علي حيدر.. جزار جسر الشغور وذراع حافظ الأسد
اشراق العالم 24 متابعات عالمية عاجلة:
نقدم لكم في اشراق العالم24 خبر “علي حيدر.. جزار جسر الشغور وذراع حافظ الأسد”
ومن اللافت أن أغلبهم كانوا من العلويين، ولئن تقلد الضباط التابعون لطوائف دينية غير علوية مهام عسكرية عليا من حيث الشكل إلا أنهم لم يكونوا في وضع يشكل أي تهديد لحافظ الأسد الذي كان قادرا مع الضباط العلويين هؤلاء على قمع أي بادرة عصيان.
ويضرب فان دام بعض الأمثلة للتدليل على صحة وجهة نظره هذه، فاللواء ناجي جميل -وهو سني من دير الزور- كان يرأس سلاح الجو السوري منذ نوفمبر/تشرين الثاني 1970 حتى مارس/آذار 1978، ورغم ذلك لم يكن في استطاعته استخدام السلاح الجوي بفاعلية في أي عصيان عسكري ضد حافظ، لأن الضباط العلويين كانوا وحدهم المسؤولين عن القواعد الجوية الرئيسية في البلاد.
ومن اللافت أن هذا الأمر ينطبق على الضباط السنة الآخرين، مثل اللواء مصطفى طلاس الذي عيّن وزيرا للدفاع في مارس/آذار 1972، وخلفه فيما بعد اللواء يوسف شكور رئيسا للأركان، وهو مسيحي من الروم الأرثوذكس.
صعود علي حيدر
لقد أحاط حافظ الأسد نفسه بزمرة من الضباط العلويين الكبار منذ انقلاب عام 1966، وكان قد أقصى البعثيين السنة المنافسين له من الساحتين السياسية والعسكرية في البلاد، وعلى رأسهم الرئيس أمين الحافظ، وكانت هذه الزمرة العلوية تحوي أسماء، مثل محمد عمران وصلاح جديد ورفعت الأسد وعلي حيدر وغيرهم.
وبعد تقلده السلطة وانفراده بالمشهد السياسي في البلاد منذ عام 1970 رسّخ الأسد وجود هؤلاء، وكان من أبرز الوجوه علي حيدر الذي تقلد منصب قائد القوات الخاصة واستمر في منصبه هذا لأكثر من ربع قرن.
كان علي حيدر أحد المقربين من حافظ الأسد ممن أودع فيهم ثقته المطلقة لسحق أي معارضة تلوح في الأفق بأي مكان في سوريا، وكان قبل ذلك رفيق دربه وابن طائفته ومحل ثقته الشخصية.
فقد وُلد حافظ الأسد في القرداحة عام 1930، في حين وُلد علي حيدر عام 1932 بإحدى القرى التابعة لجبلة، وكلتاهما كانتا تابعتين لدولة العلويين التي أنشأها الفرنسيون بعد احتلالهم سوريا، وأشارت بعض المصادر إلى أنه كان رفيق طفولة حافظ وأحد أصدقائه المقربين كذلك.
ويبدو أن لهذه العلاقة القديمة أثرها في الدور الذي لعبه علي حيدر فيما بعد وتأثره بحافظ الأسد، فقد انضم مثله إلى حزب البعث مبكرا، وانضم إلى الكلية الحربية في حمص وتخرج فيها ضابطا للمشاة في عام 1952، وسرعان ما فُتح الطريق أمام علي حيدر في الترفيع والترقي بعد انقلاب البعث الأول في مارس/آذار 1963.
لكن ترسخت قدمه في الوظائف العليا بعد انقلاب حافظ الأسد وصلاح جديد عام 1966، فلئن ارتقى حافظ إلى رتبة وزير الدفاع فقد قرر تعيين صديقه علي حيدر في منصب قائد القوات الخاصة السورية عام 1968، وذلك بعدما أهّله لهذا المنصب من خلال تلقيه تدريبات في أكاديمية القوات المحمولة جوا في الاتحاد السوفياتي.
ونظير هذا الدعم من حافظ لصديقه حيدر قرر الأخير الوقوف مع الأسد فيما سميت الحركة التصحيحية أو انقلاب نوفمبر/تشرين الثاني 1970 الذي أطاح فيه الأسد بصلاح جديد ونور الدين الأتاسي وألقاهما في السجن.
ومن خلال علي حيدر ورفعت الأسد وغيرهما من كبار الضباط العلويين الموالين له رسخ حافظ سلطته السياسية والعسكرية في البلاد، بل استعان الأسد بحيدر في السيطرة على الطائفة العلوية ذاتها، ونظير هذه المكانة ارتفعت منزلة القوات الخاصة وزاد عدد المنتسبين إليها تحت قيادة علي حيدر لتبلغ قرابة الـ25 ألف جندي وضابط.
كما شكلت جزءا أساسيا من الأجهزة الأمنية والعسكرية في البلاد، وتم تدريب هذه القوات على مختلف أنواع التدريبات العسكرية القاسية، مثل المظلات والعمليات المضادة للدبابات وحرب القناصة، وكانت قوات رفعت الأسد المعروفة بـ”سرايا الدفاع” تفوقها من حيث العدد والقوات المجنزرة والثقيلة، وهي أهم الفرق العسكرية التي كان يأمن إليها حافظ الأسد ربما أكثر من الجيش نفسه.
كانت لعلي حيدر والقوات الخاصة التي يرأسها أدوار دموية لا تخفى في التاريخ السوري زمن البعث، فقد كان أحد الجزارين الذين أوكل إليهم الأسد المهام القاسية في سحق وإبادة المعارضين، بل وعامة الناس، فقد ظهر هذا الدور في مدينة جسر الشغور التابعة لمحافظة إدلب شمال شرقي سوريا.
مجزرة جسر الشغور
ففي 10 مارس/آذار 1980 خرجت مظاهرة طلابية من طلاب المدرسة الثانوية في المدينة وانضم إليهم عدد كبير من السكان المحليين، وجابت المظاهرة الشارع الرئيسي، وردد المشاركون شعارات مناهضة لنظام الأسد، واستهدفت المظاهرة المؤسسة الاستهلاكية التي كانت تعد رمزا للجوع والحرمان في ظل نظام الأسد، كما هاجم المتظاهرون مكتب حزب البعث، مما دفع عناصر الحزب إلى الفرار من مكاتبهم.
وفي تلك الليلة وصلت إلى المدينة أكثر من 25 طائرة مروحية تقل جنودا من القوات الخاصة بقيادة العميد علي حيدر، ونزلت الطائرات في مواقع إستراتيجية حول المدينة، منها معمل السكر والمدرسة الثانوية وطريق حمام الشيخ عيسى وساحة البريد ومحطة القطار، وذلك لفرض حصار مشدد على المدينة من جميع الاتجاهات، كما تم فرض حظر تجول صارم، وعلى الفور أعطى علي حيدر قواته أمرا بقصف المدينة بالمدفعية.
ثم باشرت الوحدات الخاصة التابعة له بقتل كل من تصادف وجوده في الشوارع دون تمييز أو تحقيق، مما أسفر عن سقوط نحو 50 قتيلا، وأقدمت القوات على إحراق ما يقارب 30 متجرا بعد نهب محتوياتها، بما في ذلك متاجر الذهب والأقمشة والأدوات الكهربائية.
ثم بدأت الكتيبة الأولى الخاصة بذبح العشرات من المدنيين من أهالي جسر الشغور، وفي الوقت نفسه اعتقلت كتيبة أخرى الرجال من منازلهم وجمعتهم في المقرات التي تمركزت فيها حول المدينة، وهناك تعرّض المعتقلون لأبشع أنواع التعذيب، كما شنت قوات علي حيدر حملة لاعتقال طلاب الجامعات، وأعدمت 15 طالبا ميدانيا دون تحقيق.
وقد روى أحد شهود العيان قائلا “كنت حينها طفلا صغيرا، وشاهدت بعيني عشرات الحافلات تتجمع عند مبنى البريد بعد أن تم جمع عشرات الرجال من المدينة، رأيتهم يتعرضون للتعذيب، قبل أن يُقتلوا بالرصاص، إذ شاهدت أكثر من 30 رجلا يتم إعدامهم أمامي، كما رأيت جثث النساء، ولا يمكن أن أنسى ذلك اليوم ما دمت حيا، ولا كيف نُقلت الجثث باستخدام الجرافات إلى خارج المدينة”، فدفنوهم في مقابر جماعية.
وبعد عمليات التحقيق الأولية والتعذيب تم نقل الرجال ممن لم يُقتلوا مقيدين إلى مدينة إدلب، وفي اليوم الثالث اتجهت الوحدات الخاصة بطائراتها العمودية إلى القرى المحيطة بجسر الشغور، مثل الجانودية، وزرزور، والحمامة، والشغر، وخربة الجوز، وبكسريا، وارتكبت مجازر جديدة قتلت فيها العشرات من أبناء تلك القرى.
التفاني في خدمة حافظ
ولم يتوقف دور علي حيدر عند هذا الحد، بل كان يعد أبرز الوجوه العسكرية السورية التي تدخلت في الحرب الأهلية اللبنانية بتفويض من حافظ الأسد، ليس لفض النزاع بين اللبنانيين أو حماية دولتهم من التدخل الإسرائيلي الذي تم في عامي 1978 و1982، بل كانت مهمة علي حيدر الأساسية مواجهة منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات في طرابلس اللبنانية وتقويض قوتها والقضاء عليها بكل الطرق العسكرية، بحسب ما يذكره المؤرخ سامي المبيض في كتابه “الفولاذ والحرير.. الرجال والنساء الذين صنعوا سوريا بين 1900 و2000”.
وكان لعلي حيدر دور دموي آخر في مجزرة حماة وتدميرها والمشاركة في قتل ما يقارب 40 ألف سوري في هذه المدينة التي ثار جزء منها بقيادة مروان حديد الذي أراد التخلص بالمقاومة المسلحة من سلطة الأسد الذي كان قد سام السوريين سوء العذاب.
ووفقا لباتريك سيل في كتابه “الأسد.. الصراع على الشرق الأوسط”، فإن “كل مظلي كان تابعا لعلي حيدر أُرسل إلى حماة قيل له إنه هذه المرة يجب القضاء على “التشدد الإسلامي” مهما كانت التكلفة”.
وكان لهذا العنف الدموي لعلي حيدر بجانب رفعت الأسد والجيش السوري الموالي لحافظ السبب الأبرز في مجزرة حماة وتدمير المدينة.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1983تعرّض حافظ الأسد لأزمة قلبية حادة أدت إلى دخوله العناية المركزة وبقائه في المشفى لأشهر عدة وغيابه عن الساحة السياسة، الأمر الذي دفع رفعت الأسد إلى البدء بالتخطيط لانقلاب يهدف إلى السيطرة على الرئاسة.
وعلى الرغم من العلاقة الوثيقة بين رفعت الأسد وعلي حيدر فإن الأخير رفض بشدة طلب رفعت دعمه في تنفيذ الانقلاب على حافظ، ونُقل عن حيدر قوله “أنا لا أعترف بأي قائد للدولة سوى حافظ الأسد، كل ما أملكه من قوة وهيبة هو بفضل هذا الرجل، أنا جندي في خدمته وعبد لأوامره، طالما بقيت على قيد الحياة سأظل تحت إمرته ولن أحيد عنها أبدا”.
وقد عزز هذا الموقف المفصلي شأن ومكانة علي حيدر في نظر حافظ الأسد وجعله موضع ثقته ومحل رعايته، وفي مارس/آذار 1984 حاول رفعت تنفيذ مخططه للانقلاب، حيث نشرت سرايا الدفاع التي كان يقودها نقاط تفتيش وحواجز طرق في أنحاء دمشق، واحتلت بالقوة مباني حكومية ومراكز شرطة، ونزعت أسلحة قوات الشرطة، بل وحاولت اختراق مقر وزارة الدفاع.
وردا على هذه المحاولة الانقلابية نشر علي حيدر قواته الخاصة لمواجهة سرايا الدفاع في شوارع دمشق، واستخدمت القوات الخاصة صواريخ مضادة للدبابات لمواجهة دبابات “تي-72” التابعة لرفعت، والتي كانت تهدد المباني الحكومية، كما أصدر حيدر أوامر لفصائل القناصة بالتمركز في مواقع إستراتيجية عبر عمليات إنزال مظلي أو باستخدام طائرات مروحية.
وانتشرت هذه الفصائل حول مساكن قادة سرايا الدفاع لإرهابهم نفسيا، كما حاصرت قواعد حيوية مثل قاعدة المزة الجوية بدمشق وبعض منشآت سرايا الدفاع.
وفي نهاية المطاف تم تجنب اندلاع حرب أهلية بفضل قوة حافظ الأسد العسكرية التي تمثلت في سيطرته المطلقة على الجيش والقوات الخاصة وقوات الحرس الجمهوري مقابل اضمحلال قوة سرايا الدفاع بقيادة رفعت، وفي نهاية الأمر قرر استرضاء رفعت عبر تعيينه نائبا للرئيس، قبل أن يرسله إلى المنفى، واضعا نهاية لمحاولة الانقلاب.
الاعتقال والنهاية
بقي اللواء علي حيدر على رأس منصبه قائدا للقوات الخاصة السورية حتى أقيل رسميا في 3 أغسطس/آب 1994، ولم يكتف حافظ الأسد بإقالته، بل قرر القبض عليه وسجنه، حيث زُعم أن حيدر اعتُقل لعدم التزامه بأوامر عسكرية.
لكن مصادر تابعة لجريدة الحياة رجحت وقتها أن السبب الحقيقي للاعتقال يعود إلى انتقادات وجهها علي حيدر إلى حافظ الأسد بشأن استدعاء ابنه بشار من لندن، لإعداده لخلافة والده في حكم سوريا بعد وفاة باسل شقيق بشار بحادث سيارة في ذلك العام.
وقد كانت معارضة علي حيدر فكرة حصر الخلافة داخل عائلة الأسد سببا لإقالته وسجنه، ولكن المؤرخ نيكولاس فان دام يشير في كتابه “الصراع على السلطة في سوريا” إلى سبب آخر، إذ يقال إن أحد الأسباب الأخرى لاعتقال علي حيدر كان انتهاكه الصريح للمحظورات الطائفية.
ففي أحد اجتماعات كبار الضباط برئاسة رئيس الأركان العماد حكمت الشهابي -الذي كان يعتزم مناقشة سيناريو لتحقيق الأمن الإقليمي عقب اتفاقية سلام محتملة مع إسرائيل- اعترض علي حيدر قائلا “نحن مؤسسو النظام (في إشارة إلى العلويين)، لا نريد فقط مناقشة خطط الطوارئ، بل نطالب بأن يكون لنا رأي في عملية السلام نفسها”.
ورغم أن جميع الضباط الحاضرين -ومن بينهم عدد كبير من العلويين- كانوا يدركون تماما الدور المحوري الذي يلعبه العلويون داخل النظام فإن التحدث عن هذا الدور علنا أو الإشارة إليه بشكل مباشر كان من المحظورات الصارمة.
وبالإضافة إلى ذلك، يمكن تفسير ملاحظات حيدر على أنها انتقاد غير مباشر للنهج الذي كان حافظ الأسد يتبعه في مفاوضات السلام مع إسرائيل.
ويبدو أن عملية اعتقال حيدر وسجنه في عام 1994 جاءت ضمن سياق أوسع لإعادة هيكلة الجيش السوري، إذ استهدف حافظ كذلك إزاحة القادة العسكريين العلويين ذوي النفوذ الكبير والقديم، لتمهيد الطريق أمام انتقال السلطة إلى ابنه بشار فيما بعد.
ووردت تقارير تفيد بأن اعتقال حيدر تزامن مع حملة استهدفت أيضا شخصيات علوية بارزة في الدولة، إما لدعمها حيدر أو لتشاركها مواقفه المعارضة لخطط الخلافة.
وقد اُستعيض عن علي حيدر باللواء علي حبيب، وهو ضابط علوي أيضا كان ينحدر من منطقة صافيتا، وكان حبيب قد شغل سابقا منصب قائد الفرقة السابعة آليات، وقاد القوات السورية في حرب الخليج عام 1991.
وقد نقلت صحيفة “كريستيان ساينس مونيتور” وقتئذ عن بعض المحللين العسكريين أن اختيار حبيب جاء نتيجة ولائه المطلق لحافظ الأسد خلال حرب الخليج، فضلا عن التزامه الطويل بالخط الأيديولوجي البعثي في مواجهة ما وصفوها بالإمبريالية الغربية.
ورغم اعتقال حيدر فإنه لم يقدَّم للمحاكمة أو يُشهّر به علنا، بل عومل معاملة جيدة خلال فترة اعتقاله القصيرة، قبل أن يطلق سراحه ويحال إلى التقاعد.
وعلى الرغم من تهميشه فإن حيدر ظل شخصية بارزة في حزب البعث السوري والجيش حتى وفاة حافظ الأسد في عام 2000.
ولاحقا، توفي علي حيدر أحد أبرز جزاري سوريا في حقبة حافظ الأسد في 5 أغسطس/آب 2022 عن عمر ناهز الـ90 عاما بعد حياة حافلة باستهداف الشعب السوري.
الجدير بالذكر أن خبر “علي حيدر.. جزار جسر الشغور وذراع حافظ الأسد” تم نقله واقتباسه والتعديل عليه من قبل فريق اشراق العالم 24 والمصدر الأصلي هو المعني بما ورد في الخبر.
اشترك في نشرة اشراق العالم24 الإخبارية
الخبر لحظة بلحظة
اشرق مع العالم
اقرأ على الموقع الرسمي
روابط قد تهمك
مؤسسة اشراق العالم خدمات المواقع والمتاجر باك لينكات باقات الباك لينك
اكتشاف المزيد من اشراق العالم 24
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.