أدب وثقافة

أوروبا في مرآة مجلة العربي استكشاف الآخر في


  • رؤية نقدية لصورة الآخر: قناع الموضوعية واللاانبهار


بقلم: د.نواف عبدالعزيز الجحمة 
أستاذ مشارك، كلية التربية الأساسية الهيئة العامة للتعليم التطبيقي

يحتل ميدان الرحلة الأدبية في التراث العربي الإسلامي حيزا معتبرا، إذا قيس ببعض النشاطات الأدبية الأخرى. فقد تميزت الحضارة الإسلامية بهذا النوع من الرحلات الأدبية الذي أضفى على رصيدها الحضاري نوعا جديدا من الخيال الإبداعي الممتع الذي يتمازج فيه الواقعي والسحري في تناغم يحدث الشهية والمتعة لدى القارئ (1).

ولا شك أن مجلة العربي في هذا الهوس الإبداعي الارتحالي تشكل إحدى المحطات البارزة في أدب الرحلة الصحافية في تاريخنا المعاصر. كما تشكل إحدى البؤر التي وفرت لأبنائها وقطانها الأسباب الموضوعية من أجل المساهمة في هذا النوع من الإنجاز الأدبي الرفيع الموسوم بالمغامرة والمعروف بأدب الرحلات.

إذا كانت رحلات مجلة العربي صوب أوروبا تشترك ضرورة مع الرحلة العربية المعاصرة من جهة تعبيرها عن الوعي العربي الإسلامي، وقد التقى بالغرب المتقدم فإن رحلات مجلة العربي تقدم عن ذلك الوعي صورة ثقافية مختلفة. قد يعزى هذا الأمر إلى طبيعة الصحافة المستقلة، وحيث كان الرحال العربي حرا في النظرة الغيرية، فقد كان من الضروري أن يكون لهذا الأمر أثره في ملاحظاته وانطباعاته. ومن ثم جاءت رحلاته عبر أوروبا نموذجا لهذا الوعي إزاء هذا الآخر المتقدم.

من هذا المنطلق، ارتأينا تقسيم عناصر هذا الموضوع إلى ثلاث نقط رئيسية:

1 – عدسة مجلة العربي: بلاغة بصرية وتجليات أيقونية.

2 – صور أوروبا ومعالمها الحضارية: رحلة الاكتشاف ولذة الفرجة.

3 – رؤية نقدية لصورة الآخر: قناع الموضوعية واللاانبهار.

في رحلة مجلة العربي ما لا يسع للقارئ إلا أن يقول معه بحصول نقلة في النظرة النقدية للغير في وعي المثقف العربي وفي الإشارات النصية والمعطيات الاجتماعية والدينية وما يفسر هذا الواقع ويكسبه طابع «اللاانبهار». ورحالتنا قدموا نماذج لما يمكن اعتباره تمثلا للنظرة النقدية الغيرية في الصورة التي ترتسم لأوروبا في أدب الرحلة الصحفية المعاصرة. أوروبا «الآخر» تلك التي يرفضها رحالتنا وينفر منها المثقف والمتمدن.

في الفقرات المتقدمة بينا المكونات الفاعلة في رسم صورة الآخر على نحو ما تظهر عليه في نصوص رحلات مجلة العربي، ويتعين علينا أن نحاول استكمال تلك الصورة بتجميع وتكثيف العناصر المكملة في استجلائها.

تجدر الإشارة إلى أن في الحضور المكاني والتوثيقي عند رحالتنا، وميلهم إلى الموضوعية واللاانحياز في الحديث عن العديد من صور الحياة اليومية، وفي دقة ملاحظاتهم ما يسعفنا بإكساب ما نرى أن الصورة ما زالت في حاجة إليه حتى الآن كذلك يجد القارئ أن الملامح تغدو أكثر دقة ووضوحا في التعليقات على المشاهدات في جزئياتها وتفاصيلها.

وقد عرفت رحلات مجلة العربي إلى أوروبا الشرقية عدة أوجه من النقد والسخرية المعبرة عن النفور من الآخر حتى في معتقده، بحيث أخذت تشرح مظاهر دونيتها في ظلال النظام الاشتراكي وآثاره ومن ثم كان علينا تتبع قسمات «الصورة الغيرية».

فعلى المستوى الاجتماعي يذكر لنا المحرر في رحلته المعنونة «موسكو كل هذا الجمال كل هذا العنف» صورة «ملتبسة» عن تمثل الحياة اليومية، الهناك، مثال على ذلك: شركات توظيف أموال تخدع ملايين الروس وتفلس، تعود الكوليرا بعد 70 عاما من الغياب في روسيا، 20 روضة أطفال في ساراتوف تغلق أبوابها لأن أهالي الأطفال فقدوا أعمالهم، مظاهرات تأييد للصرب والتغني برادوفان كاراديتش، مسنون ينشرون إعلانات في الجرائد تقول «انني أموت في المنزل رقم كذا بشارع كذا، ترام يخرج من مساره في مدينة لوجاسك فيقتل 46 إنسانا، معدل القتل بالأسلحة النارية في روسيا يزيد مرة ونصف على معدله في الولايات المتحدة، متوسط عمر الرجال يهبط إلى 59 عاما، أكبر نسبة وفيات تسببها أمراض القلب والتسمم بالكحول، جرائم الاعتداء المسلح والاغتصاب والسرقة بالإكراه تواصل صعودها في موسكو»، ومن ثم يعقب المحرر على هذه المشاهد: «صورة تموج ملامحها بالاضطراب والعنف وتبعث على القلق، واللحظة تثير في النفس مشاعر شتى تجاه موسكو الأليفة الغريبة، خليط من الشوق والريبة يحفزان على الاقتراب والحذر»(48).

وبرأيه أن اللااهتمام بالمعتقد هو الذي أسقط قناع الشيوعية السوفياتية الروحي في روسيا، إذ جرى طمس سوقي وعنيف للحياة الروحية للشعب الروسي ابتداء من الإيمان الديني وحتى البحث في الوجود الكوني للإنسان، لهذا كانت ظاهرة «أتباع الشيطان» المنتشرة في روسيا حاليا كالجمر تحت الرماد الشيوعي.

يذكر لنا المحرران أن ثمة تحقيقا موثقا بعنوان (لقد اخترنا الشيطان) في جريدة (سافر تشينو سيكريتنو)(49) يقول التحقيق: «وهي جمعيات يقدر عدد أعضاء بعضها بالمئات والبعض الآخر بالآلاف وتمارس طقوسا مختلفة مثل زعم الاتصال بالأرواح وإطلاق الطاقة الكامنة في جثث الموتى والتنجيم».

هذا، ويذكر التحقيق وصفاً لطقوس مجموعة أخرى من أتباع الشيطان ترتدي عباءات صفراء ويتبادل أفرادها في لقاءاتهم شرب أنخاب من النبيذ الأحمر المخلوط بالدم وهم يزعمون أن العالم سينتهي عام 1996م، ومجموعة ثالثة وصفها التحقيق يقودها طبيب سابقا (وقد حصلت على زمالة أو أخوة جمعية السحر الأسود الأميركية، ومن مآثرها عملية قتل الشبح وفي تفسير للظاهرة يقول بعض أتباع الشيطان الذين التقتهم الجريدة «الإيمان بالشيطان يعطينا القوة على العيش. فالناس عادة يؤمنون بما يجدي»(50).

لذا، لا نستغرب النظرة المخيفة للمحرر تجاه المناخ الذي أثبت هذا النزوع الشيطاني في روسيا، فهو يلاحظ في ذلك التحقيق أن الأعضاء المؤسسين لهذه المجموعات في عمر الشباب من 27- 40 سنة، وبدء نشوء هذه الجمعيات هو عام 1989 أي في لحظة تهيؤ الاتحاد السوفيتي السابق للانهيار(51).

أما يوغسلافيا وصور الحياة اليومية فيها فلقد شكلت أوج اللحظة النقدية في المتخيل الرحلي لمجلة العربي لما أفرزته بلاد يوغوسلافيا من الانقسامات الحادة في الموقع الجغرافي أو الاثنوغرافي، ولعل خيبة أفق الانتظار هذه هو ما جعل المحرر لا يتقاعس عن الزراية بالآخر، بعدما كان قبل الرحلة مادة شوق.

من جولة محرر مجلة العربي في ربوع تلك الديار نقتطف صورة نقدية تعمل على تبيان الصورة المرفوضة للآخر يقول المحرر في مقدمته: يبدو أن الانقسام هو قدر يوغوسلافيا المحتوم. انقسام حاد في التضاريس بين السهول والجبال، وانقسام في الموقع الجغرافي وضعها في المركز الحرج الذي يتصارع فيه الشرق مع الغرب، وانقسام في القوميات، وانقسام في اللغة، وانقسام في الدين بل وفي الطبائع البشرية ذاتها.

«أدركنا دون أن ندري أننا نخوض في إحدى نقاط الغليان في العالم، وأن يوغسلافيا القديمة قد ماتت، وأن حقائق جديدة تفرض علينا نفسها»(52).

وقد شكلت بعض المظاهر الأخرى مادة انتقاد رحالتنا كالذاكرة العنيدة التي ترفض أن تبدأ من جديد، والاجتماعات السياسية التي تطالب بالتغيير واستبدال الحرس القديم، وتوزيع المنشورات والخرائط الجديدة، وكثرة الجواسيس في المدن الحدودية وغيرها. وفي هذا الإطار يسوق المحرر الحدث الجلل ألا وهو وصول الحرب إلى قلب بلجراد، ففي كل يوم كانت بقية القوميات تعلن استياءها الشديد من جرها إلى حرب لا يريدون أن يخوضوها على حد قوله.

يصف لنا المحرر هذه الصورة «المربكة» بقوله: «كل شيء يثير الرعب، الجيران الذين يعرف كل منهم أسرار الآخر تحولوا فجأة إلى أعداء، ورقد القناصة فوق البيوت، وتدفقت الأسلحة، وتدفق المرتزقة من كل الأحزاب المتطرفة، وتحول وسط أوروبا إلى غابة بدائية تعيش تراجيديا الحرب بكل بشاعتها».

«وعلى الطريقة اليوغوسلافية المعتادة كانت أرامل الحرب يحطن بنا في ملابسهن السوداء مثل الغربان الباكية، لا يهم أي موتى يبكين، فالخسارة واحدة» (53).

ومن جولة محرر مجلة العربي في ربوع الديار التشيكية والسلوفاكية نقتطف مشهدا انتقاديا ملحوظا في معرض توصيفه للحياة اليومية الملتهبة بعد نهاية الحكم الشيوعي، يذكر المحرر تحت عنوان (دولة للبيع) مقولة: «إنه بلد لا يمكن التأكد من ماضيه» للكاتب الشهير ميلوسن زيمار الذي يذكر أن تاريخ بلاده في الخمسين عاما الأخيرة تعرض للعديد من التحريفات والتصحيحات قلبته رأسا على عقب، تحول الأبطال إلى خونة وتحولت معارك التحرير إلى إرهاب وقمع(54).

«وأن أربعين عاما من القمع والأسلوب البوليسي في الممارسة تجعلها تشعر أنها قد عاشت فترة استثنائية في تاريخها، لقد كان ثمن الحرية غاليا» (55).

ومما أثار انتقاد المحرر التدهور الذي أصاب الحياة الاجتماعية بسبب فقدان الأمان وتزايد نسبة البطالة وانخفاض مستوى الرعاية الصحية، وبدوره لجأ المحرر إلى «الإشهاد» ليؤكد تلك المظاهر ويرسخها في خيال المتلقي: قال لي عامل في أحد المصانع: «لقد جعلتنا الشيوعية نتوقف عن التطور خرجنا من الحرب العالمية ومصانعنا سليمة، ومصانع ألمانيا ومدنها مدمرة، ومع ذلك انظر أين هي الآن وأين نحن؟»(56).

وإلى جانب الاستغلال للمستضعفين الموجودين أسفل الهرم الطبقي، وقف محرر مجلة العربي على مشهد بدء إشعال شرارة التحرر العمالي في بجدانسك في پولندا، مستنكرا بطريقته الخاصة درامية الوضع الطبقي: فالنظام الشيوعي الذي وعد الطبقة العاملة بالجنة الأرضية لم يف بوعده، بينما كان أركان هذا النظام يحلقون بترف (برجوازي) من فائض ايدي الكادحين ولذا لا نستغرب اندهاش المحرر من الفضاء الپولندي شبح الاحتيال والجريمة، وارتفاع حالات الاغتصاب والقتل. ويعقب على هذه الصورة المخيفة مقارنة مع الماضي، (اندريه رزيلينسكي) أستاذ القانون في جامعة وارسو قائلا: «لم يكن هناك فقير فقرا ملحوظا ولا غني غنى ملحوظا وكان حمل السلاح محرما»(57).

ولنا في صورة الصناعة العسكرية الفولندية ما يشهد بحقيقة كساد والمنتجات إذ لا نجد رأسمالا ولا تكنولوجيا للتطوير وهو ما يعبر عنه (جان ستراوس) قائلا: «نحن أمة أكبر من الاكتفاء بعمل لا شيء أكثر من الجبن المطبوخ وصناعة السلال»(58).

ولا شك أن المعجم الموظف في هذا النص يكشف بشكل لا يخلو من سخرية صورا انتقاصية تستفظع الآخر، ولا ترى فيه قيمة تستحق التعظيم.

ولكي يعطي بعدا موضوعيا لسخريته، لجأ المحرر إلى النظرة النقدية في وصفه المقتنيات في المعرض الحربي في وارسو يقول: «كانت طائرات الميج 23 والدبابات والمروحيات متعددة الأغراض والصواريخ متوسطة المدى كانت هامدة يأكلها الصدأ بينما مقتنيات متحف الفن المجاور تتألق».

فهل يدوم تقاسم الانطفاء والتآلف على هذا النحو إذا بلغ الإحباط مداه؟ الشك يعتري الجواب وهذا بعض من حيرة بولندا(59).

بدوره لاحظ المحرر بسخرية لاذعة أن الشباب الپولندي يتدفقون على محال الأطعمة الأميركية السريعة، وأن ربات البيوت وأرباب المعاشات الذي فقدوا أعمالهم يعملون في تجارة الشنطة على الرصيف، وفرقة جوالة تعزف (المازوكا) الپولندية الراقصة في أحد الأركان تاركة عند الأقدام قبعة تسأل العطاء، وفي الظلال هنا وهناك تتصاحب تجارة العملة والمخدرات وبضاعة الجنس، وعلى الرصيف نموذج صور شتى(60).

أما الرحلة إلى برشلونة (إسبانيا) فقد عرفت عدة أوجه من اللغة النقدية الساخرة، فها هو المحرر يصف لنا الانتخابات الثلاثة الإقليمية التي جرت منذ الإعلان عن الحكم الذاتي عام 1980 بأنها شبه فكاهية، فقد شهد برنامجا إعلانيا للحزب الجمهوري القطالوني الذي خاض الانتخابات المحلية رافعا شعار (الانفصال الكامل عن إسبانيا وإعلان الجمهورية القطالونية) وقد كان البرنامج الدعائي عبارة عن نشرة أخبار تقليدية خيالية هي من صنع رئيس الحزب، وثم تقديم النشرة على أن الجمهورية القطالونية حقيقة قائمة، وأنه هو رئيسها يستقبل أوراق اعتماد سفراء أجانب في حضور ممثل عن المملكة الإسبانية وبابا الفاتيكان.

ولمزيد من السخرية والفكاهة والإمعان في الخيال، تقدم النشرة أوراق اعتماد سفير الجمهورية الاسكتلندية بعد إعلان استقلالها عن المملكة المتحدة (بريطانيا) وكذلك أوراق اعتماد سفير جمهورية بلاد الباسك وكلها جمهوريات لم تزل في بطن الغيب(61).

ويعزو المحرر الفانتازيا الانتخابية التي تصيب الإسبان الى الإحباط المسبق قبل دخول الانتخابات، فالزعيم يعلم تماما أن جماهيره التي تصوت له لن تزيد ولن تنقص وأن عدد الأصوات التي حصل عليها في أول انتخابات لن تتغير(62).

كما لاحظ المحرر بمشاهد عابرة في الغالب شيوع الأسطرة والعقلية الخرافية، وقد ضرب مثلا: يقول «ففي شارع الرحلة بميدان كولومبس أو (كولوم) كما يسمى باللغة القطالونية يوجد تمثال للمكتشف، ولكن التمثال يشير باتجاه الشرق. وكل تماثيل كولومبس في العالم تشير إلى اتجاه الغرب أي إلى الطريق الذي يؤدي إلى أميركا والذي سلكه في رحلته».

يعلق المحرر على هذا المشهد نقلا عن أحد الظرفاء الإسبان «أن كولومبس عندما اتجه إلى الشرق فهو يشير باتجاه الممالك الإيطالية خاصة مملكة (جنوة) يطلب منها العون لتنقذه من شعب إسبانيا وملوكها الذين أحبطوه وكذبوا اكتشافاته حتى أوصلوه إلى حد الجنون. فمات وهو يعتقد أنه وصل إلى جزر الهند أما اكتشافه لأميركا فقد ظل «أسطورة» لا تصدق حتى سنوات طويلة بعد وفاته»(63).

ولعل أهم ما أخذه المحرر على الآخر الإسبان هو أوضاع الجالية المغربية تحت الإدارة الإسبانية ولنا في هذه المشاهد التي رآها من مدينة برشلونة. ما يشهد على ذلك يقول: «فأكثر أفراد الجالية المغربية يعملون في الريف والأعمال المتدنية في المدينة، ولا يمثلون ثقلا ماليا له وزنه، بل إن أكثر هؤلاء يتوارون عن الأنظار لافتقارهم إلى الإقامة الشرعية، وكثيرا ما تعرضوا لهجمات بعض المتطرفين وسقط من بينهم أكثر من ضحية في السنوات الخمس الأخيرة، وكانت قصة أحدهم ملهمة لأحد مخرجي السينما في برشلونة. فصنع منها فيلما بعنوان (الخطاب) نال عدة جوائز في مهرجانات سينمائية إسبانية، وهو يدافع عن حق هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين في الإقامة والعمل والحياة بكرامة في هذه البلاد. ويدين بعض ضعاف النفوس من أبناء قطالونيا الذي يستغلون حاجة هؤلاء إلى العمل والمال فيستخدمونهـــم بأجــــــور بخسة»(64).

استنتاجات وآفاق:

لم تكن أوروبا في مخيلة رحالة مجلة العربي مجرد فضاء للغريب والعجيب والمدهش، بل ظلت منذ ولادتها إلى بداية القرن الحادي والعشرين محطة للتثاقف والإثراء الحضاري، ومن خلال المحطات السالفة يسمح لنا باستنتاج ما يلي:

– استطاعت النصوص الرحلية الفاتنة بتنويعاتها السردية أن توسع دائرة الفضاءات المغايرة وكل ذلك من أجل ضمان المشاركة الوجدانية والوجودية التي تثقل المتلقي من لحظة الدهشة إلى العبرة.

– كيفما كان الحال، فإن ما وصل إلينا من رحلات مجلة العربي يعتبر كنزا ثمينا، ويجعل الفترة الزمنية التي نحن بصددها تحوز قصب السبق من حيث غزارة الإنتاج في هذا الحقل.

– تحررت رحلة مجلة العربي من عقدة الصور النمطية الموروثة للآخر الأوروبي الشائعة بين جيل التنويريين (هم المتفوقون ونحن المتخلفون)، وأصبح أفق الرؤية للآخر أكثر رحابة وأمعن واقعية وموضوعية وهذا هو مغزى شعار الرحلة: (العربي عيونك على العالم).

– إن بالإمكان أن تتحول الرحلة إلى مادة فكرية مواتية لرصد تحولات الأفكار في علاقاتها بصيرورة الوعي وتحولات المجتمع في زمن تبلورها وخاصة عندما يرتبط زمن صدورها بأزمنة الصراع بين المجتمعات فتقدم بصورة مباشرة، شهادة لها قيمتها بحكم اقترابها من الحدث الجاري وبحكم موافقتها له.

– إن نظرة الخاصة التي تحملها الرحلات للآخر الأوروبي هي نظرة تعكس الآن نفسه رؤيتها لذاتها، حيث تشكل الرحلات نماذج من الرؤى المعبرة عن درجات الفهم والصراع القائمة بين المجتمعات البشرية (أوروبا الشرقية نموذجا).

– تكمن أهمية الرحلات في رصد ملامح الوعي بالذات وبالآخرين في تجارب الأمم، وفي سياق تطور المجتمعات والحضارات وتطور رؤيتها لبعضها البعض فهي «تؤرخ» من موضع نوعي متميز للفكر العربي الإسلامي.

– عدسة مجلة العربي هي تجليات أيقونية لنصوص ملحقة، وهي الشبيه الكامل للواقع، والصور أبانت عن اندهاش من التقدم التكنولوجي للآخر المتفوق (الفنون والعمارة نموذجا).

– شكلت السخرية في الرحلات طريقة في توليد المعنى وبالتالي الوعي المضاد، وفضح المأساوي والملتبس في علاقة الذات بالآخر.

– تغلف الرؤية النقدية للآخر الأوروبي بقناع الموضوعية والإنصاف واللاانبهار، وتحكمت تلك النظرة في المعتقد والسلوكيات المسترذلة والقيم الروحية والجهل بالذات العربية.

– ومما تمتاز به آفاق الرؤية في رحلات مجلة العربي ليس انفتاحها في الفضاء الغيري فحسب، بل في التركيز على رصد تجليات الثقافة الشعبية والفولكلور في الفنون والآداب، والعادات والتقاليد، والحرف والصناعات الشعبية بغية استكشاف الآخر وإدراك أسباب تفوقه أو تأخره.

الهوامش

48 – محمد المخزنجي، موسكو (كل هذا الجمال كل هذا العنف)، مجلة العربي، العدد 434، يناير1995، ص38.

49 – في إحدى صحف (التابلويه) الفضائية الروسية، العدد 63، أغسطس1994، ص24،25،26.

50 – محمد المخزنجي، موسكو، ص46.

51 – المصدر نفسه، ص46.

52 – محمد قنديل، بلجراد على أبواب الفراق الصعب، مجلة العربي، يناير، 1992م، ص39.

53 – المصدر نفسه، ص52.

54 – محمد قنديل، التشيك والسلوفاك إلى أين، مجلة العربي، العدد406، سبتمبر 1992، ص47.

55 – المصدر نفسه، ص47.

56 – المصدر نفسه، ص47.

57 – محمد المخزنجي، بولندا عروس البلطيق الحائرة، مجلة العربي، العدد431، أكتوبر1994م، ص50.

58 – المصدر نفسه، ص51.

59 – المصدر نفسه، ص51.

60 – المصدر نفسه، ص52.

61 – طلعت شاهين، برشلونة تحتضن أكبر دورة أولمبية في التاريخ، مجلة العربي، العدد404، يوليو 1992، ص 41،42.

62 – المصدر نفسه، ص42

63 – المصدر نفسه، ص43

64 – المصدر نفسه، ص48،49.



المصدر
المصدر الأصلي هو المعني بصحة الخبر من عدمه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى