: لم يضع قدماً أمام الأخرى، ولم يُظهر ما يمكنه فعله ولم أفهم لماذا.

اعتقدت أن الجو ربما كان بارداً بالنسبة له، لكن في الحقيقة كان السبب هو أنه يعاني من إصابة في أسفل عضلات البطن. عندما اكتشفنا ذلك، خضع لعملية جراحية وسرعان ما انضم إلى اللاعبين المحترفين وبقي هناك دائما.

بقي ماني لمدة عام ونصف فقط في ميتز قبل أن يضطر الأخير إلى التخلي عن خدماته بعد سقوطه إلى الدرجة الدنيا عام 2012.

يتذكر بيران: كان النادي في حاجة إلى المال للتعافي، لذلك تم بيعه مقابل 4.1 مليون يورو لنادي سالزبورغ ومواطنه كاليدو كوليبالي (قلب دفاع الهلال حالياً) مقابل 2.5 مليون لنادي غنك.

مع شميدت.. بدأ كل شيء

واصل المهاجم تطوير مستواه في النمسا، وأضاف بيران: لقد كان فتى موهوباً للغاية لكنه أحب الاستعراض على حساب الفعالية. في سالزبورغ كان لديه مدرب (روجر شميدت) ساعده على التحسن في إنهاء الهجمات.

أثنى ماني سابقا على شميدت وقال: الأجواء في النمسا كانت أكثر برودة من فرنسا، ولم أكن أتحدث الألمانية، لكن المدرب شميدت ساعدني كثيرا، معه بدأ كل شيء، الضغط والهجوم، تعلمت الكثير منه.

وحول فترته مع سالزبورغ، أضاف بيران: أنت لا تعرف أبداً ما إذا كان اللاعب سيكون قادراً على الوصول إلى مستوى عال جداً، فهو رجل قبل كل شيء ولا تعرف أبداً كيف سيتطور ويتحسن، فعلى سبيل المثال في ميتز لم يكن يجيد التسديد بالرأس.

وأكمل: إنه يبحث باستمرار عن التحسين. إذا لم يكن جيداً، يقوم بمراجعة المباراة لمعرفة كيف يتحسن. لديه القدرة على القيام بانتقاد ذاتي وهذا أمر لا يملكه كثيرون.

“شأنه في ذلك شأن رونالدو أو ميسي، لا يترك شيئاً للصدفة سواء في عمله اليومي أو نظامه الغذائي أو نومه أو قدرته على الاستعداد حتى في الإجازة”.

لعب السنغالي 87 مباراة مع سالزبورغ، سجل خلالها 45 هدفا، ومرر لزملائه 32 تمريرة حاسمة بين عامي 2012 و2014.

“التوقيت الإفريقي”

إحدى أبرز مشاكل ساديو ماني مع مدربه رونالد كومان في ساوثهامبتون بعد انتقاله إلى الأخير عام 2014 في أغلى صفقات نادي القديسين حينها، كانت تأخره بشكل مستمر على التدريبات، حتى في أيام المباريات.

دفع هذا التأخير المتكرر لسخرية المدرب الهولندي كومان منه وقال له إنه يسير حسب “التوقيت الإفريقي”، انتقل ماني إلى ليفربول لكنه ذهب بدون عادته وتعلم الالتزام والانضباط في مدينة نهر “ميرسي”.

نظام من 3 ركائز

يتحلّى ماني بنظام مميز، فتتمحور يومياته حول ثلاث ركائز: كرة القدم، الحفاظ على جسمه ليكون تنافسياً قدر الإمكان والصلاة، إذ يحتل الدين مكاناً هاماً لكن متكتماً في حياته.

في سبتمبر 2018، ظهر في شريط فيديو يساعد في تنظيف حمامات مسجد في ليفربول، بعد ساعات من تسجيله في مرمى ليستر سيتي. كما ظهر يحمل هاتفاً بشاشة مكسورة، ما يدلّ على أولويات مختلفة في حياته، برغم إيراداته الهائلة.

علق لصحيفة “ليكيب” حول هذا الأمر قائلا: أنا مسلم، أصلي خمس مرات في اليوم، وحينما أستطيع أقوم بذلك في المسجد.

“ذات مرة ذهبت إلى هناك، وجدت هناك صديقًا جيدًا للغاية من غانا، دعوته لشرب بعض الشاي في المنزل بعد الصلاة وقال: لا، يجب أن أغسل مراحيض المسجد. أخبرته أننا سنفعل ذلك معًا. في هذه اللحظة قام شخص ما بتصويرنا وطلبت منه عدم نشر المقطع على الإنترنت”.

“أقسم أنه لن ينشرها، وفي اليوم التالي وجدت الفيديو في كل مكان”.

رد الجميل

لم ينس ماني موقف أهالي قريته وجمعهم للمال حتى يساعدوه في رحلته الكروية، وحينما لمع نجمه وأصبح أحد أفضل اللاعبين في تاريخ قارته متألقا في الدوري الإنجليزي، رد الجميل عن طريق مشاريعه الخيرية.

في عام 2019، تبرع ماني بمبلغ 250 ألف جنيه إسترليني لبناء مدرسة في مسقط رأسه، وفي مارس 2020، قدم 41 ألف جنيه إسترليني للجنة الوطنية لمكافحة كوفيد -19 في السنغال.

بالإضافة إلى ذلك، قام أيضًا بتمويل بناء محطة وقود ومكتب بريد لمجتمعه المحلي، وساهم في تزويد مدرسة قريته بأجهزة “كمبيوتر” محمولة وإنترنت مجاني.

ماني هو سفير لمنظمة Right To Play، وهي منظمة دولية غير ربحية مهمتها تمكين الأطفال الفقراء. وتعاون مع منظمة أخرى لتوفير المساواة والتمكين للفتيات والنساء في السنغال، ورفع مستوى الوعي بأهمية قدرة الفتيات والفتيان على حد سواء على الوصول إلى فرص لممارسة الرياضة والحصول على تعليم جيد.


اكتشاف المزيد من اشراق العالم 24

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من اشراق العالم 24

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading