“التمويل المشروط سياسيا” شبح يطارد مؤسسات المجتمع المدني بالقدس | سياسة
القدس المحتلة- لا تعاني مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية العاملة في القدس من التضييقات الإسرائيلية التي تستهدف كافة أنشطتها ومشاريعها، والإجراءات التعسفية الرامية لإغلاقها وعرقلة عملها في المدينة المقدسة فقط، بل تعاني هذه المؤسسات أيضا من “التمويل المشروط” الذي يفرضه عليهم الممولون الأجانب.
ولأن المؤسسات المقدسية التي تعتمد بشكل أساسي على الجهات المانحة وجدت نفسها السنوات الأخيرة بين خيارين أحلاهما مُرّ: إما القبول بالشروط التي تُدرجها الاتفاقيات مع الجهات الممولة، وبالتالي التخلي عن مبادئ وطنية أساسية، أو الامتناع عن توقيع هذه الاتفاقيات وخسارة التمويل الذي يعتبر المُشغّل الرئيسي لهذه المؤسسات.
ويعتبر مركز العمل المجتمعي إحدى المؤسسات الحقوقية المقدسية التي تعتمد بشكل أساسي على التمويل. وفي مستهل حديثه للجزيرة نت، يقول مديره منير نسيبة إن أقسى ما تواجهه مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني هو التمويل المشروط “سياسياً” إذ تُدرج الجهة المانحة بنداً في الاتفاقية يعتبِرُ المنظمات والأحزاب السياسية الفلسطينية “إرهابية” وعلى المؤسسة القبول بذلك والتوقيع إذا رغبت بالحصول على التمويل.
ويرفض المركز الذي يتبع لجامعة القدس التوقيع على اتفاقية تُدرج هذا البند، مما نتج عنه تحديات في قدرة المؤسسة على التقدم للحصول على تمويل من جهات عدة مع مرور الوقت، وفقا لنسيبة.
التماهي مع الاحتلال
ومن بين العراقيل التي واجهت عمل المركز -الذي يقدم خدمات قانونية- محاولة إحدى الجهات المانحة إجباره على تقديم خدماته القانونية للمستفيدين بناء على معايير سياسية، وهو ما رفضته إدارته “لأن ذلك غير مقبول في عالم حقوق الإنسان”.
واستطرد نسيبة “قال لنا أحد المانحين إنه يجب ألّا نمثل عائلات الشهداء الفلسطينيين قانونيا إذا تعرضوا لعقوبات، لأنهم وفقا للتصنيف الإسرائيلي أقارب إرهابي، وهو الأمر الذي نعتبره عقابا جماعيا ولا ينسجم مع رؤيتنا لهذا الشخص الذي يصنفه الاحتلال والممولون كإرهابي”.
ورغم التحديات التي تواجهها المؤسسات خاصة تلك العاملة في القدس، يؤكد نسيبة أن المجتمع المدني الفلسطيني قوي، ولم يخضع للابتزاز بشكل عام، ولا يقبل التمويل المشروط “سياسيا” لكنه موضوع تحت المجهر من كافة الجهات الإسرائيلية ولعلّ أبرزها “مراقب المنظمات غير الحكومية” (NGO MONITOR).
وفي زيارة للموقع الإلكتروني لتلك الجهة، وجدت الجزيرة نت أنها تُدرج أسماء 58 مؤسسة مجتمع مدني فلسطينية، وتخصص ملفا مفصلا لكل منها معتبرة أن هذه المؤسسات “إرهابية” أو ذات علاقة بمنظمات أو شخصيات فلسطينية “إرهابية”.
وفي الصفحة المخصصة لكل مؤسسة، تعرض المنظمة نبذة تعريفية عنها وعن مصادر تمويلها وأنشطتها وعلاقتها بفصائل أو شخصيات فلسطينية معينة، بالإضافة للخطاب الذي تستخدمه هذه المؤسسة وأنشطتها في مجال مقاطعة إسرائيل وفي إطار المحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة.
ووفقا لنسيبة، فإن هذه المنظمة ومن خلال مراقبتها لكل تحركات مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية اتهمت الكثير منها بدعم الإرهاب، لمجرد أنها تعمل من أجل فلسطين والفلسطينيين.
وتابع أن تلك المؤسسة لم تقف عند هذا الحد بل تصيدت قصصا وتوجهت من خلالها للممولين لتظهر لهم أن هذه المؤسسة أو تلك تشجع على ما تسميه العنف والإرهاب، ومقاومة الاحتلال حسب ادعائها.
ابتزاز مالي
المديرة السابقة لإحدى المؤسسات الثقافية في القدس (د ن) قالت إن الأميركيين ومن خلال كافة قنواتهم التمويلية وضعوا شروطا سياسية منذ سنوات طويلة، إلا أن الاتحاد الأوروبي -الذي يضم 27 دولة- انطلق بهذه الخطوة عام 2019، بإضافته بندا من سطر واحد جاء فيه أن من يحصل على الدعم عليه الالتزام بـ “قائمة التدابير” التي ينص عليها الاتحاد الأوروبي.
وبعد بحث هذه المؤسسة الثقافية عن تلك التدابير، وجدت أن عليها أن تلتزم بقائمة “الإرهاب” التي يعتمدها الاتحاد الأوروبي وتشمل عددا من الأحزاب الفلسطينية وأذرعها العسكرية.
وتفيد بنود القائمة أنه يمنع على المؤسسة التعامل مع الأحزاب أو أشخاص لهم علاقة بها، وعليها أيضا أن تضمن ألا يشارك أي شخص في أنشطتها ومشاريعها أو الاستفادة من فعالياتها في حال كان لديه انتماء لهذه الأحزاب.
وفي تعليقها على هذه الشروط، تقول مديرة المؤسسة الثقافية إن مؤسستها خاضت معركة الرفض رغم قبول مؤسسات أخرى بالتوقيع على هذا البند، وإن كثيرين قالوا إن المؤسسات الرافضة ستضطر لإغلاق أبوابها إذا أصرت على موقفها.
وتقول “عملنا على خطط بديلة فاضطررنا لإنهاء خدمات موظفين، وتوظيف آخرين ضمن مشاريع مؤقتة، وتقشفنا في المصاريف الإدارية، وعملنا بالحد الأدنى من الطاقات البشرية. وفي الوقت ذاته بحثنا عن جهات بديلة تدعمنا بلا شروط كالصناديق العربية” وفق المديرة المقدسية.
أما الصناديق العربية فيتركز تمويلها على قطاعي الترميم أو الأنشطة، وهو ما اضطر المؤسسات لتوفير دخل بأي طريقة كتأجير مرافقها أو بيع التذاكر لفعالياتها ومهرجاناتها، وفقا لـ (د ن).
وقد فاقمت الحرب على غزة من الأزمة المالية للمؤسسات الثقافية بالتحديد، لأن نشاطاتها توقفت بالكامل، كما أن بعض الممولين ابتزوا المؤسسات -خاصة الحقوقية- بإضافة بند جديد للاتفاقيات وهو إدانة هجوم 7 أكتوبر الذي نفذته “حماس”.
وتتوقع مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني أن يشدد الأوروبيون والأميركيون من قائمة “الإرهاب” بإضافة أسماء جديدة إليها بسبب الحرب.
استجابة المضطر
بدوره، يرى مدير المسرح الوطني الفلسطيني (الحكواتي) عامر خليل أن “كل تمويل مشروط، فالشروط التعاقدية صعبة ومهينة للمؤسسات، ويضاف إليها في بعض الأحيان الشروط السياسية”.
وأضاف -في حديثه للجزيرة نت- أنه عندما تطفو الشروط السياسية على سطح المشروع تبدأ المفاوضات، وفي معظم الأحيان يتم التحايل على بعض المسميات من أجل التوقيع، مشيرا إلى أن “التمويل بشكل عام أسوأ شيء حصل للمؤسسات لأنه سحب البساط من تحتها وباتت رهينة له”.
وبألم، قال خليل إن العديد من المشاريع تعطلت والكثير من المؤسسات معرضة لإغلاق أبوابها بسبب شح التمويل، وهو الشبح الذي حدّ من نشاط المؤسسات وإنتاجها “لأن الجميع كان يعمل قبلها بروح العطاء والتطوع والتضحية والالتزام، وبعد مجيئها تحول كل ذلك إلى أرقام وطلبات تمويل”.
واختتم خليل حديثه بالقول إنه يتخبط كثيرا عند قبول أو رفض أي منحة، إلا أنه يضطر أحيانا لقبولها بشروطها التعاقدية والسياسية، ويعتقد أن على المؤسسات مقاطعة جميع أنواع التمويل وتحمل الوضع الصعب لفترة وجيزة وإيجاد حلول داخلية للخروج من مأزق الشروط.
اقرأ على الموقع الرسمي
روابط قد تهمك
مؤسسة اشراق العالم خدمات المواقع والمتاجر باك لينكات باقات الباك لينك
اكتشاف المزيد من اشراق العالم 24
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.