عاجل الآن

الجواري والموسيقى.. وجهان لثراء الحياة في قصور الخلافة العباسية

اشراق العالم 24 متابعات عالمية عاجلة:

نقدم لكم في اشراق العالم24 خبر “الجواري والموسيقى.. وجهان لثراء الحياة في قصور الخلافة العباسية”

شهدت الدولة الإسلامية في العصر العباسي الأول (132ـ232هـ/750ـ847م) تحولا كبيرا في مجالات متعددة، حيث ازدهرت الثقافة والفنون، وتنوعت الأنشطة السياسية والاجتماعية. إذ اعتبر هذا العصر الذهبي أحد أكثر الفترات التاريخية إثمارا، وبرزت فيه قوة الخلافة العباسية التي نقلت مركز الحضارة الإسلامية إلى بغداد، وجعلتها بؤرة للإشعاع الثقافي والعلمي.

في قلب هذا التحول الكبير، برزت ظواهر عديدة داخل قصور الخلفاء منها نفوذ الجواري المتزايد، وتطور الفن الموسيقي. هاتان الظاهرتان، رغم اختلافهما الظاهري، عكستا معا ثراء وتعقيد الحياة في بلاط الخلافة العباسية. تداخلت السياسة مع الفن، والمكايد مع الإبداع، لتشكل صورة متكاملة عن الازدهار والتنوع الذي ميز هذا العصر الفريد.

فالجواري، وهن النساء اللاتي كنَّ يخدمن في القصور، لم يكتفين بدورهن التقليدي، بل تجاوزن ذلك إلى ممارسة تأثير سياسي وعسكري ملحوظ، وكان لهم دورا مهما في التواصل بين الخليفة ووالدته، واستخدمن حيلا متنوعة للتجسس وتنفيذ عمليات اغتيال، فأصبح لهن دور محوري في البلاط العباسي.

على الجانب الآخر، شهدت هذه الفترة تطورا ملحوظا في الفنون الموسيقية، حيث امتزجت الألحان الشرقية بالغربية، واستقدمت آلات موسيقية جديدة، وتم الاعتناء بتطوير العزف والغناء. الموسيقى لم تكن مجرد فن ترفيهي، بل أصبحت جزءا من ثقافة البلاط، وأداة تستخدم للتعبير عن الرقي الحضاري والسياسي.

لذلك تبرز أهمية دراسة دور الجواري وتطور الموسيقى في قصور الخلفاء العباسيين، فهي تكشف عن الثراء والتعقيد في الحياة السياسية والثقافية لهذه الحقبة.

فبينما كانت الجواري يمارسن نفوذهن من خلال المكايد والتجسس، كانت الموسيقى تزدهر وتتطور، مما يعكس التناقض اللافت بين الصراعات السياسية والإبداع الفني في آن واحد. هذا المزيج الفريد من السلطة والفن يقدم لنا صورة حية ومتكاملة عن الحياة في قصور الخلافة العباسية خلال عصرها الذهبي.

الجواري ولا سيما القيان منهن استخدمن كهدايا ثمينة ومميزة للخلفاء لخدمة أغراض شخصية أو سياسية (مواقع التواصل)

نفوذ الجواري وحيلهن

تغلغل نفوذ الجواري في قصور الخلفاء العباسيين، رغم محاولة “أبي العباس السفاح” أول خُلفاء بني العبَّاس (ت136هـ/753م) الحدَّ من سلطانهن، وقيام أبي جعفر المنصور ثاني خُلفاء بني العبَّاس (ت158هـ/775م) بمنع تسربهن إلى القصر، إلا في أضيق الحالات.

بعد فحص دقيق تخضع له الجواري، كان المنصور يمتنع عن شراء الجارية أو البناء بها إن كان لها أهل وأقارب، ولذلك لجأت جاريته “الخيزران بنت عطاء”، التي استقدمت من اليمن، إلى الكذب بادعائها أنها وحيدة وليس لها أهل، فوجدها المنصور تصلح لأن تكون “أم ولد” لابنه المهدي، فاشتراها الخليفة المهدي وأعتقها وتزوجها، واصطحبها معهُ إلى بلاد العجم، وأنجبت له ابنيه، الخليفة هارون الرشيد والخليفة موسى الهادي.

واستخدمت الجواري ولا سيما القيان منهن، أي المدربات على الغناء والعزف وفنون الترفيه، كهدايا ثمينة ومميزة للخلفاء لخدمة أغراض شخصية أو سياسية، حيث كانت لهن مكانة خاصة في قصور الخلفاء والأثرياء، واعتبرن من وسائل الترفيه والتسلية، وكن يتمتعن بمهارات فنية عالية في الموسيقى والشعر، كهدايا ثمينة ومميزة للخلفاء من ذوي الجاه والسلطان لما يتمتعن به من قدرات فنية، إضافة إلى ممارسة بعض الألعاب.

وقد استغل أهل الحيلة بعضهن جاسوسات على الخلفاء ورجال القصر، لخدمة أغراض شخصية أو سياسية، كما كان الخلفاء يلجؤون إلى هذه الطريقة لمعرفة أخبار ضيوفهم، فكان “المأمون” سابع خلفاء بني العباس (ت218هـ/833م) يدس الوصيفات هدايا لبعض ضيوفه ليطلعنه على أخبار من شاء.

ووسعت الجواري من نطاق قدراتهن العسكرية، كالقيام بالتخطيط والتنفيذ لعمليات اغتيال طالت أهم الشخصيات في الدولة. فتقول إحدى الروايات إن جارية من جواري الخليفة المهدي دست السم في طعام فأكله فمات من فوره.

كما قيل إن وفاة الخليفة الهادي لم تكن مصادفة، إنما كان بتدبير من والدته الخيزران، فقد حاول قتلها عن طريق دس السم في طعامها بحسب ما ذكر الطبري، إلا أن الخيزران لم تكن علاقتها به جيدة، فجعلت كلبها يتذوق الطعام أولا فسقط الكلب ميتا.

ويروي مؤرخون أن الخيزران علمت بمساعي الهادي لقتل أخيه الرشيد، فضلا عن محاولة قتلها فقررت أن تتخلص منه أولا، وتزعم رواية أخرى أن الخيزران كلفت جواري الهادي بقتله، ومع كل تلك الروايات، يتأكد لنا دور الجواري في الحياة السياسية والمكايد وقتها.

كما أفشل الخليفة المعتصم ثامن خلفاء بني العباس (ت227هـ-842م) عملية اغتيال للواثق بالله تاسع خلفاء بني العباس (ت232هـ/847م)، التي كان يخطط لها كل من الأمير العباسي “العباس بن المأمون” (ت223هـ-848م) و”عُريب المأمونية” الجارية القينة التي اشتهرت في عصرها.

وتعود دوافع تلك الاغتيالات في معظمها الى أغراض سياسية، تمخضت عن صراع واضح على السلطة انتهى في أغلب الحالات بمقتل الخليفة في ظروف غامضة.

كانت الموسيقى تزدهر أيضا في أروقة القصور، مضيفة بعدًا ثقافيًا وفنيًا للحياة البلاطية، مع تطور ملحوظ في الآلات الموسيقية وفنون العزف
الموسيقى ازدهرت في أروقة القصور العباسية مع تطور ملحوظ في الآلات الموسيقية وفنون العزف (مواقع التواصل)

الموسيقى والآلات في القصور العباسية

بينما كانت الجواري يمارسن نفوذهن السياسي بدهاء شديد، واللاتي يمتلكن وسائل الترفيه والتسلية، ويتمتعن بمهارات فنية عالية، كانت الموسيقى تزدهر أيضا في أروقة القصور، مضيفة بعدا ثقافيا وفنيا للحياة البلاطية، مع تطور ملحوظ في الآلات الموسيقية وفنون العزف.

فقد عَرَفَ العَرب من الآلات الموسيقية بداية بآلات النفخ كالمزمار، على أبسط أنواعه، وآلات القرع كالدف، وهو على أشكال منها المستدير والمربع والكبير والصغير، وأمّا آلات الأوتار كالعيدان والطنابير (مفردها طنبور، من الآلات الوترية، يمتاز بصغر حجم الصندوق الصوتي المصنوع من الخشب وطول الرقبة ويكون النبر عليه بوساطة الأصابع أو الريشة) والمعازف ونحوها، فهي من صناعة الفُرس والروم، ولم يعرفها العرب إلا بعد الإسلام.

وكان من أشهر آلات النفخ في العصر العباسي الأول المزمار، ومن أسمائه الزُّلامي أو الزنامي نسبة إلى زنام، وهو زمار حاذق كان للرشيد (ت193هـ/809م)، والشبابة والبوق والناي، أما آلات القرع أو النقر فكان أشهرها الطبل، والصفاقات والدف، والصنج (وهي صحون معدنية مقعرة، تستعمل إما مفردة بضربها بعصا خشبية أو معدنية وإما مزدوجة بضرب الصنج الواحد بالآخر).

واشتهر من الآلات الوترية العود، وقد جرى عليه بعض التعديل، حيث أدخل زلزل (أحد موسيقيي العصر) نوعا جديدا من العيدان يسمى “الشبوط”، واشتهرت آلة الطنبور والقانون والونج، وهو نوع من العود، وقيل ضرب من الصنج ذو الأوتار.

وأدخلت بعض الآلات الأجنبية إلى الموسيقى العربية كالسرناي، والأرغن الروماني (آلة هوائية تعمل بوساطة سريان الهواء في أنابيبها الصوتية، ويتم ذلك بالضغط على الملامس فينتقل الهواء المضغوط والمخزون في جسم الأرغن ويتوزع على أنابيبه) وقد استعملته علية بنت المهدي.

وكان إبراهيم بن المهدي (ت224هـ/839م) من أبرز الشخصيات التي أتقنت العزف على مجموعة من الآلات الموسيقية كالعود والطبل، كما استطاع وهو في مجلس للأمين أن يعزف على الناي وهو في فم الجارية، من خلال تمرير أصابعه عبر فتحاته، في الوقت الذي تنفخ هي فيه، وكان الواثق (ت232هـ/847م) أول خلفاء بني العباس الذي يصح تسميته بالموسيقار، فإضافة إلى إتقانه فن الغناء، كان من أبرع الضاربين على العود، فتحولت دار الخلافة في عهده إلى معهد موسيقي يشهده المحترفون والمبدعون في مجال الموسيقى والأدب.


الجدير بالذكر أن خبر “الجواري والموسيقى.. وجهان لثراء الحياة في قصور الخلافة العباسية” تم نقله واقتباسه والتعديل عليه من قبل فريق اشراق العالم 24 والمصدر الأصلي هو المعني بما ورد في الخبر.
اشترك في نشرة اشراق العالم24 الإخبارية
الخبر لحظة بلحظة
اشرق مع العالم

اقرأ على الموقع الرسمي


اكتشاف المزيد من اشراق العالم 24

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من اشراق العالم 24

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading