التهجير على مائدة ترامب.. سبل مواجهة صفقة القرن الثانية
اشراق العالم 24 متابعات عالمية عاجلة:
نقدم لكم في اشراق العالم24 خبر “التهجير على مائدة ترامب.. سبل مواجهة صفقة القرن الثانية”
ومنذ المكالمة الهاتفية التي كشف عنها البيت الأبيض أمس، بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والعاهل الأردني عبد الله الثاني، اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي وصالونات عمان ومنتدياتها السياسية، موجة لم تنقطع، من التعليقات المعبرة عن القلق والصدمة، فيما سؤال: ما العمل؟ ما زال يتردد على كل لسان، مشفوعًا بكثير من الإحباط و”ضعف الحيلة”.
قديم – جديد
تهجير الفلسطينيين عن ديارهم، ليس مشروعًا جديدًا، فعمره من عمر النكبة الفلسطينية في العام 1948، والأردن بالذات، أُعيد تشكيله جغرافيًا وديمغرافيًا، على وقع هذا المشروع، وبفعل تداعياته ومحطاته الأكثر نتوءًا (1948، 1967 بخاصة).. وعند كل انسداد في مسارات عملية السلام التي انطلقت منذ أزيد من ثلث قرن، كان شبح “التهجير” يطل برأسه الكريه، وكانت أشباح أخرى تُطل برؤوسها المتعددة، والقبيحة أيضًا، على المشهد الداخلي الأردني: التوطين، الوطن البديل، الفدرالية والكونفدرالية.
ومع تفشي اليمين الديني والقومي على مساحات واسعة من الخريطة السياسية والحزبية الإسرائيلية، في الحكم والمعارضة طيلة عشريتين من السنين، كان منسوب القلق الأردني يرتفع باستمرار.. فهذا التيار، الذي بات رئيسًا – Main Stream – لا يدخر وسعًا لتحطيم فرص قيام كيان فلسطيني مستقل وقابل للحياة في الضفة والقدس والقطاع، وهو عمل ويعمل، على نحو منهجي منظم، لتدمير حل الدولتين، ويصرح قادته وأركانه بحاجة إسرائيل لـ”تطهير يهودا والسامرة” من سكانها (لا مكان في قاموسهم لشيء اسمه الضفة الغربية)، والقذف بهم، قسرًا وطوعًا خارج بلادهم، والخرائط التي تتطاير عن مواقع هذا التيار ووسائل إعلامه، تقترح ضم الأردن لـ”ولاية” إسرائيل الكبرى.
ومع بداية حرب التطهير والتطويق والإبادة التي شنتها تل أبيب على قطاع غزة، إثر السابع من أكتوبر/تشرين الأول وطوفان الأقصى، بدا أن إدارة بايدن الديمقراطية، قد أخذت تقترب من مشروع اليمين الإسرائيلي الأكثر تطرفًا، وشرع وزير خارجيتها أنتوني بلينكن، بالترويج لفكرة تهجير الغزيين، ولو بشكل مؤقت، ومن باب إنساني زائف ومفضوح، فكان في جولته الأولى على المنطقة بعد الحرب، رسول إسرائيل في تسويق وتسويغ هذا المشروع المتفرّع عن فلسفة التطهير العرقي، فاشية الطراز والمضمون.
وما كان إنسانيًا ومؤقتًا عند إدارة بايدن الديمقراطية، سيصبح إستراتيجيًا ومُستدامًا عند إدارة ترامب الجمهورية.. فالرئيس بشخصه، يتصل بالعاهل الأردني لحفزه على قبول المزيد من المهجّرين الفلسطينيين – الغزيين هذه المرة – في بلاده، التي كانت سخيّة ومضيافة في استقبال موجات سابقة منهم، وسجلت قصة نجاح في دمجهم ورعايتهم.. وعندما سئل الرجل عمّا إذا كان يفكر بترتيب مؤقت أم دائم لهؤلاء، قال “طويل الأجل”، وفي مطلق الأحوال، فإن الخبرة الفلسطينية – الأردنية – العربية، مع كيان الاحتلال، لا تدع مجالًا للشك، بأن كل مؤقت في القاموس الإسرائيلي يصبح دائمًا، ما لم ترغم إسرائيل على غير ذلك.
زاد في منسوب القلق الأردني من الموقف الأميركي النافر في حدته وجرأته في التطاول على حقوق الفلسطينيين وأمن مصر والأردن واستقرارهما، أن الكشف عنه في المكالمة الهاتفية إياها، قد جاء بعد أيام فقط، من “الأمر التنفيذي” الذي مهره ترامب بتوقيعه، ويقضي بـ”تعليق” المساعدات الخارجية لمدة تسعين يومًا، لإتمام مراجعة جدواها ومدى تطابقها مع أجندة السياسة الخارجية الأميركية الجديدة وأولوياتها.. وإذ استثنى وزير الخارجية الأميركية الجديد، ماركو روبيو، إسرائيل ومصر من لائحة الدول المشمولة بـ”التعليق”، فقد كان لافتًا أنه أبقى الأردن فيها.. ما عُدّ بمثابة ضغط وابتزاز للأردن، ومحاولة تقديم رشوة “مسمومة” لمصر، ودائمًا للغرض ذاته: تمرير مشاريع مدفوعة مسبقًا من كيس الفلسطينيين وحقوقهم، وأمن العرب واستقرارهم، نظير استرضاء اليمين والكيان المحتل.
والحقيقة أننا كنا، قبل مجيء ترامب للبيت الأبيض، وفوزه الكاسح في الانتخابات الأخيرة، قلنا إنه سيكون أكثر “حزمًا” لجهة وقف إطلاق النار في غزة، وأكثر سخاءً لجهة ما يمكن أن يعرضه على تل أبيب من رشا وتقدمات نظير ذلك.. لكننا والحق يقال، لم نكن نعتقد أنه سيفعلها بهذه السرعة، وبهذا القدر من الفجاجة، وأنه سيبدأ من غزة، دون أن يتوقف في الضفة، وهو الذي دشّن ولايته الأولى بـ”منح” إسرائيل ثلث مساحتها، وكل القدس، بوصفها عاصمة “أبدية وموحدة” لها، وقرر نقل سفارة بلاده من تل أبيب إليها.
حديث ترامب ومطالبه (أو ضغوطه) لتهجير أهل غزة للأردن ومصر، تعطي إشارات دالّة على طبيعة “الصفقة” التي تعتمل في رأسه، لحل الصراع في الشرق الأوسط، وإخماد حروبه وقلاقله.. صفقة قد تحمل عنوان “صفقة القرن 2″، أكثر سخاءً مع المتطرفين اليهود والصهاينة، وأكثر تجاوزًا وانتهاكًا للحقوق الفلسطينية والمصالح العربية.. صفقة تكاد تتبنى العناصر الأساسية المكونة لنظرية “حسم الصراع” التي بدأتها الصهيونية الدينية قبل أن تصبح إستراتيجية الدولة العبرية ومؤسساتها السياسية.
وبمقدور المراقب، بقليلٍ من الحصافة والجرأة، أن يستنتج مما ذهب إليه ترامب في مكالمته أمس مع الملك، واليوم أو غدًا مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، أن إدارته لن تمضي بعيدًا في تسهيل إغاثة غزة وإيواء مشرديها، وإعادة بناء ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية المدججة بالسلاح الأميركي.. مع ترجيح، لا تخطئه العين المجربة، بأن تتحول هذه العناوين الثلاثة: (إغاثة، إيواء، إعمار)، إلى أسلحة مضّاءة، تشهرها واشنطن في وجه الفلسطينيين والأردنيين والمصريين، من بين أسلحة أخرى ما زالت خبيئة في الجعبة الأميركية.
لقد مهّدت هذه الإدارة، في أسبوعها الأول، لمزيد من التحولات المقلقة والخطرة في السياسة الأميركية حيال ملف الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، إذ رفعت المستوطنين من قوائم العقوبات الأميركية، وسمحت بشحن القنابل الثقيلة: (ألف وألفي رطل) إلى إسرائيل بعد أن جمدت إدارة بايدن توريدها، واستثنت إسرائيل من قرار تعليق المساعدات الخارجية، كل ذلك في غضون أقل من ستة أيام عمل، والحبل على الجرار.
ليس قدراً لا رادّ له
لا يعني ذلك للحظة واحدة، أن مشيئة واشنطن، قدرٌ لا رادّ له، وأنه لم يتبقَ للعرب والفلسطينيين سوى رفع الرايات البيضاء، تجنبًا لغضب “الفيل الهائج في دكان الخزف والزجاج”.. الفلسطينيون قالوا كلمتهم مباشرة في الصمود والثبات على أرضهم في أتون معركة التطهير والإبادة، ودفعوا الأثمان العالية من لحمهم الحيّ، وهم الذين أدركوا بحسهم ووعيهم “الجمعي” أن النكبة لم تكن في ضياع الأرض وإنما في تهجير سكانها.
لقد تعلموا الدرس بالطريقة الأصعب، وهيهات أن ينسوا دروس النكبة والنكسة والهزيمة. وفصائل المقاومة الفلسطينية التي سطرت إعجاز المقاومة والثبات في غزة، عبّرت عن موقفها الرافض بالمطلق، لمشاريع التطهير والتهجير، ومن خلفها يقف الإجماع الوطني الفلسطيني، ويتبلور.
ولا خيار للأردن ومصر، سوى مقاومة هذا المشروع، إن لم يكن من باب التضامن مع الشعب الفلسطيني وحقه في أرضه ووطنه، فمن باب الدفاع عن أمنهما واستقرارهما. في الحالة المصرية، فإن الانصياع لإملاءات واشنطن وإغراءاتها (جزرتها المسمومة) سينال من صدقيّة النظام، وحواضنه الشعبية، وسيطيح بالسيادة الوطنية والقرار المستقل، والدور الريادي والتاريخي.
أما في الأردن، فالتهديد يتخطى الأمن والاستقرار، إلى الهوية والكيان، بمعنى آخر، إن كان التهجير تهديدًا لأمن مصر واستقرارها، فإنه في الحالة الأردنية، تهديد وجودي، للدولة والهوية والكيانية، وسيفضي إن تحقق، إلى نقل الصراع من كونه فلسطينيًا – إسرائيليًا فاقع المعالم ومعرّفة أطرافه وحدوده، إلى صراع داخلي مركب في الأردن، وعلى حسابه.
ويخشى الأردنيون والفلسطينيون، ومعهم في ذلك الحقّ كله، من أن يكون مخطط تهجير أبناء غزة وبناتها، إن نجح اليوم، “بروفة” لما يمكن أن يحصل في الضفة الغربية في المستقبل القريب، لا سيما مع قرار حكومة نتنياهو نقل الحرب من غزة، وقبل أن تضع أوزارها، إلى الضفة الغربية، وتحويل جنين ومخيمها، إلى “غزة مصغرة”، في استعادة لسيناريو حرب التطهير والإبادة التي شنت على جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون.
لهذه الأسباب، وكثيرٌ غيرها، لا مجال للفشل أو التراجع في معركة إسقاط مشروع التهجير، عن أي جهة صدر، حتى وإن كان الرئيس الأميركي (الأقوى) هو من يتصدر صفوف المنافحين عنه والمروجين له.. ذلك ليس خيارًا على الإطلاق، وثمة أوراق قوة يتعين امتلاك الجرأة على استخدامها، من بينها على سبيل المثال لا الحصر:
- تمتين الجبهات الداخلية، والطريق إلى ذلك معروفة، وليست هذه المقالة مكانًا للتوسع في الحديث عنها.
- الانفتاح على “الكل الفلسطيني” وعدم إبقاء كل البيض في سلةِ سلطة متساوقة مع مخرجات الحل الإسرائيلي.
- تحريك موقف عربي فاعل لمواجهة هذا المخطط، هذه المرة ليس دفاعًا عن فلسطين، بل انتصارًا للأردن ومصر، الركنين الأصيلين في “نادي الاعتدال العربي”، أو نادي أصدقاء واشنطن وحلفائها، فهما الدولتان اللتان أبرمتا معاهدتي سلام مع إسرائيل، لكنهما تبدوان في أمسّ الحاجة للنصرة والتضامن.
- كما أن توسيع دوائر التحرك السياسي والدبلوماسي، أوروبيًا وأمميًا، يجب أن يبدأ من دون إبطاء، لعزل الموقف الأميركي، وتبيان مدى خطورته وفداحته، على أمن المنطقة واستقرارها، وعلى أمن واستقرار دولتين حليفتين للغرب والولايات المتحدة، ومتصالحتين مع إسرائيل منذ سنوات وعقود.
لقد غضب البعض منّا، حين ذهبنا للقول: إن واشنطن لن تتردد في حسم خياراتها وتفضيلاتها بين إسرائيل وحلفائها العرب، إن وجدت نفسها عاجزة عن التوفيق بين مصالحهم المتعارضة أو المتناقضة.. قلنا إنها ستأخذ من دون تردد، جانب إسرائيل وستنبري للدفاع عنها، ليس في مواجهة حماس أو محور المقاومة فحسب، بل وحتى في مواجهة حلفائها العرب، وستنظر إلى أية أضرار قد تلحق بهم، من زاوية الأعراض الجانبية للمرض أو الدواء “Collateral Damages”.. حدث ذلك مع الأردن زمن صفقة القرن الأولى، وقد يتكرر مع الأردن ومصر، زمن “صفقة القرن الثانية”، الآتية على الطريق.
لقد ذهب العرب إلى السلام مع إسرائيل على أمل توفير الأمن والاستقرار، فإذا بأكثر الدول نشاطاً على دروبه، هي الأكثر عرضة للتهديد، ومن حيث لا تحتسب: من تل أبيب، وبالأخص واشنطن.. ظن البعض أن المعاهدات والاتفاقات ستجلب راحة البال، فإذا باليمين الفاشي والشعوبي الذي يطل برأسه البشع من ثنايا حكومة نتنياهو وإدارة ترامب، يفتح فكيّه على مصراعيهما، مهدداً بأكل الأخضر واليابس، فهل نتعظ، ونعود لحكمة الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك (المتأخرة عن أوانها): المتغطي بأمريكا عريان.
الجدير بالذكر أن خبر “التهجير على مائدة ترامب.. سبل مواجهة صفقة القرن الثانية” تم نقله واقتباسه والتعديل عليه من قبل فريق اشراق العالم 24 والمصدر الأصلي هو المعني بما ورد في الخبر.
اشترك في نشرة اشراق العالم24 الإخبارية
الخبر لحظة بلحظة
اشرق مع العالم
اقرأ على الموقع الرسمي
روابط قد تهمك
مؤسسة اشراق العالم خدمات المواقع والمتاجر باك لينكات باقات الباك لينك
اكتشاف المزيد من اشراق العالم 24
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.