صدر حديثًا.. الطب الروحاني ورسائل فلسفية لـ أبو بكر الرازي
اشراق العالم 24 متابعات ثقافية:
صدر عن الدار العربية للكتاب، كتاب الطب الروحاني ورسائل فلسفية لفيلسوف الإسلام أبوبكر الرازي من تقديم ودراسة وتعليق الدكتور خالد عزب.
في هذا الكتاب إعادة إحياء لفلسفة الرازي الذي شغل العالم بفلسفته وآرائه حتي صار منذ القرن 4 الهجري/ 10 الميلادي مثار جدل بين فلاسفة الإسلام وكانت المناظرات معه والردود عليه من الكثرة بحيث نستطيع أن نقول إنه الفيلسوف الأول المثير للجدل بآرائه وتحليلاته، كان مجددا نعم .. لكننا لا نتفق مع كل ما ذهب إليه ولا نوافق على كل الآراء النقدية له، إذا لماذا الرازي الآن؟
إن النضوج الفكري الذي صاحب القرن 4 الهجري / 10 الميلادي الذي جعل الرازي جريئا في طرحه استوجب الوقوف في وجه ما طرحه و دحض ما ذهب إليه، دون أن ينادي أحد بمحاكمته علي الرأي أو الفكر، بل كان أن افتخر به المسلمون خاصة مع ما أنجزه في الطب والكمياء، حتي صار العلميين مرآة لآرائه الفلسفية، هذا ما يقتضي أن نبدأ برؤية الرازي لمن هو الفيلسوف؟
يري الرازي أن الفيلسوف الحق هو من عرف شروط البرهان وقوانيه، واستدرك وبلغ من العلم الإلهي والرياضي والطبيعي أقصي ما في وسعه، والفلسفة طريق الخلاص من عالم الكون والفساد، إلى عالم الراحة والنعيم، وقد هلك العوام لعدم إدراكهم هذا العلاج، غير أن الفلسفة ليست وقفا علي الفلاسفة، بل هي نظر واجتهاد، وإن قوة الإرادة ضد الهوي، فضيلة يشرف بها الإنسان ولن يبلغ أقصاها إلا الفيلسوف الفاضل الحق.
هذا يقتضي منا أن نعرف هذا الفيلسوف والعالم:
أبوبكر محمد بن زكريا الرازي فيلسوف، ذاع صيته كطبيب وكيميائي، فكان أشهر طبيب مسلم في أوربا حتي نهاية القرن 17 م، ولد في الري عام 251 هجرية/ 865 ميلادية، درس بها الرياضيات والفلك والمنطق والأدب والكيمياء، ثم تفرغ لدراسة الطب والفلسفة، تولي إدارة مارستان ( مستشفي ) الري، عاش في بغداد 30 عاما، شارك في تأسيس المارستان العضدي، من أشهر مؤلفاته ( الشكوك علي جالينوس)، أثارت رؤاه الفلسفية جدلا، لكنه قدم رؤية خاصة حول مفهموم اللذة، أعطانا ابن أصيبعة في كتاب ( عيون الأنباء في طبقات الأطباء) 232 كتابا ورسالة من مؤلفاته التي غلب عليها الطب، وأشهر مؤلفاته الطبية كتاب الحاوي وهو موسوعة طبية من عشرين مجلد، ضم الكتاب: أمراض الرأس، والعين، والأسنان، والأوزان والمكاييل، وقانين الأشربة والأطعمة، والنوم واليقظة، والأمراض المعدية، والأمراض الجلدية… الخ، ترجمت هذه الموسوعة إلي اللاتنية ويذكر ماكس مايرهوف أن أول من قام بترجمة هذا الكتاب طبيب يهودي من صقلية هو ( فرج بن سالم ) ويعرف في أوربا باسم فرجوت، فرغ من ترجمته عام 1279 م، ونشرت هذه الترجمة كذلك في برشيا عام 1486 م، ونشرت له ترجمة أخري في البندقية عام 1542 م، وتعددت طبعات البندقية له، وكان مرجعا للدراسة في جامعة باريس حتي سنة 1395 م، وله كتاب في الجدري والحصبة ترجم إلي اللاتنية أيضا، وطبع أربعين طبعة فيما بين 1498 و 1866 لأهميتة للأطباء في أوربا كمرجع، ذكر الذهبي والنديم أن الرازي تتلمذ في الفلسفة علي يد رجل يلقب بالبلخي، كان البلخي هذا من أهل بلخ يطوف البلاد، ويجول الأرض، حسن المعرفة بالفلسفة والعلوم القديمة، أصيب الرازي بالعمي نتيجة للتجارب الكيميائية التي كان يجريها والتي تسببت أبخرتها في كف بصره، يقال إنه توفي عام 310 أو 313 هجرية.
إننا إذا أمام عالم فذ إستطاع أن يقدم الكثير لكننا ننطلق إلي أفاقه من رؤيته للعقل الذي أعطاه قيمة عليا في فلسفته ففي كتابة الطب الروحاني يقول: ( اعتبر العقل أعظم نعم الله، وأرفعها قدرا، إذ به يدرك الإنسان ما حوله، وبالعقل استطاع الإنسان أن يسخر الطبيعة لمنفعته، وبه يتميز الإنسان عن سائر الحيوانات)، وهذا يدفعنا للتساؤل عن منهج الرازي العلمي الذي هو مفتاحنا لفهمه وألية للتعامل مع منتجه العلمي، إن منهج الرازي يرتكز علي ما يلي:
الشك: منهج الشك عند الرازي يقوم علي الشك المنهجي المؤقت وليس الدائم، لذا فعنده ينبغي الحذر عند الأخذ عن السابقين فهو بذلك سبق الغزالي وديكارت في طرح منهج الشك، إذ يقول: ( إن صناعة الطب والفلسفة لا تحتمل التسليم للرؤساء والقبول منهم ولا مساهلتهم وترك الاستقصاء عليهم، ولا الفيلسوف يجب ذلك من تلاميذه والمتعلمين منه.. وأما من لامني وجهلني في استخراج هذه الشكوك والكلام فيها فإني لا أرتفع ولا أعده فيلسوفا إذ كان قد نبذ سنة الفلاسفة وراء ظهره وتمسك بسنة الرعاع من تقليد الرؤساء وترك الاعتراض عليهم) ويقول أيضا: (إن شك شاك في هذه الشريعة ولم يعرفها ولم يتقين صحتها فليس له إلا البحث والنظر جهده وطاقته، فإن أفرغ وسعه وجهده غير مقصر ولا وان فإنه لا يكاد يعدم الصواب فإن عدمه – ولا يكاد يكون كذلك – فالله تعالي أولي بالصفح والغفران إذا كان غير مطالب بما ليس في الوسع، بل تكليفه وتحميله عز وجل لعباده دون ذلك كثيرا ) فهو يدرك أن علي الإنسان السعي للوصول للحقيقة وللإنسان طاقة قدرها الله فعليه أيضا ألا يحمل نفسه فوق طاقته، وهذ اإدراك منه لتفاوت البشر في القدرة علي التحصيل والمعرفة.
التجريب: استخدم الرازي التجريب في منهجه خاصة في التعاطي مع الطب، وفي كثير من مناحي البحث، لذا فهو يبحث عن عدة أسباب للعلة، مما يجعله متأنيا في إصدار الحكم، هذا ما يؤكد أن الفلسفة انعكست علي عمله في الطب، وهنا نراه يحذر وينبه إلي عدم التسرع في إصدار الأحكام أثناء القيام بالتشخيص إذ يقول: (فإذا وقعت علي السبب فلا تغير التدبير إن لم تره ينجح وذلك أنه ربما كانت العلة قوية فلا يؤثر فيه أثرا إلا بعد مدة لأنه يحتاج لعلاج قوي ليبين الأثر) ونري ابن أبي أصيبعة يذكر علي لسان الرازي قوله: (ينبغي للطبيب مساءلة المريض عن كل ما يمكن أن تتولد عنه علته من داخل أو خارج ثم يقضي بالأقوي).
روابط قد تهمك
مؤسسة اشراق العالم خدمات المواقع والمتاجر باك لينكات باقات الباك لينك
اكتشاف المزيد من اشراق العالم 24
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.