قصيدة “على لسان أبى” للشاعر محمد عبد الله البريكى
اشراق العالم 24 متابعات ثقافية:
ننشر قصيدة للشاعر محمد عبد الله البريكى، تحت عنوان “على لسان أبى”..
على اتِّساعِ مَدارِ الشِّعْرِ كانَ أبي
مجرَّةً تُوقِدُ الآفاقَ والشُّهُبا
ولا يزالُ ضفافًا تستريحُ على
جَمالِهِ أحْرُفٌ مشحونةٌ طربا
وحين يغلبُني شوقي لرؤيَتِهِ
أصيرُ كالمتنبّي قاصِدًا حَلَبا
أتيتُهُ غيمةً بالشعرِ سابحةً
فجاءَتِ الريحُ بي في كونِهِ سُحُبا
يقولُ.. والنخلُ يرخي فوقَنا سَعَفًا
وصبرُنا في جذوعِ النخلِ قَدْ صُلِبا
بُنيَّ قَدْ لا ترى سُقْمي ولا وَجَعي
أَخْفَيْتُ عَنكَ لِكَيْ لا تَحْمِلَ التَّعَبا
أنامُ والدَّمْعُ فَوْقَ الخَدِّ يُحْرِقُني
وإنْ صَحَوْتُ مَسَحْتُ الدَّمْعَ واللَّهَبا
وقَدْ كَتَمْتُ سُعالي رُغْمَ شِدَّتِهِ
لأرْفَعَ اللَّوْمَ والتَّقْصيرَ والعَتَبا
وكنتُ أعجِنُ كفّي ثمَّ أخْبِزُهُ
وكنتُ أجعَلُ أضلاعي لهُ حَطَبا
وكي تنامَ بلا جوعٍ تُصارعُهُ
جعلتُ وقتي نخيلًا تُسقِطُ الرُّطَبا
وكَيْ تكونَ كَبيرًا قُلتُ: لَيْسَ لهُ
في عَطْفِهِ شَبَهٌ والعَطْفُ ما ذَهَبا
لأنَّ مَنْ لَم يَكُنْ أبناؤُهُ مَثَلًا
فيما يُحدِّثُ عَنْهم.. هَلْ يكونُ أبــا!
إنّي أفتِّشُ كَيْ ألْقاكَ عَنْ سَبَبٍ
يُريحُني مِنْ عَنا شَوْقي.. فَكُنْ سَبَبا
وكُنْ لِضَعْفِ اصطِباري يا بُنيَّ عَصا
تُعَكِّز الصَّبْرَ والإحْساسَ والرُّكَبا
لِكَي أقومَ إلى لُقياكَ مُنْتَصِبًا
كَما تَقومُ إلى الأحْلامِ مُنْتَصِبا
وكي أخبئَ دمعي كنتَ تحضُنُني
وخلفَ ظهرِكَ كانَ الدمْعُ مُنْسَكِبا
فليسَ حزنًا على لقياكَ يا ولدي
لكنّهُ الشوقُ زفَّ الدمْعَ وانتحَبا
وقد تذكّرتُ من قد كانَ لي سندًا
وكانَ يحملُ عني الهمَّ والنّصَبا
وإن تعثّرتُ وهو الكهلُ.. يحملُني
كما حملتُ على أحلامِهِ الكُتُبــا
لكنَّهُ العمرُ قد أودى بهِ وغدا
هذا الوجودُ بُعيدَ النأيِ مكتئِبا
وعشتُ لا سِرْجَ لي كي أمتطي فرحي
ولا بُراقَ يشقُّ الريحَ والسُّحُبا
مُكَبَّلًا دونَما كفٍّ لتَسحَبَني
من قاعِ حزني فوجهُ الحزنِ ما كَذَبا
فإنْ ترجَّلَ عن سرجِ الحياةِ أبٌ
سنفقدُ الخيرَ والأفراحَ والطربا
وجِئْتَني أيُّها الغافي على هُدُبي
حُلْمًا يهُزُّ لساعاتِ اللِّقا الهُدُبا
فاجلسْ مكانَ أبٍ يحنو على ولدٍ
يخافُ إنْ عمرُهُ أضنى خُطاهُ حَبــا
فإنني بكَ طفلٌ شابَ مَفْرِقُهُ
وازدادَ من بِرِّكَ الحاني عليهِ صِبــا
فالكونُ دونَ أبٍ لا شيءَ ياولدي
فكُنْ بوصلِكَ لي في ذا الوجودِ أبــا
فقلتُ: يا شعرُ أمّا بعدُ.. قافيتي
على لسانِ أبي دوَّنْتُها خُطَبا
والقاعةُ الآنَ قالتْ: إنَّ قافيةً
يغيبُ عنها أبٌ لَنْ تُسْقِطَ الرُّطَبا
———–
لَمْ يُهَيِّئْ لدمعتيهِ الكلاما
فجفا النومُ دربَهُ وتعامى
وعلى بابِ ليلِهِ كانَ صبًّا
عن ضجيجِ الرُّؤى توارى وصاما
وأتاني يقولُ: مرَّ نهارٌ
بين عينيَّ قَدْ أقامَ الخِصاما
فَلِمَ الآنَ يا صديقي دعاني
ولِمَ الآنَ في المساءاتِ حاما
وتَجَلَّتْ حَديقةٌ في فِراشي
فَجَعَلْتُ الفِراشَ فَوْقي غَماما
ثُمَّ لَمّا أَفَقْتُ جِئتُ بِقَلْبٍ
حِينَما جاءَ طارَ مِنّي حَماما
هكذا القلبُ حينَ يعشقُ يمضي
بالمحبّينَ في الحياةِ هُياما
دونَما طعنةٍ نموتُ اشتياقًا
دونَ سهْمٍ بِجُرْحِهِ نترامى
يا صديقي.. وأيُّنا سوفَ ينجو
إنَّ قيدَ المُريدِ باتَ لِزاما
فَدَعِ اللومَ.. إنَّ قلبي سعيدٌ
فلقدْ جاورَ السكونَ وناما
ثمَّ لمّا استفاقَ أقبلَ للـ
حيِّ يبني بدمعتيهِ الخِياما
للفقيرِ الذي تضوَّرَ جوعًا
ولدمعِ الجريحِ يُهدي الخُزامى
للدَّكاكينِ كمْ يُقَدِّمُ خُبْزًا
ساخِنًا في يديهِ يُجْلي الظَّلاما
ويُغَنّي لكلِّ صوتٍ جديدٍ
ويُغَنّي لأصدقائي القُدامى
ويُغنّي لنخلةٍ تمنحُ التَّــ
مْرَ وللعزْفِ يبني مُقاما
وبحرفِ القصيدِ أمَّ طيورًا
فكأنَّ النشيدَ كانَ إماما
وكأنَّ النهارَ طائرُ رُخٍّ
قامَ من موتِهِ يَزُفُّ الغراما
وكأنَّ الفِراشَ كانَ رمادًا
هلْ أنا كنتُ في الفِراشِ حُطاما؟
: لمْ تكنْ.. قالَ صوتُ طيرٍ بِقُربي
ولهذا استفاقَ شعري وقاما
يا صديقي وجذوةُ الشعرِ فينا
تشعلُ الليلَ موقدًا للنَّدامى
كمْ تعِبْنا منَ الفُراقِ صديقي
كمْ نزعْنا منَ الصُّدورِ سِهاما
إنّما الشعرُ يا صديقُ نديمٌ
وبِهِ في القلوبِ نِلْنا احتراما
نبَتَتْ غابةٌ منَ البوحِ فينا
فَتَنامى الكَلامُ عامًا فَعاما
والشعورُ الذي نُرَبّيهِ دوْمًا
يا صديقي بنبضِنا يتنامى
فاحملِ الدربَ في الحقيبةِ عنّي
وانتخِبْني مَسارِحًا وكلاما
فأنا قدْ نجحتُ في البحثِ عنّي
وعنِ الوصلِ قد أزحتُ الرُّكاما
عائِدٌ من غيابتي لستُ أدري
أيَّ عيرٍ تُعيرُ صمتي اهتماما
فَسَلامٌ على الرِّجالِ جَميعاً
وعلى البابِطين أُهْدي السَّلاما
وعَلَيْنا النِّساءُ هُنَّ سَلامٌ
وبِهِنَّ القَصيدُ فينا تَساما
روابط قد تهمك
مؤسسة اشراق العالم خدمات المواقع والمتاجر باك لينكات باقات الباك لينك
اكتشاف المزيد من اشراق العالم 24
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.