أكرم محمد يكتب: “سكون لم يعد أليفًا” مراوغات عديدة لحيوات متشابهة
اشراق العالم 24 متابعات ثقافية:
مقتفيًا الموت بالنص الافتتاحي لمجموعته القصصية الأولى “سكون لم يعد أليفا”، الصادرة حديثاً عن دار “تنوين”، يمارس كيرلس هاني فعل الشاعرية على مستويين أولهم البنية الدرامية، تلك المادة بالنص الأول، الموت، وثانيهم الشاعرية المعتادة من لغة النص، المستوى الأول تتلوه شاعرية خاصة، الراوي، رفيقة الموت، المتطوعة المعطلة تطرح مستوى آخر لتلك الشاعرية، لا يزال بكنف البنية الدرامية، هي تلك الراوية، حيث رفيقة الموت هي منظور البناء الدرامي لشاعرية الموت.
كذلك يمارس النص ما يشبه المراوغة الفنية، تلك التي سيمارسها بدوره على طول الكتاب، فيجتر من “مادة” النص، كنص يقدم عزاء لرفيقة موت معطلة كحياة رفاقها، شخص يقرر اعتزال مهنته أخيرا وتأمل حياته، ثنائية الحياة/الموت، بالأحرى متوالية الحياة/الموت، يجتر ذلك النص الافتتاحي، “رفيقة” الموت من الحياة، حيث حيوات عديدة معطلة بفعل الموت أو المرض، معظم قدرة النحات طارق الرفيق الأخير للراوية على ممارسة فنه، ما يعتبره موتًا مبكراً يستدعي الانتحار، كذلك اجترار الحياة من الموت بفعل الحكاية والفن، فيخرم من تصورات الموت ومتوالياته اعترافات حياتية بلعبة يمارسها طارق مع رفيقته، كذلك تذكر الراوية لحياتها مع تقاعدها عن العمل، أيضًا فعل الحياة بصور الموتى التي تضعها الراوية لهم، تقارن بين ثنائية الموت/الحياة، التي، يا للعجب، تصبح متساوية، فيكون لها عشرة مقبورين وعشرة نجحت في مساعدتهم لاستكمال حياتهم، كذلك يمارس النص الترميز لبناء شخوصه ومادتهم، فعند تقديم منزل طارق، الفنان المعطل، يقدمه كبيت عاطب، ملئ بالأنتيكات القديمة، كترميز للموت، الذي يمارس منه النص فعل الحياة والروحي فيما بعد.. تلك المراوغة والأحجية الفنية، التي ستصبح سنة الكتاب فيما بعد، يؤكدها النص ويؤكد الكاتب أطروحته تلك بنص آخر بعنوان “جثة بعش البوم”، ذلك النص الذي يقدم، بالتكثيف القصصي المعتاد لنصوص كيرلس هاني بكتابه الأحدث، حياة السيد راغب، الذي يُذكَر للمرة الأولى بافتتاحية النص الأول بالمجموعة “رفقة”، ذلك الذي يلعب دورًا مؤثرًا من الهامش، وكأن تهميشه، ذاته، ثم تحوله لما يشبه المركزية بنص آخر، بُعْد سردي آخر، يمنح هذه النصوص شاعريتها، فتلك الشخصية، السيد راغب، هي من تؤسس لشاعرية النص الأول، وبدورها لمفهوم الشاعرية بالنص، وبتلك الشخصية، أيضًا، ينتصر النص للهامش، بمنحه تلك المركزية، واستخدامه في مراوغة وأحجية فنية تقدم عزاءً، ولو رمزي، للهامش بتقديم عزاء لمهمش هو السيد راغب متولي شفيق، وبتقديم شخصية راغب متولي شفيق في نص آخر بشكل أكثر مركزية، تهرب “المجموعة القصصية” من التصنيف، بتحولها لمعالجة حتمية للحيوات، ربما رواية، متوالية قصصية، أو حتى قصة طويلة وحيدة، لكنها، حتمًا، وبما يشبه تصنيفها القصصي، معالجات حتمية للحيوات، معالجات تعطي فعل الحكي، كنائب عن الفن، المركزية والبطولة المتفردة، ذلك الحكي الذي يعيد بناء الهامش كمركز، على طول الكتاب، مانحًا شخوصه المهمشين بأشكال مختلفة، أصحاب الندوب الملموسة أحيانًا وأصحاب الندوب بشكل عام الصوت السردي لمراوغات فنية ينتصروا بها على ندوبهم، وعلى المركز الذي همشهم محتجًا بتلك الندوب، المركز الدين أحيانا والطبقي أحيان أخرى والهوية والموت كمعمقين لتلك الندوب الإنسانية بأغلب الأحيان.
تنفي النصوص ذواتها، تعطي الفن، ممثلاً في فعل الحكي الخالص، والبنية الدلالية دور البطولة الوحيدة، وتنفي دور السردية الموحدة، حيث كل النصوص لها بنية وصوت ضمني ومستوى سردي مختلف، فالشاعرية التي طغت على النص الافتتاحي “رفيقة” سرعان ما تتحول لمشهدية وكتابة سينمائية مشوبة ببنية مسرحية تحاكي البناء الدرامي بالقصة القصيرة الثانية بالمجموعة القصصية “تيسير محبوسة”، حيث المسرح فضاء مكاني وبناء للسردية المختلفة عن سابقتها، كأنها تنفيذها وتعطي البطولة الحكي والبعد الدلالي وحدهم، العنصران اللذان يقدمان تعريفًا خاصًا لمفهوم الفن، من تلك النقطة حيث ممارسته وتعريفه، وهو ما يمارسه القاص بالنص التالي “رسالة شكر”، فيعيد بناء مفهوم الفن، متصورًا الفنان محاصر بثلاثية، علاقته بالمجتمع وفنه وذاته، وهو ما يقوم به التعرية، حيث يعري البطل، الرسام، ذاته بكشف كرهه للنظر للمرآة لكره وجهه البهاقي، هويته، بيد أن النص، ذاته، يمارس فعل التعرية، فيعري نفسه، بهذه الطريقة المعتادة للأحجيات الفنية، بذلك النص، رسالة شكر، تصبح هناك أحجية فنية بين فن الروي والقصة القصيرة والرسم، لتضع النص داخل إطاره، قائلة أن البطل ترك رسالة أخيرة، ليكتبها كاتب ما، فنان، بمجموعة قصصية، هنا الفن يصبح بطل، والأحجية تصبح وسيلته الوحيدة.
سكون لم يعد أليفًا
روابط قد تهمك
مؤسسة اشراق العالم خدمات المواقع والمتاجر باك لينكات باقات الباك لينك
اكتشاف المزيد من اشراق العالم 24
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.