هزيمة الدعم السريع في "ود مدني".. هل اقتربت النهاية؟
اشراق العالم 24 متابعات عالمية عاجلة:
نقدم لكم في اشراق العالم24 خبر “هزيمة الدعم السريع في "ود مدني".. هل اقتربت النهاية؟”
في لحظة تاريخية فارقة، نجح الجيش السوداني في تحقيق انتصار جديد على قوات الدعم السريع السبت 11 يناير/ كانون الثاني 2025، بإحكام سيطرته على مدينة ود مدني، ثاني أكبر المدن السودانية وعاصمة ولاية الجزيرة وسط البلاد، وأقرب المدن للعاصمة الخرطوم.
هذا التقدم العسكري ليس مجرد نصر ميداني، بل يمثل تحولًا إستراتيجيًا في مسار الصراع الدائر وانتهاء الحرب لصالح صيانة الدولة الوطنية، ودليلًا على كفاءة الجيش السوداني وقدرته على استعادة زمام المبادرة في مواجهة واحدة من أخطر التحديات التي تهدد وحدة البلاد واستقرارها.
وليست ود مدني، بموقعها الجغرافي الحيوي وأهميتها الاقتصادية والاجتماعية، مجرد مدينة؛ فهي رمز للصمود والإرادة الوطنية، مما يجعل تحريرها من قبضة القوة المتمردة إنجازًا له أبعاد عميقة، تتجاوز حدود المعركة إلى التأثير على توازن القوى على المستوى الوطني.
لم يكن انتصار الجيش في هذه المدينة الإستراتيجية مجرد حدث عسكري معزول، بل رافقته احتفالات عفوية اجتاحت مختلف مدن السودان، حيث خرجت جموع الشعب السوداني تعبيرًا عن فرحتها الصادقة بهذا الإنجاز، مما يعكس بوضوح الالتفاف الشعبي حول الجيش باعتباره الحامي الأول للوطن ووحدته.
تشير أحدث الإحصاءات المتعلقة بالحرب في السودان إلى أن التقديرات بشأن عدد القتلى المدنيين منذ اندلاع الصراع في أبريل/ نيسان 2023 يُقدَّر بنحو 150.000 شخص وفقًا لمنظمة “جينوسايد ووتش”. فيما أفادت المنظمة الدولية للهجرة بأن النزاع أدى إلى نزوح نحو 10.7 ملايين شخص، منهم 9 ملايين نزحوا داخليًا، بينما فرَّ 1.7 مليون إلى دول مجاورة. كما أدت هذه الحرب إلى خسائر اقتصادية ضخمة، بما في ذلك انهيار شبه كامل لاقتصاد البلاد؛ نتيجة توقف الإنتاج، والخدمات.
الجيش.. التاريخ والدور الوطني
ظلّ الجيش السوداني منذ تأسيسه عام 1925 واحدًا من أهم دعائم الدولة الوطنية الحديثة في السودان، وممثلًا للقيم العليا للوحدة والسيادة الوطنية. كما لعب أدوارًا مهمة في حفظ السلام والاستقرار عبر مشاركاته ضمن قوات الردع العربية في لبنان، ما يؤكد مكانته كأحد الجيوش الأفريقية والعربية ذات السمعة العالية. هذه السمات جعلت منه ليس فقط حاميًا للحدود، بل أيضًا للمشروع الوطني السوداني في أوقات الأزمات.
في خضم الصراعات السياسية التي أعقبت سقوط نظام البشير عام 2019، واجه الجيش السوداني تحديات غير مسبوقة، تمثلت في محاولات بعض الأطراف المدنية التدخل في شؤونه الداخلية، من قرارات الإعفاء والترقيات، إلى رفع شعارات تحريضية ضد المؤسسة العسكرية خلال التظاهرات.
هذه التدخلات ليست فقط مخالفة للوثيقة الدستورية التي منحت الجيش استقلالية تامة في شؤونه، لكنها أيضًا تهديد مباشر لواحدة من أهم ركائز الوحدة الوطنية. ولضمان مستقبل مستقر، لا بد من احترام استقلالية الجيش وتجنيبه صراعات القوى السياسية، مع العمل على تحقيق شراكة حقيقية بين كافة المكونات الوطنية لبناء سودان قوي وموحد.
الجيش والدعم السريع.. صراع المصير
يتجلى الفارق بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في العديد من الجوانب، بدءًا من العقيدة القتالية وانتهاءً بالهيكل التنظيمي، وهو ما يُفسر تماسك الجيش وقدرته على الصمود، مقابل الطبيعة الهشة والانتهازية للدعم السريع.
فالجيش السوداني يعتمد على عقيدة قتالية وطنية متجذرة في تاريخ طويل من الدفاع عن سيادة السودان ووحدته. هذه العقيدة تقوم على الولاء للدولة ومؤسساتها، مما يضمن التزام الجنود بالمهام العسكرية وفق قيم الانضباط والتضحية.
وقد أثبت الجيش السوداني قدرته على القتال في ظروف شديدة التعقيد، مستمدًا قوته من إرثه الوطني، وتقاليد صارمة تُعزز روح الفريق والانتماء للمؤسسة.
على النقيض، تفتقر قوات الدعم السريع إلى عقيدة قتالية راسخة. إذ تأسست كقوة غير نظامية قائمة على الولاء الشخصي والارتباط القبلي، وليس الولاء للوطن. وتُعرف العقيدة القتالية للدعم السريع بالانتهازية، حيث تعتمد بشكل كبير على الغنائم، واستغلال الفوضى، والتكتيكات غير التقليدية التي تتسم غالبًا بالعنف المفرط ضد المدنيين. هذه الطبيعة تجعل قوات الدعم السريع تفتقر إلى الاستدامة في القتال أمام قوة منظمة كالجيش السوداني العريق.
ويتمتع الجيش السوداني بهيكل تنظيمي متين قائم على التراتبية الواضحة، التي تحدد الأدوار والمسؤوليات داخل المؤسسة العسكرية. وهو يُدار وفق نظم صارمة في التدريب والتخطيط الإستراتيجي، مع التزام كامل بقوانين الحرب الدولية. هذا الانضباط يجعل الجيش أكثر قدرة على التكيف مع مختلف التحديات، كما يُعزز من استمرارية العمليات العسكرية حتى في أحلك الظروف.
في مقابل ذلك تفتقر الدعم السريع إلى البنية التنظيمية المتماسكة. فهي تعتمد على هيكل هرمي مبني حول قائد واحد، ما يجعلها عرضة للتفكك بمجرد غياب هذا القائد. تعمل تلك القوات وفق آليات غير رسمية وغير منضبطة، مما يؤدي إلى ضعف التنسيق الداخلي وانعدام التخطيط طويل الأمد. إضافة إلى ذلك، فإن اعتمادها على المجندين من خلفيات غير عسكرية، غالبًا بدافع الحاجة المادية أو الولاء القبلي، يضعف من جاهزيتها وقدرتها على تنفيذ عمليات عسكرية معقدة.
ويخضع أفراد الجيش السوداني لتدريبات متقدمة وفق معايير عسكرية دولية، مع توفير أسلحة نوعية تناسب العمليات القتالية المتعددة. فالتدريب المكثف يخلق أفرادًا لديهم كفاءة عالية في استخدام الأسلحة الحديثة والتعامل مع المواقف القتالية المتنوعة.
بينما تفتقر الدعم السريع إلى تدريب منهجي محترف، وتعتمد على التجنيد العشوائي الذي غالبًا لا يُراعي معايير الكفاءة. تسليحها، رغم أنه متنوع ويشمل أسلحة حديثة، إلا أنه يُستخدم غالبًا بشكل غير منظم أو مدروس، مما يجعلها غير فعالة في العمليات العسكرية المنظمة.
كما يعمل الجيش السوداني ضمن إطار أهداف وطنية واضحة، تشمل الدفاع عن حدود البلاد وحماية سيادتها واستقرارها. هذا الالتزام يجعل الجيش يتمتع بشرعية شعبية واسعة تدعم جهوده العسكرية. بينما تتمحور أهداف الدعم السريع حول تحقيق مصالح قيادتها والسيطرة على الموارد والمناطق الإستراتيجية. عدم ارتباطها بمشروع وطني جامع يفقدها أي شرعية شعبية، ويضعها في مواجهة مباشرة مع المجتمع السوداني.
البعد الإستراتيجي للانتصار
سيطرة الجيش السوداني على ود مدني جاءت نتيجة لتخطيط إستراتيجي محكم قائم على فهم دقيق لطبيعة الأرض، وتوزيع قوات الدعم السريع، مما مكنه من استغلال نقاط ضعفها بشكل فعال.
كما لعبت المقاومة الشعبية من سكان المدينة دورًا مهمًا في نجاح العمليات، حيث قدم الأهالي معلومات استخباراتية وسهّلوا التحركات العسكرية، الأمر الذي عزز من قدرة الجيش على التقدم.
إلى جانب ذلك، أظهر الجيش تفوقًا في التنظيم والتنسيق بين وحداته المختلفة، وهو ما افتقرت إليه قوات الدعم السريع التي بدت منهكة ومشتتة؛ بسبب المعارك الممتدة. ساعدت هذه الفجوة التنظيمية، الجيش في إحكام سيطرته واستغلال الإرهاق النفسي والمعنوي الذي تعاني منه الدعم السريع بعد سلسلة من الهزائم الميدانية.
أما أهمية ود مدني، فتبرز من موقعها الجغرافي المميز في قلب السودان، حيث تمثل حلقة وصل بين الخرطوم وبقية ولايات البلاد، مما يجعل السيطرة عليها تأمينًا لخطوط الإمداد الحيوية، وممرًا إستراتيجيًا نحو مناطق الجنوب والشرق.
المدينة ذات ثقل اقتصادي كبير، كونها عاصمة ولاية الجزيرة، ومركزًا لمشروع الجزيرة الزراعي، ما يُتيح للجيش تأمين الموارد الغذائية والمائية والاستفادة من البنية التحتية كشبكة الطرق الرئيسية لتمركز القوات، وإعادة توزيعها نحو جبهات أخرى.
كما تكتسب ود مدني كذلك رمزية سياسية واجتماعية كبيرة نظرًا لثقلها السكاني ودورها التاريخي، ما يضيف بعدًا معنويًا لسيطرة الجيش عليها، ويُظهر قدرته على استعادة المدن الكبرى من قبضة المليشيات.
هذه السيطرة تُهيئ المدينة لتكون قاعدة انطلاق نحو مناطق إستراتيجية أخرى، مثل القضارف وسنار، مما يعزز التوسع العسكري، ويفرض مزيدًا من الحصار على الدعم السريع، في خطوة قد تكون حاسمة لتأمين كامل البلاد.
قراءة مظاهر الفرح الشعبي
فور دخول طلائع الجيش ود مدني صباح السبت اندلعت احتفالات عفوية في مختلف المدن السودانية، حيث عمت مشاعر الفرح والفخر الأرجاء، لتتحول الشوارع إلى ساحات احتفاء بالإنجاز الوطني.
تعالت الأناشيد الوطنية والهتافات التي تشيد بانتصارات الجيش وتحيي صموده، بينما علت الأعلام السودانية لتزين الأحياء والساحات، في مشهد يعكس وحدة الشعب والتفافه حول مؤسسته العسكرية باعتبارها رمزًا للوطنية والكرامة.
لم تكن هذه الاحتفالات مجرد تعبير عن فرح لحظي، بل رسالة شعبية واضحة تجسد ثقة المجتمع في الجيش كحامٍ للسيادة الوطنية، ورفضًا قاطعًا لوجود قوات الدعم السريع التي باتت معزولة اجتماعيًا بعد جرائمها وانتهاكاتها.
الشعب السوداني، الذي عانى ويلات الحرب والدمار، وجد في انتصارات الجيش بارقة أمل لاستعادة الأمن والاستقرار. إن الهتافات والشعارات التي رددها المحتفلون عبّرت عن وحدة الموقف الشعبي، إذ شددت على أن الجيش يمثل إرادة الوطن بأكمله، وليس مجرد مؤسسة عسكرية.
ووسط أصوات الطبول والتصفيق، بدت رسالة الشعب واضحة: السودان باقٍ بتماسك جيشه والتفاف أبنائه حول قيم الوحدة والصمود في وجه كل من يهدد أمنه وسلامه. وتمثل هذه الاحتفالات مؤشرات داخلية وخارجية:
- داخليًا توحيد الصف الوطني عبر إحياء الروح الوطنية المشتركة بين السودانيين. والتأكيد على أن النصر في ود مدني ليس نصرًا عسكريًا فقط، بل أيضًا انتصارًا للأمل في مستقبل أفضل. كما تعكس أن الشعب مستعد لتحمل المصاعب دعمًا للجيش حتى تحقيق الحسم الكامل.
- خارجيًا؛ تعتبر رسالة للعالم بأن الجيش يحظى بدعم شعبي واسع، مما يعزز شرعيته أمام الأطراف الإقليمية والدولية. مما يزيد من احتمالات إعادة تقييم الأطراف الدولية لأدوار الفاعلين في هذا الصراع.
تحديات ما بعد التحرير
على الرغم من أهمية الانتصار الذي حققه الجيش السوداني في مدينة ود مدني، فإن المرحلة القادمة تحمل في طياتها تحديات كبيرة تتطلب التعامل معها بحذر وحكمة.
من أبرز هذه التحديات قدرة الجيش على الاحتفاظ بالمدينة وتأمينها، في ظل التهديدات المستمرة التي قد تشكلها فلول الدعم السريع، خاصة عبر تكتيكات الكر والفر. تأمين المدينة يتطلب جهدًا عسكريًا مكثفًا، إلى جانب تعزيز ثقة السكان المحليين من خلال بسط الأمن وإعادة الخدمات الأساسية.
بالإضافة إلى التحديات الأمنية، تبرز الحاجة الملحة للتعامل مع الأوضاع الإنسانية المتدهورة التي خلفتها الحرب. آلاف الأسر تعاني من النزوح وفقدان سبل العيش، ما يستدعي جهدًا جماعيًا من الحكومة والمجتمع الدولي لتقديم المساعدات الإنسانية، وإعادة تأهيل البنية التحتية التي دمرها الصراع. معالجة هذه القضايا الإنسانية تشكل خطوة أساسية في تعزيز استقرار المناطق المحررة، وكسب دعم السكان المحليين.
لكن التحدي الأكبر يكمن في الانتقال من الانتصار العسكري إلى بناء سلام دائم وشامل. فالحرب مهما طالت لا يمكن أن تحل محل الحلول السياسية التي تضع نهاية جذرية للصراع وتعيد للسودان وحدته وسيادته. يتحمل الجيش، بوصفه رمزًا للسيادة الوطنية، مسؤولية دعم المبادرات السياسية التي تسعى لتوحيد السودانيين وإنهاء الانقسامات.
ختامًا، لا بد من دعوة جميع الأطراف إلى الانخراط في مسار سياسي حقيقي ينهي الصراع المسلح، ويؤسس لدولة مدنية ديمقراطية تضمن السيادة والوحدة، وتُخرج السودان من دوامة الحرب إلى آفاق جديدة من التنمية والسلام. هذا الطموح لن يتحقق إلا بتكاتف السودانيين جميعًا، وإعلاء مصلحة الوطن فوق كل الاعتبارات الأخرى.
الجدير بالذكر أن خبر “هزيمة الدعم السريع في "ود مدني".. هل اقتربت النهاية؟” تم نقله واقتباسه والتعديل عليه من قبل فريق اشراق العالم 24 والمصدر الأصلي هو المعني بما ورد في الخبر.
اشترك في نشرة اشراق العالم24 الإخبارية
الخبر لحظة بلحظة
اشرق مع العالم
اقرأ على الموقع الرسمي
روابط قد تهمك
مؤسسة اشراق العالم خدمات المواقع والمتاجر باك لينكات باقات الباك لينك
اكتشاف المزيد من اشراق العالم 24
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.