الزلزال السوري والهوس بالإسلامية
اشراق العالم 24 متابعات عالمية عاجلة:
نقدم لكم في اشراق العالم24 خبر “الزلزال السوري والهوس بالإسلامية”
لم يقف الأمر عند ذلك؛ بل كانت فرصة لجميع الأطراف: إسلامية ويسارية وقومية وليبرالية، لاستدعاء ثارات الماضي القريب، واستقطابات ما بعد الربيع العربي التي تصورنا أننا قد تجاوزناها، أو على أقل تقدير أننا أمام أسئلة جديدة وأوضاع مستحدثة تستدعي إعادة هندسة الاستقطابات كما كتبت مبكرًا.
لكنه الواقع العربي الذي استقال فيه معظمنا من وعن الفعل، فانشغلنا بالجدل. تراجعت قدرتنا على التأثير على صنع السياسة العامة فزاد الاستقطاب. افتقرت نخبنا إلى التجديد الفكري فاستدعت إشكالات الماضي المرتحل دون تبصر بالجديد القادم.
اجتمعت رغبة البعض في تصاعد الاستقطاب مع الاستحواذ على المنافع والاستمرار في الحكم، أو على أقل تقدير صرف الانتباه عن طبيعة الحكم ونمط توزيع الثروة، باعتبارهما من أهم ما يشغل الجمهور العربي – وفق استطلاعات الرأي العديدة.
عادة ما تستوقفني هذه الظواهر متأملًا، لعلها تساعدني على فهم علاقة ظواهر لا يبدو بينها رابط ببعضها البعض، أو صياغة مفاهيم تساعدنا على التحليل أو تكون أكثر تفسيرية.
في العقد الأول من الألفية قدمت مفهوم “فائض التدين” للتعبير عن تصاعد ظواهر التدين التي اتخذت مظاهر متباينة، ولكن ما يجمعها أنها تحولت إلى منظور متكامل لتقييم الفعل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، كما يحدد نظرتنا للعالم، والآخر المختلف عنا في نمط تدينه، أو تباينت عقيدته عن عقيدتنا.
أما اليوم فإن ما أقدمه هو مفهوم “فائض الإسلامية” الذي يصلح – في تقديري – نموذجًا تفسيريًا لفهم جزء من جدلنا العام حول الثورة السورية.
يكمن الجذر الأعمق لفائض الإسلامية في الهوس الغربي بالإسلام الذي يخلق نقاطًا عمياء في نظرتنا. تمخض عن هذا الفائض نوع معين من الجدل العام الذي يمكن وصفه بأنه “سياسة الكلمات”.
الهوس الغربي بالإسلام
هناك هوس غربي بالإسلام يخلق نقطة عمياء في تحليل بعض أهم التطورات الحالية في الشرق الأوسط الكبير (بتعبيرهم والذي يمتد حتى أفغانستان ويشمل منطقتنا أيضًا). تكتسب هذه المبالغة بُعدًا إضافيًا يتعلق بتهديد الديمقراطية الغربية والنظام الدولي الليبرالي وحقوق ومكتسبات المرأة والوجود المادي للتطرف العنيف.
خطا دبلوماسيون من واشنطن والعواصم الأوروبية خطواتهم الأولى إلى دمشق هذا الأسبوع، في محاولة لتقييم ما إذا كان بوسعهم أن يثقوا في الحكومة الانتقالية الناشئة التي تشكلها هيئة تحرير الشام.
بالطبع؛ كانت مسائل الديمقراطية والحكومة الشاملة لكل مكونات سوريا، وحقوق النساء والأقليات في قلب المناقشات. هذا أمر مفهوم وضروري، لكن التساؤل الأساسي: هل يحق للغربيين أن يتساءلوا عن هذا بعد ما جرى في غزة، وما يجري في أوطانهم من ممارسات إقصائية تحت وطأة تصاعد اليمين؟
هناك ميل غربي إلى المبالغة في تقدير دور الإسلام كمحرك مركزي لجميع المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية في الشرق الأوسط. ففي زمن الترامبية في أميركا والشعبوية الوطنية في جميع أنحاء أوروبا، ترى أغلبية كبيرة أن الإسلام مصدر لانعدام الأمن والعلامة الأساسية للهوية والصراع في المنطقة، وفي جميع القضايا الإقليمية تقريبًا، بدءًا من التحول السياسي في تركيا في عهد أردوغان، أو في مصر بالإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين. أو من صعود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا إلى الصراع الطائفي السني الشيعي، وأخيرًا وليس آخرًا؛ ما يجري في سوريا.
أو من صعود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا إلى الصراع الطائفي السني الشيعي، وأخيرًا وليس آخرًا؛ ما يجري في سوريا.
غالبية الغربيين ينظرون إلى المنطقة من منظور الإسلام، وحكمهم كئيب للغاية، فهو لا يتوافق مع الديمقراطية والعلمانية والحداثة والمساواة بين الجنسين والعديد من القيم التقدمية الأخرى التي يتبناها الغرب. ويُنظر إليه أيضًا على أنه دين استبدادي وغير متسامح وعنيف ومقاتل، ونادرًا ما يُنظر إلى مثل هذه التعميمات الكاسحة على أنها تأكيدات سطحية تستند إلى الحتمية الدينية والثقافية.
يلاحظ أنه تم استبدال الكليشيهات الاستشراقية التي تصور الإسلام، ليس فقط على أنه دين، و«طريقة حياة» بالرأي القائل بأن الإسلام هو المشكلة. هذه الرؤية تحمل الدين والعنف الديني المسؤولية عن معظم المشاكل الأمنية، وتقريبًا جميع التحديات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية في البلدان الإسلامية.
المشكلة مع هذه التصورات أنها تستند إلى الحتمية الثقافية والدينية، وترى مستقبل المسلمين هو الماضي الغربي الذي يجب أن يسلكوه كما سلكه الأولون الغربيون. وإذا كان الإسلام هو المشكلة الرئيسية، فلماذا لا يقدم أيضًا الحل الرئيسي؟
هذا النوع من الحتمية الإسلامية يتسم بالثبات رغم التغير الذي هو سمة العصر. ووفقًا لهذه الوصفة، فإن المطلوب لإنقاذ الإسلام من نفسه؛ هو مارتن لوثر المسلم الذي سيقوم بإصلاح وتحديث وتعديل الإسلام على غرار الصدام الأوروبي في القرن السادس عشر بين البروتستانتية والكنيسة الكاثوليكية.
إن الافتراض بأن الإسلام هو المصدر الرئيسي للهوية السياسية، وبالتالي السبب الرئيسي لجميع المشاكل في الشرق الأوسط، يحرك إستراتيجيات مضللة في مجالات حساسة، مثل: مكافحة التطرف، أو تعزيز الديمقراطية، أو حقوق النساء والأقليات.
يغيب عن هذا نظر أعمق للسياقات والبنى التي تنتج الممارسات في هذه القضايا. صحيح أن التطرف العنيف والأنظمة الاستبدادية المختلة هي مشاكل حقيقية في العالم الإسلامي، لكن مثل هذه الحقائق السياسية تحتاج إلى تحليل موضوعي دون اللجوء باستمرار إلى الحتمية الثقافية والدينية الكسولة.
الهوس بالإسلام يخلق وهمًا بصريًا كبيرًا يشوه الحقائق على الأرض، الحقائق التي تتطلب تحليلًا سياقيًا تفصيليًا. كما أن سراب الإسلام هذا، في الوقت الحالي، يغذي التوتر والاستياء والاستقطاب المتزايد بين الغرب وعالم الإسلام، وإذا لم يتم التصدي له، فإنه سيؤدي إلى تفاقم الديناميكيات القوية بالفعل للإسلاموفوبيا.
الهوس بالإسلامية
إذا كان الهوس الغربي بالإسلام يخلق نقاطًا عمياء في التحليل لا تسمح له بالبحث في سياقات الظواهر، وتعمق من سياسات الهوية وصراعاتها، فإن الهوس بالإسلامية يؤدي إلى التغطية – بتعبير إدوارد سعيد في كتابه الهام “تغطية الإسلام”- على عديد من القضايا والموضوعات. معه نصبح بإزاء إخفاء وتغطية كاملة شاملة، ولكن على نحو مضلل؛ لأنها تمنحنا شعورًا بالفهم دون أن تعلمنا بقدر كافٍ، ونصبح بين تغطية الظواهر والتغطية عليها.
هل توقف أحد أمام منظر الدمار في مخيم اليرموك في دمشق وقارنه بما يحدث في غزة، وفسر لنا لماذا دولتان، يفترض إن إحداهما محسوبة على محور المقاومة، والأخرى يفترض أنها دولة وطنية، تحارب الدولة الأخرى التي هي محتلة وعنصرية وكولونيالية، وتبيد شعبًا يبحث عن حقوقه؟ هل يمكن أن يساعدنا أحد في تحليل كيف تنتج دول – لا أقول من طبائع مختلفة بل من طبيعة واحدة – ظواهر بهذا الشكل؟
الهوس بالإسلامية بمعنى اختزال الظواهر المركبة وتبسيطها في البحث عن مدى حضور الإسلامية فيها، وعلاقتها بالإسلاميين أو علاقة الإسلاميين بها، يستند إلى أسس أربعة:
1- استثنائية الظاهرة الإسلامية: وهنا تكمن المفارقة حين يتواطأ الإسلاميون ومنتقدوهم على حد سواء على تقديمها باعتبارها استثناء – وإن اختلفت الدوافع بينهما. فالأتباع يريدون أن يضيفوا عليها نوعًا من القداسة، في خلط واضح بين النص المُنزَّل والتعبير عنه خطابًا وممارسة. أما المعارضون فقد أرادوا الإقصاء بالتشكيك في قدرة الإسلاميين على الاندماج في النظام السياسي؛ سبيلًا لحرمانهم من الوجود.
ما أحب أن أشير إليه هو نهاية الاستثنائية الإسلامية هذه. فالانطباع الرئيسي الذي تخرج به بعد الانتهاء من متابعة أداء الإسلاميين – وهيئة تحرير الشام جزء منهم- السياسي في الربيع العربي – خاصة في موجته الثانية 2019، وقد بات بعض أطرافهم في الحكم أو مساندين له، هو تطبيع هذه الحركات مع الواقع بكل ما تحمله هذه الكلمة من دلالات سلبية وإيجابية، بما يمكن معه القول بانتهاء «الاستثنائية الإسلامية» التي حاول – كما قدمت- أن يصمها بها تابعوها ومعارضوها على حد سواء.
الإسلاميون في السلطة – كما في المعارضة – يتصرفون مثل الفواعل السياسية الأخرى حين تحركهم إدراكاتهم لمصالحهم الذاتية التي يبغون تحقيقها، ويبنون تحالفاتهم ليس وفق أسس أيديولوجية.
كان التنافس فيما بينهم أشد وطأة من تنافسهم مع غيرهم. والأهم أن الربيع العربي بموجتيه أثبت بما لا يدع مجالًا للشك أنهم لا يملكون مشروعًا فارقًا للسلطة، بل يتصرفون كأي حاكم عربي: الانتهازية السياسية التي طبعت تجربة وممارسة كثير منهم في الحكم وخارجه، وتقلبات مواقفهم وتحالفاتهم، وتعدد انتقالاتهم من خندق إلى آخر، وتفشي مظاهر الفساد في بعض أوساطهم أسقط عنهم لباس «التقوى»، وأزاح من فوق رؤوس قادتهم «هالة القداسة».
2- الحتمية الثقافية والاجتماعية: فالإسلاميون في كل مكان يتصرفون بالطريقة نفسها، أو على حد تعبير البعض فإن «الطبع يغلب التطبع». وهم كيان واحد لا توجد فروق بينهم ولا صراعات وتوترات داخلهم، ولا تجري عليهم ما يجري على غيرهم من تطورات وتغيرات وتحولات. وإن كانت، فلا بحث عن السياقات والأسباب التي تدفع إلى ذلك، وإنما هي – أي التغيرات – تقية أو انتهازية سياسية أو تغيير تكتيكي. يعمق من ذلك غياب المقارنة بينهم وبين غيرهم من الفواعل السياسية والاجتماعية الأخرى التي بها نكتشف أوجه التشابه والاختلاف فيما بينهم.
3- الاختزالية المفرطة الممتزجة بنبرات توكيدية: فالواقع المعقد يتم تبسيطه بما يناسب المزاج العام، ويجري تقديم حلول شاملة لمشاكل تفصيلية معقدة. وثمّة إجماع على استخدام كباش فداء تُلقى عليهم تبعات ما لا يروقنا في الواقع.
المناقشة تتسم بالتعميم وفق منطق الصناديق المغلقة والتصنيفات الجاهزة والصور النمطية دون البحث في التفاصيل ورسم الخرائط. وغياب المعلومات الدقيقة، وبناء علاقات سببية بين ظواهر من طبائع مختلفة، مع صياغة الأسئلة الخاطئة من قبيل: «هل سيكون حكم سوريا مثل أفغانستان/ طالبان؟» بدلًا من الحديث عن التداعيات الجيوستراتيجية لما جرى في سوريا، وموقع الإسلاميين منها وفيها.
4- غياب أي خطاب للنقد الذاتي: فالكل يلقي بالتبعة والمسؤولية على الآخر دون حديث عن مساهمته فيما آلت إليه الوقائع والأحداث. ففريق يرى أن الإخوان هم المسؤولون في تونس عن عودة الاستبداد. لو عدنا إلى ما جرى وتتبعنا مسار خطايا «النهضة» ومناوراتها في العشرية الأخيرة سنصل إلى أن «الانقلاب على المسار الدستوري والديمقراطي» صُنع بأيدٍ إخوانية. وأن تونس تجني ما زرعه إخوان تونس كما جنى المصريون ما زرعه إخوان مصر، وأن المشهد السوري رأيناه من قبل في فيلم سابق للإسلاميين.
في المقابل يرى الفريق الآخر أن العلمانيين – هكذا كيانًا واحدًا دون تمييز بينهم – هم المسؤولون عن استدعاء الجيوش وعودة الدولة العميقة لتحكم وتتحكم ولتنقلب على المسار الديمقراطي. وهم مرشحون في سوريا لقيادة الثورة المضادة التي بدأت أولى حلقاتها في تظاهراتهم أواخر الأسبوع الماضي في ساحة الأمويين.
للمفارقة، نجد بحثًا غربيًا في سوريا عن المصالح رغم تصنيف الجولاني وهيئته على قوائم الإرهاب. تبحث هذه القوى عن التزامات بالتخلص من الأسلحة الكيماوية المتبقية من حكم الرئيس السابق بشار الأسد الاستبدادي، وحماية النساء والأقليات، ومحاربة المتطرفين مثل تنظيم الدولة الإسلامية الذي قد يزدهر في ظل الفراغ في السلطة في سوريا.
كما تريد هذه القوى إعادة بعض الملايين من اللاجئين السوريين الذين فروا من الحرب. لا تريد الدول الغربية أن تقع الحكومة السورية الجديدة تحت سيطرة قوى أخرى لها مصالح هناك مثل روسيا وإيران.
هكذا؛ فالحكومات الغربية مشغولة بالمصالح وتغطيها بخطاب الحقوق؛ بينما انشغلنا نحن بخطابات الهوية والثقافة.
سياسة الكلمات
الهوس بالإسلامية تمخض عنه نمط جديد من العلاقات أطلق عليه توماس فرانك وإدوارد ويسباند اسم «سياسة الكلمات»، كما أوردها إدوارد سعيد في تحليله لتغطية الغرب للإسلام.
المماحكة والأخذ والرد بين من يتبنى الإسلامية ومن يضادها، والتحدي والرد عليه، وفتح الباب أمام فضاءات خطابية معينة وإغلاقها أمام أخرى، كل هذه الأمور تكوّن سياسة الكلمات التي يقوم كل طرف عبرها بابتداع ظروف، وتبرير أفعال وإجراءات، وإعاقة خيارات، والضغط على الآخر كي يتبنى بدائل محددة.
الأهم أنه يؤدي إلى إعادة إنتاج نفس الكلمات والقضايا برطانة جديدة صارت بها اللغة فارغة لا تعبّر عن الأشياء كما هي، بل تجرّدها من واقعيتها وتحوّلها إلى سديم من المعاني الهائمة، برغم أن حاجة الناس باتت ملحة إلى لغة واضحة محددة وألفاظ دقيقة المعاني، حتى لا تتصادم المفاهيم ويتحول التعبير عن قضايا الناس وهمومهم إلى رطانة لا يعرفها إلا القليل أو لا يكاد يعرفها أحد.
لولا هذا الاستخدام الخاطئ والبعيد عن حقيقة الخطاب لما استشرت الخلافات حول القضايا المتفق عليها لدى الجميع.
قبيل مجيء الوفد الأميركي إلى دمشق؛ اندلعت مظاهرات في ساحة الأمويين تطالب بالدولة العلمانية، في وقت اختفت فيه الدولة السورية عن الوجود تمامًا.
سياسة الكلمات تؤدي إلى عدد من الظواهر المتشابكة مع بعضها البعض أهمها:
1- الاستقطاب على قضايا لا علاقة لها بأولويات الناس: هذا هو الانفصال الذي جرى في تونس على مدار العشرية الأخيرة بين الاحتجاج الاجتماعي المتصاعد، وبين التعبير السياسي الذي تجسده المؤسسات السياسية المختلفة من أحزاب وبرلمان وطبقة سياسية، وهو المسار الذي يمكن أن تسلكه الثورة السورية شبرًا بشبر، مع إشكال أكبر، وهو أن المؤسسات أصلًا تحتاج إلى بناء.
2- سياسة الكلمات المستندة إلى الهوس بالإسلامية تقوض الممارسة السياسية، حين تجعل منها طبيعة ثقافية تدور في أروقة النخب وبعيدة عن أية جذور اجتماعية، مما يسمح بالعصف بها في أية أزمة ومن قبل الأقوياء دائمًا.
هذه النوعية من السياسة تغطي على سؤال يجب أن يكون التركيز عليه: كيف يمكن للديناميكيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية أن تغير الميول الثقافية والأيديولوجية؟
عندما تتفوق الإسلامية على السياسة، يكون كل شيء مختلفًا: فلا حديث عن العقود الاجتماعية غير الاجتماعية التي تمارسها شبكات الامتياز بتحالفاتها الإقليمية والدولية.
ولا تتم إعادة هندسة الاستقطاب على أسس ديمقراطية، إلخ. وبدلًا من ذلك، تهيمن الحروب الثقافية على السياسة، ويصبح الصدام بين القيم الإسلامية وغيرها من القيم الأخرى هو الموضوع المفضل للجميع، برغم أن الاستناد إلى الدين في الواقع ينتج قيمًا متعددة وفي أحيان كثيرة متضادة برغم ديباجتها الدينية.
3- تغذي سياسة الكلمات سياسات الهوية التي تنشأ حين ينجذب كثير من الناس نحو مجموعات مألوفة ومتشابهة التفكير من أجل المجتمع والأمن، بما في ذلك الهويات العرقية والدينية والثقافية، وكذلك التجمعات حول المصالح والأسباب، مما يخلق تنافرًا بين الرؤى والأهداف والمعتقدات المتنافسة.
كما يتم إنشاء مزيج من الهويات العابرة للحدود، وانبعاث الولاءات الراسخة، وبيئة المعلومات المنعزلة، وتباين خطوط الصدع داخل الدول، وتقويض القومية المدنية، وزيادة التقلبات.
من الخطورة في سوريا اليوم أن تتمحور السياسة بشكل متزايد حول مسألة الهوية البدائية بدلًا من الانحيازات الاجتماعية/ الاقتصادية والتي يتم التعبير عنها في برامج سياسية.
من المفارقات أنه تم الحديث عن تاريخ أبو محمد الجولاني؛ في الوقت الذي اختفت – فيما أعلم- أية مناقشة للتوجه نحو الاقتصاد الحر في سوريا ما بعد الأسد، برغم أن هذا التوجه أخطر على المواطنين السوريين من كثير من القضايا الأخرى.
عندما تخدش السطح، يصبح من الواضح أن بعض المشاكل الثقافية والهوية التي تستقطب السياسة لا تزال لها جذور اجتماعية واقتصادية أعمق تحركها وتغذيها. وبهذا المعنى، يجب وضع سياسات الهوية في سياق اجتماعي واقتصادي مناسب، وسيكون من قبيل الخطأ الفادح أن نراها منفصلة تمامًا عن الحقائق المادية، وفي القلب منها سياسات التوزيع التي ترسمها التوجهات الاقتصادية التي يتبناها الحاكمون الجدد في سوريا اليوم.
إن هوسنا بالإسلامية لن يجعل صراعاتنا أبدية ومستمرة فحسب، بل سيؤدي إلى مزيد من تسطيح الجدل العام وافتقاره إلى المقومات الأساسية من تعددية وتنوع بما تتضمنه من قدرة على التفاوض والمساومة والوصول إلى حلول وسط.
الجدير بالذكر أن خبر “الزلزال السوري والهوس بالإسلامية” تم نقله واقتباسه والتعديل عليه من قبل فريق اشراق العالم 24 والمصدر الأصلي هو المعني بما ورد في الخبر.
اشترك في نشرة اشراق العالم24 الإخبارية
الخبر لحظة بلحظة
اشرق مع العالم
اقرأ على الموقع الرسمي
روابط قد تهمك
مؤسسة اشراق العالم خدمات المواقع والمتاجر باك لينكات باقات الباك لينك
اكتشاف المزيد من اشراق العالم 24
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.