عقوبات أميركية على قائد الدعم السريع.. ماذا وراءها؟
اشراق العالم 24 متابعات عالمية عاجلة:
نقدم لكم في اشراق العالم24 خبر “عقوبات أميركية على قائد الدعم السريع.. ماذا وراءها؟”
وذلك رغم معرفة واشنطن الكاملة بكل ما ارتكبته من جرائم حرب وانتهاكات للقانون الدولي الإنساني، والولوغ في فظائع مستبشعة لا حد لها في ولايات: الخرطوم، الجزيرة، سنار، النيل الأبيض، وبعض مناطق كردفان، وولايات دارفور، والتي راح ضحيتها عشرات الألوف من السودانيين الأبرياء.
من نافلة القول أن لدى الإدارة الأميركية معلومات وتقارير كافية لمعاقبة الدعم السريع وقياداتها، إلا أنها خلال فترة الحرب لم تولِ موضوع معاقبة قائد المليشيا اهتمامًا كبيرًا، مكتفية بعقوبات رمزية على من هم أدنى منه، ولم تصل إلى عصب ومفاصل تحركات الدعم السريع بما يقود إلى إعاقتها.
تحت ضغوط من نواب في مجلسي الشيوخ والكونغرس السابقين والحاليين، ومنظمات حقوقية وتقارير صحفية، صدرت عقوبات في يونيو/ حزيران 2023 على شركات تتبع الدعم السريع لم تكن ذات بال.
وفي سبتمبر/ أيلول 2023، فرضت عقوبات أخرى على القائد الثاني لقوات الدعم السريع عبدالرحيم حمدان دقلو، وعبدالرحمن جمعة، المسؤول العسكري في ولاية غرب دارفور، المتهم بقتل والي الولاية خميس أبكر، وقتل وتشريد الأهالي من المواطنين.
وفي مايو/ أيار 2024، صدرت عقوبات ضد بعض قادة الدعم السريع العسكريين (علي يعقوب – قُتل في معارك الفاشر العام الماضي)، و(عثمان محمد حميد الشهير بعثمان عمليات).
وتزايد الضغط حتى فرضت الخزانة الأميركية في أكتوبر/ تشرين الأول 2024 عقوبات على الشقيق الأصغر لقائد الدعم السريع (القوني حمدان دقلو)، وبعض الشركات التابعة للدعم السريع. وأخيرًا، صدر قرار الإدارة المنصرفة ضد قائد المليشيا المتمرّدة نفسه.
لا يساور أحد أدنى شك حول هذه العقوبات المتدرجة وتأثيرها على قدرة الدعم السريع في مواصلة القتال، ودورها في تحجيم تحركاتها السياسية والعسكرية، فضلًا عن كونها بمثابة شهادة وفاة لطموحات (آل دقلو) في لعب أي دور سياسي في مستقبل السودان وتفاعلاته الراهنة والقادمة.
ويمكن اعتبارها أيضًا تأشيرة خروج نهائي من المشهد السياسي السوداني. وإذ تعاني الدعم السريع حاليًا من تراجع كبير في الميدان العسكري في كل مناطق العمليات، وتوالت عليها الهزائم وعجزت عن تحقيق نجاحات عسكرية خلال الفترة الماضية، سواء في الفاشر عاصمة إقليم دارفور، أو أي منطقة أخرى، فإن هذه العقوبات على قائد المليشيا تعطي الإشارة الواضحة بأن دوره قد انتهى، وسيكون مصيره مثل جوناس سافيمبي في أنغولا، وبول بوت في كمبوديا، ويفغيني بريغوجين في روسيا.
وعلى إثر هذه العقوبات وصدورها، بات على الدعم السريع، التي تعلم حساسية وضعها الداخلي والخلافات الداخلية التي بدت طلائعها تلوح بين المكونات القبلية والعرقية المختلفة داخلها، وصراع مراكز القوة والنفوذ، التحسب لما هو أسوأ في القريب العاجل.
سيقفز الكثير من القادة العسكريين من السفينة الغارقة التي تواجه رفضًا عارمًا وعقوبات أميركية يمكن أن تتوسع لتصبح دولية، بجانب النشاط السياسي في مناطق دارفور، وكردفان، ومنابع المرتزقة في جنوب ليبيا، وتشاد، والنيجر، وبقية دول الساحل، الذي ينبه بقوَّة لما ستؤول إليه الأوضاع، مع تضعضع وضع الدعم السريع العسكري وهشاشة موقفها السياسي، وربما يتخلى عنها حلفاؤها الإقليميون.
على الأرض في مناطق دارفور، تواجه الدعم السريع منذ فترة سبقت الهجوم على منطقة (الزرق) بشمال دارفور، وبعد الهجوم، شبحَ انقسام حاد تقوده ثلاث جهات عسكرية تمثل 45% من القوات الفاعلة للمليشيا في ولايات دارفور، وبعض القادة المتوقع انشقاقهم من المنتمين إلى آل دقلو في قبيلة الرزيقات.
وتسري وسط القيادات الأهلية وبعض زعماء القبائل في ولايات دارفور الذين ساندوا تمرد الدعم السريع، روح جديدة؛ مؤداها أن محمد حمدان دقلو وإخوته وشركاءه لم تعد لديهم فرصة لتحقيق نتائج إيجابية في حربهم ضد الدولة السودانية، وسيكون الارتداد العكسي عليهم وخيم العواقب، مما يتطلب تحركًا عاجلًا لدرء المخاطر ومد الجسور من جديد.
وخلال الأيام الماضية، بعد فرض العقوبات الأميركية على قائد الدعم السريع، زادت وتيرة الشكوك والمخاوف وسط هذه الزعامات القبلية بأن منسأة الدعم السريع قد أكلتها دويبة العقوبات، وستخرّ صريعةً لا محالة.
بجانب ذلك، هناك تأثيرات أخرى للعقوبات على قائد الدعم السريع، منها موقف حلفاء واشنطن في المحيط الأفريقي للسودان، خاصة جواره القريب في تشاد، وإثيوبيا، وأفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، وليبيا، ثم أوغندا، وكينيا.
ثم هناك موقف حليفه الإقليمي الذي دعم الحرب بالعتاد الحربي والسلاح والأموال والتنسيق السياسي، وجر مقطورات حزبية وسياسية عاجزة مثل تنسيقية “تقدم” للتحالف مع المليشيا المتمردة. فكل هؤلاء في موقف دقيق للغاية، فهم حلفاء المغضوب عليه أميركيًا، ولا يمكنهم مواصلة موالاته وتقديم الدعم والمساندة له. وهذه ميزة حاضرة في الحسبان تعقد من حسابات الدعم السريع ومناصريها.
إذا كانت هذه التأثيرات، فما هي خلفية العلاقة الأميركية مع الدعم السريع حتى وصلت إلى هذه المرحلة؟ يمكن القول إن الأجهزة الأميركية، خاصة المخابرات المركزية (CIA) والخارجية الأميركية، اهتمت بموضوع الدعم السريع فور تكوينها في أبريل/ نيسان 2013.
وكانت في السابق تهتم بالمجموعات العسكرية العربية التي تكونت عقب تمرد حركات دارفور في 2003، تحت مسمى حرس الحدود. وسعت الـ(CIA)، مع مكونات داخلية في السودان، إلى بذر الخلافات وسط مجموعة حرس الحدود بقيادة الشيخ موسى هلال، وكان حميدتي أحد القادة العسكريين لموسى هلال وانشق عنه في 2006.
ورصدت واشنطن تلك الخلافات ونسقت مع منظمات أجنبية طوعية كانت تعمل في دارفور، ومع الفرنسيين على تنسيق اتصالات وتحركات مع حميدتي في ذلك الأوان، لكن حميدتي سرعان ما عاد إلى حضن الدولة في 2007.
عقب تكوين الدعم السريع، وبعد أن أسندت إليها في نهاية 2015 عملية محاربة الهجرة غير الشرعية بقفل الحدود السودانية الليبية، وكان حميدتي في تلك الأيام برتبة العميد، ثم تمت ترقيته إلى لواء، عقد أول اجتماع بين مسؤول استخباري أميركي وحميدتي في الصحراء قريبًا من الحدود مع ليبيا، بغرض التعرف عليه ومراجعة خطط محاربة الهجرة غير الشرعية. وتم التنسيق في ذلك مع الأوروبيين المستفيد الأول من مكافحة تسلل المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين.
وبعد مشاركة السودان في عاصفة الحزم، وإرسال قوات من الدعم السريع إلى اليمن وحدود السعودية الجنوبية، وفتح الباب أمام قائد الدعم السريع لزيارات مكوكية إلى دول خليجية، تمت لقاءات غير معلنة في تلك الفترة بين جهات أميركية ثم إسرائيلية خلال الفترة من 2017 و2018. وكان هناك تحذير أميركي لحميدتي بعدم التورط في النزاعات الخليجية، رغم أن الولايات المتحدة كانت تؤيد الحرب على اليمن. وكانت وجهة نظرها أن الدعم السريع يمكن ترويضها.
بدأت الشكوك تساور الجانب الأميركي، عقب دخول شركة فاغنر الروسية السودان في عهد الرئيس البشير ومباشرتها عملية تدريب متقدمة لقوات الدعم السريع. ورصدت واشنطن عبر أجهزتها في تلك الفترة تمدد الاستثمارات التعدينية المشتركة لفاغنر مع الدعم السريع في منطقة (سنغو) أقصى حدود جنوب دارفور الجنوبية.
وهي قريبة من حفرة النحاس وجيب (كفيا كنجي) المتنازع عليه بين السودان وجنوب السودان، وهي منطقة غنية باليورانيوم والألماس والذهب. وتمتد مناطق سنغو ومناجمها في شريط مترابط داخل أفريقيا الوسطى، التي كانت تحت هيمنة فاغنر الروسية الداعمة للرئيس فوستين أرشانج تواديرا في العاصمة بانغي.
كما تابعت واشنطن نشاطات الدعم السريع في مناطق أخرى وتجارة الذهب بالتنسيق مع روسيا وإحدى الدول العربية، لكنها غضت الطرف؛ لأن التحالف الدولي لإسقاط البشير كان يضع الدعم السريع ضمن الأطراف المساهمة في التغيير وفق المخطط الجاري.
بعد إطاحة الرئيس البشير، رصدت المخابرات الأميركية عمليات تهريب لخام اليورانيوم من أفريقيا الوسطى والسودان، بالإضافة إلى الذهب. ففي نهاية العام 2019، وحميدتي في قمة السلطة، كانت التقارير التي تتداولها الدوائر الأميركية والغربية تشير إلى عمليات بيع وتجارة نشطة لليورانيوم والألماس والذهب.
كما رصدت الأجهزة الأميركية تعاملات مع دوائر مالية أوروبية تتبع لبعض عائلات متحكمة في النظام المصرفي الدولي وتجارة الألماس والذهب واليورانيوم، خاصة في زيارة خاصة قام بها محمد حمدان دقلو إلى إيطاليا في 2021. وحسب معلومات تناقلتها جهات عربية وغربية تتابع هذه العلاقة، فإن أموال حميدتي وأشقائه في بنوك معينة ذات صلة بهذه العائلات تُعد أكثر بكثير من أمواله في مصارف أخرى.
رغم ذلك، تعاملت واشنطن مع الدعم السريع وعملت على استخدامها وتوظيفها من أجل مصالحها في السودان، خاصة أن التيارات والدوائر المتحكمة في القرار الأميركي منذ 2020 حتى اليوم، كانت تجنح إلى إضعاف السودان وتهيئته لحالة التنافر المفضية للتقسيم والسيطرة على موارده.
ولم تكن إسرائيل بعيدة عن ذلك، فهي أيضًا أنشأت علاقة وطيدة مع الدعم السريع وقيادتها، وزار عبدالرحيم دقلو تل أبيب مرتين، وعقد لقاءات في نيروبي، وأوغندا، ودول أخرى أكثر من مرة لتنسيق مواقف مشتركة.
ومع بداية الحرب الروسية الأوكرانية، وكان محمد حمدان دقلو في لحظة اندلاعها في زيارة لموسكو (قبل يوم واحد من وقوع الحرب)، وقع حميدتي تحت ضغط أميركي على مستويات مختلفة. فهو كثير اللقاءات في الخرطوم مع المبعوثين والوفود الأميركية التي تزور السودان.
خلال اللقاءات التي أعقبت عودته من موسكو، تعهد للجانب الأميركي بعدم وقوفه مع روسيا في حربها مع أوكرانيا، وعدم توريدها أو بيعها أي شحنات من الذهب واليورانيوم والألماس، بل كشف معلومات أخرى عن علاقته مع روسيا وتبرمه منها.
في هذه الفترة، راجت معلومات استخبارية تشير إلى أن واشنطن تفكر في توجيه ضربات جوية لمواقع فاغنر والدعم السريع في أفريقيا الوسطى، ومنطقة سنغو على حدود السودان وجنوب السودان.
بغض النظر عن الدوافع الحالية لقرار العقوبات ضد قائد الدعم السريع، وما يكتنفه من أبعاد ومرامٍ، وتقديرات للإدارة الحالية، إلا أن هذه العقوبات تضع حدًا لعلاقة مرحلية شعرت واشنطن والمجتمع الاستخباري فيها، أنه ليس لدى الدعم السريع ما تقدمه، وأن هناك تهيئة للمسرح في المنطقة تقتضي إبعاد وكشط عناصر وجهات مختلفة، منها الدعم السريع.
وستكون المنطقة كلها، سواء كانت ليبيا، اليمن، ومنطقة الشرق الأوسط والقرن الأفريقي، أمام ترتيبات جديدة لا مكان فيها للمليشيات القبلية أو المجموعات العسكرية ذات الطموح المأزوم.
الجدير بالذكر أن خبر “عقوبات أميركية على قائد الدعم السريع.. ماذا وراءها؟” تم نقله واقتباسه والتعديل عليه من قبل فريق اشراق العالم 24 والمصدر الأصلي هو المعني بما ورد في الخبر.
اشترك في نشرة اشراق العالم24 الإخبارية
الخبر لحظة بلحظة
اشرق مع العالم
اقرأ على الموقع الرسمي
روابط قد تهمك
مؤسسة اشراق العالم خدمات المواقع والمتاجر باك لينكات باقات الباك لينك
اكتشاف المزيد من اشراق العالم 24
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.