عرب حول العالم

كارلوس غصن النجم السوبر في عالم السيارات


يحظى بمكانة النجوم السوبر المرتبطين عادة بمجالات الفن والرياضة، لكنه كسر القاعدة بنجوميته الاقتصادية، يثير الاعجاب بقدراته الكبيرة أينما حل، ملك الحلول الناجعة، وفارس التحديات، توقع المراقبون الاقتصاديون له الفشل الذريع عندما تسلم قيادة شركة نيسان اليابانية لإنتاج السيارات عام 99 ليكسب التحدي وينقذها من شفير الافلاس وليرتقي بالشركة إلى مصاف كبريات شركات السيارات العالمية.
 
أطلقت عليه وسائل الإعلام اليابانية لقب 7/11 في إشارة إلى ساعات العمل الطويلة التي يقضيها في عمله متنقلا بين المكاتب والمصانع والمعامل الا انه يعتبر ان النجاح يعود لعمله بجد واخلاص لكنه لا يرى نفسه مدمنا على العمل.
 
لا يملك خبرات الانقاذ للشركات المتعثرة فقط بل لديه مواهب لا تجارى في القيادة فإذا قرر امرا فجيب أن يوضع القرار عنده حيز التنفيذ فورا. يتحدث العربية والفرنسية والإنجليزية والبرتغالية والايطالية والاسبانية، ويملك شبكة من العلاقات الدولية لم تمنعه رغم صعود نجمه من الاحتفاظ بتواضعه وطبيعته.

اختارته مجلة التايم في المركز الاول بين الـ 25 شخصية الأكثر تأثيرا في العالم واعتبرته مجلة «لونوفيل أوبزرفاتور» الفرنسية من ضمن 200 شخصية تمسك بزمام فرنسا في مجالات الثقافة والسياسة والمجتمع والاقتصاد والإعلام، نال لقب فارس الامبراطورية البريطانية الفخري عام 2006 واهدى اللقب إلى الموظفين الـ 5500 ووكلاء «نيسان» الـ 220 الذين قاموا باعمالهم على أكمل وجه.

سوبر مان السيارات

تترقب الصحافة العالمية دائما تحركات ابن منطقة عجلتون اللبنانية، إذ شهد العام 2007 زيارة لغصن الى الولايات المتحدة، حيث كتبت «نيويورك تايمز» و«وول ستريت جورنال» سلسلة مقالات تحدثت فيها عن التشويش السياسي الذي احدثه قدوم كارلوس الى ديترويت ـ وذلك بهدف بحث تفاصيل عقد الدمج بين شركة «نيسان» اليابانية وشركة «جي ام» الأميركية.

وتخوف شيوخ تلك المنطقة ونوابها منها بسبب امكانية صرف ألوف العمال في حال تمت الصفقة، حيث قام كارلوس غصن بصرف 21 ألف مهندس وعامل ياباني، كمقدمة لانقاذ شركة «نيسان» ووصفت صحف طوكيو تلك الخطوة بأنها عملية جراحية ضرورية لاستئصال مرض الخسارة والنزف.

وتحت عنوان «تعليق وتحليل»، كتبت صحيفة «ذي بيزنس» البريطانية صفحة كاملة مع عنوان مثير يقول: «سوبرمان يعود إلى ديترويت» واشار الرسم المرافق للمقالة إلى صورة كارلوس في ثوب سوبرمان، وقد رفع بين يديه سيارة «جي ام» جنرال موتورز، وألمح الكاتب الى التفوق الاداري الذي يتمتع به والى عملية الانقاذ التي بحثها مع الرئيس التنفيذي للشركة ريك واغونر.

اللحظات الصعبة

يدرك غصن ان النجاح سريع الزوال، وان اية حركة ارتجاعية يمكن ان تكون قاسية، وقال لا يمكن لأحد في عالم صناعة السيارات ان يقول انني اقف على ارض صلبة، انها صناعة تتم فيها استعادة الوضع بسرعة مثلما تتم عمليات السقوط بسرعة، ينبغي على المديرين ان يكونوا يقظين ازاء التغيرات لأن بعضها مهم، واذا ما فهموها خطأ فإن النتائج تكون مروعة بالنسبة الى الشركة.

يتعلم من اي تجربة مر بها مهما كانت نتائجها مرضية أو محزنة، فيقول: حين تمر بلحظة طيبة يكون مفيدا ان تتذكر اللحظات الصعبة، لأن هذا يساعدك على تثبيت قدميك على الأرض، ويقول متابعا: حين تمر بلحظات صعبة يكون مفيدا ان تتذكر لحظات النجاح، لأن هذا يساعدك كي يبقى رأسك فوق الماء.

القوة الاقتصادي

زار وطنه الأم لبنان عام 2007 وشبه وضعه بوضع شركة «نيسان» عندما تسلمها وقال: المشكلة في لبنان ان كل فرد ينحاز إلى فريق سياسي معين، فيما نحتاج إلى أشخاص يفكرون فقط في لبنان، قلت سابقا ان سر وصول اليابان الى ان تكون القوة الاقتصادية الثانية في العالم، تكمن في أن شعبها يركز على طريقة خدمة بلاده، والعمل على تنمية اقتصادها قبل التفكير في أي شيء آخر مهما اختلفت توجهاته السياسية، وهذا ما نحتاج إليه هنا في لبنان، فلكي ينجح بلد معين لا يكفي أن يكون كل فرد من أفراده متعلما ومثقفا وناجحا، بل يجب أن تتوافر النزاهة والتعاضد والعمل الموحد وهذا ما يطبقه اليابانيون، فاليابان بلد فقير من حيث الموارد الطبيعية، فهي لا تملك النفط مثلا وتعاني طفرة سكانية، فضلا عن أنها تصاب بهزة ارضية اسبوعيا، فما سر نجاحها ووصولها إلى أن تكون القوة الاقتصادية الثانية في العالم؟ إنه حس الإرادة والعزم والتزام مصلحة بلادهم. واعتبر غصن أنه يساعد لبنان بطريقته الخاصة عبر مساعدته المدرسة التي درس فيها وكذلك الجامعة.

الانفتاح العربي

يؤمن غصن بالشباب العربي ويرى أنه يتحلى بالانفتاح أكثر من الأجيال السابقة وهو منفتح على عصرنة الاقتصاد، الحلم لديه اساس للتغيير والتطور ولكن يبقى الحلم وهما اذا لم يتم بناؤه على استراتيجية معينة تدخل حيز التنفيذ، لأن التنفيذ عنده هو ما يميز الحلم عن الواقع وما يميز الرابحين عن الخاسرين وما يميز الدول المتطورة عن النامية.

القيام بما هو سهل قاعدة اساسية عنده فالمشاريع الكبيرة، وكذلك الشركات، تهتم كثيرا بعد وضع استراتيجياتها بالتبسيط والتسهيل للتمكن من التنفيذ فتبسيط المهمات أمر أساسي لإنجاح خطة العمل.

ويتحلى غصن بطبع شرقي يعجز عن إخفاء ملامحه ويقول عنه دومينيك ثور احد موظفي المركز الرئيس لشركة نيسان اوروبا: يستقبلك متى أردت لكن حين تدخل مكتبه لا يحق لك إثارة اي موضوع إلا الموضوع الذي جئت من أجله، فالمدير المعجزة لا يحب اضاعة الوقت ومواعيده دقيقة كساعته السويسرية، كما انه يكره المفاجآت.

وإذا اراد التنقل في طوكيو فانه يحدد لسائقه الطريق الاقصر والأكثر أمنا التي سيسلكها في اليوم التالي، اذ لم يحضر غصن يوما عرض الكابوكي الياباني التقليدي لأنه طويل جدا، وهو يفضل الأنشطة الرياضية السريعة على مباريات الغولف الطويلة الأمد.

البريدج والسباحة

العائلة لديه شيء مقدس، فهو يخصص كل العطل الأسبوعية لزوجته ريتا التي تمتلك مطعم «mylebanon» في طوكيو ولأولاده وعندما يكون معهم يحرص على إغلاق هاتفه والابتعاد عن ملفاته لأنه لا يريد لأولاده القول عندما يكبرون: والدنا لم يكن يهتم بنا لأن كل وقته كان مكرسا لعمله.

رغم مشاغله الكثيرة وروتينه الضيق يحرص غصن على ممارسة هواياته وابرزها البريدج التي يلعبها بشغف كبير ويعتبرها لعبة جيدة لإدارة الأعمال، ويقول انها حقا لعبة عالمية والمسألة تتمثل في الدرجة التي تستطيع ان تلعب من خلالها مقابل اي شخص، اذا كان يلعب بالورقة نفسها التي تلعبها ويبدو ان العمل ليس بعيدا عن هذه العقلية، كما يعشق غصن السباحة ويمارس ايضا هوايات أخرى مثل ركوب الدراجة الهوائية وكرة الطاولة والمطالعة خصوصا كتب التاريخ.

رحلة النجاح

ولد غصن في البرازيل وهو ابن رجل اعمال لبناني وام فرنسية، ففي سيرته الذاتية التي كتبها بعنوان «التحول» يظهر غصن كمراقب متحمس تغلبت مواهبه وانضباطه على كل العقبات التي اعترضت طريقه، ولأنه متميز في الرياضيات فقد حصل على قبول في اكثر الجامعات الفرنسية تميزا وهي مدرسة البوليتكنيك في باريس، وانضم الى ميشلان كإداري متدرب واصبح يدير مصنعا في سن السابعة والعشرين، وقام البطريرك فرانسوا ميشلان بترقية غصن بسرعة، لكنه احتفظ بالمنصب الابرز لابنه ادوار الذي هو الآن الرئيس التنفيذي للشركة، وعندما فاتحه شوايتزر في موضوع الانضمام الى رينو بدا غصن متقبلا.

وفي يونيو من عام 1999، سافر غصن الى طوكيو بصحبة 40 من المديرين التنفيذيين في رينو كان عليهم ان يكسبوا المديرين التنفيذيين في نيسان من جانب، وهم الذين كانت معنوياتهم منهارة، ومن جانب آخر كان عليهم اصلاح الشركة بسرعة، فقد خسرت نيسان اموالا على مدى ست من السنوات السبع الماضية، وهبطت حصتها في السوق على مدى 27 عاما متوالية، ووصل اجمالي ديونها الى 20 مليار دولار.

ومع ذلك، نجح غصن في تسوية الامور بسرعة، ويقول غصن: في البداية، اشعت لديهم شعورا بالالحاح من خلال تحديد مواعيد نهائية للتنفيذ، فعندما يكون منزل ما يحترق، لا يمكن القول ان من بداخله صبورون او فاقدو البصر، فهم في موقف يتطلب منهم نوعا من رد الفعل.

واصبح كارلوس غصن في غضون ايام يعرف طبيعة العمل وآلياته في نيسان، واكتشف عشرات الثغرات المكلفة ماليا واداريا، وعمل منذ اللحظات الاولى على سدها.

اول هذه الثغرات اكتشافه ان عملية اتخاذ القرار اما ان تكون بطيئة او متسرعة، وفي الحالتين ينعكس ذلك سلبا على وضعية الشركة، لكن التسرع او التباطؤ في قرارات مثل انزال طرازات جديدة او عدم انزالها قد يكون مصيريا وليس مجرد قرارات تكلف مالا.

الخسائر التي منيت بها الشركة لم تدع ينا واحدا للاستثمار المستقبلي في طرازات جديدة، وهذا يعني ان الشركة قد انتهت من الناحية الفعلية.

زار كارلوس غصن احد مصانع نيسان وبقي فيه طيلة يوم كامل، غير ان سؤالا وجهه الى رئيس المصنع استغرقت الاجابة عنه ساعات من دون فائدة، سأل غصن: كم يكلف انتاج هذه السيارة؟ وبعد بحث بالوثائق والمستندات والنفقات والواردات كان الجواب: لا نعرف بالتحديد، وهنا وضع غصن اصبعه على الجرح، فكيف تبيع نيسان سياراتها من دون معرفة تكلفة السيارات التي تنتجها؟

نجح غصن في تحقيق اهدافه الاساسية بالارتقاء بشركة نيسان، وليصبح احد اكثر الشخصيات شعبية في اليابان لدرجة وصفه بالبطل الذي انقذ نيسان، حيث سمحت وزارة الثقافة اليابانية لدور النشر باصدار منشورات للاطفال تصور كارلوس غصن في رسوم مختلفة متحدثة عنه كبطل لا يقهر، لتكون تلك المرة الاولى في تاريخ اليابان التي تمجد الدولة شخصا غريبا، والسبب ان الشعب يعترف بالجميل لاداري حاذق عرف كيف ينقذ شركة نيسان من الغرق.

كارلوس في الكويت

زار غصن الكويت في يونيو 2005 والتقى خلال زيارته بحشد كبير من الزوار وعملاء نيسان الذين شاركوا في حفل التوقيع الخاص لكتابه الجديد «shift inside nissans historic revival». واثناء جولته بأرجاء نيسان غاليري، كان غصن اول الموقعين على مقدمة سيارة نيسان مورانو والتي اعلن انها ستستخدم ضمن نشاط خيري عالمي لدعم المؤسسات الخيرية في الكويت حيث سيتم ارسال مقدمة السيارة لجمع تواقيع المشاهير والشخصيات الهامة عليها.

وقال غصن بعد توقيعه اننا فخورون بأن ندعم هذا النشاط الخيري واشاد بمجموعة البابطين الرائدة في بناء قاعدة صلبة لعملاء نيسان في الكويت.

إرشادات ونصائح ثمينة من تجربته

– الادارة ليست علما وانما فكر وممارسة ولو كانت علما بحتا لما وصل مجلس ادارة نيسان بخبرائه ومستشاريه الى دين يساوي حجم الشركة مرتين.

– لا داعي للسير خلف الصراعات الادارية في التصنيع والتوزيع والتسويق، يكفي ان تفهم عملك ومشاكلك والبيئة التي تعيش فيها شركتك عندها ستتكشف لك الكثير من الامور، ولا داعي ان نملأ مجالس الادارات بالخبراء والمستشارين، واعمل ما هو مطلوب دون تأخير.

  • – عدم وجودك في الطليعة لا يعني انك في المؤخرة ولا يعني انك فاقد الامل من كل شيء جميل.
  • – حياة الجامعة ليست الا كتابا واحدا في مدرسة الحياة.
  • – لا بأس ان تخطئ احيانا، ما دمت تعمل بجد وهدفك واضحا.
  • – لا توجد مشكلة بلا حل.
  • – اللغة بدون فهم الثقافة لا تعني الا معرفة الكلمات فقط، وهنا لا فرق بينك وبين الببغاء او المترجم الآلي.
  • – في عالم الاعمال يسقط المتسابقون ويظهر غيرهم ولكن السباق لا ينتهي ابدا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى