موجز تاريخ تجنيد الحريديم.. من التسوية إلى الحسم
اشراق العالم 24 متابعات عالمية عاجلة:
نقدم لكم في اشراق العالم24 خبر “موجز تاريخ تجنيد الحريديم.. من التسوية إلى الحسم”
ولم تضغط على هذه المجموعة من أجل الخدمة العسكرية في الجيش، فضلا أن هذه المجموعة رفضت فكرة التجنيد لدوافع دينية وأيديولوجية، بالإضافة إلى أن حاجة الدولة والجيش لهذا القطاع في المجهود الحربي لم تكن كبيرة أو مُلحّة، نظرا لقلة عددهم، ومعدلات التجنيد العالية في صفوف الشرائح المختلفة في المجتمع الإسرائيلي.
منذ التسعينيات بدأت هذه المسألة تأخذ حيّزا واسعا في السجال السياسي والاجتماعي الإسرائيلي، وارتفعت الأصوات المطالبة بتجنيد الحريديم تحت دعاوي المساواة في تحمل العبء الوطني عسكريا، واجتماعيا واقتصاديا. وفشلت كل الحكومات في التوصل إلى صيغة مقبولة للأطراف، فضلا عن صيغة قانونية توافق عليها المحكمة العليا لتجنيد الحريديم، وظل هذا الموضوع عالقا بين مد وجزء بتغير الحكومات الإسرائيلية منذ أكثر من 3 عقود.
وجاء العدوان على غزة ليعيد هذه القضية إلى الواجهة من جديد بحدة أكبر من السابق، والمطالبة بحسم هذه المسألة، إذ تطالب الأحزاب الدينية التي تمثل الحريديم بحسمها لصالحهم، في حين تطالب قطاعات اجتماعية وسياسية بحسمها ببدء مسار يفضي إلى تجنيد الحريديم في الجيش الإسرائيلي بشكل متساو مع القطاعات الأخرى.
تجادل هذه المقالة أن مسألة تجنيد الحريديم لم تعد تقبل التسويات الاجتماعية والسياسية كما كان في الماضي. وفي الوقت نفسه، فإن حسمها لصالح أحد الأطراف من شأنه أن ينتج أزمة اجتماعية كبيرة داخل المجتمع الإسرائيلي ستعمق من الاستقطاب والانقسام في المجتمع الإسرائيلي، وستكون لها تداعيات عميقة على تماسك ووحدة المجتمع.
الحريديم في إسرائيل
تمر إسرائيل بديناميكية مثيرة بين التدين والعلمنة في المجال العام نابعة من التداخل في فترة تبلور المشروع الصهيوني بين القومية والدين لدرجة التطابق في تعريف مفهوم القومية اليهودية، وفي الوقت نفسه حالة التوتر بين التدين والعلمنة في مرحلة “دولة إسرائيل”.
انقسم التيار الديني عموما من المشروع الصهيوني إلى تيارين، تيار يعارض الصهيونية باعتبارها تدنيسا للمقدس الديني، واستغلالا لليهودية من أجل تحقيق خلاص سياسي دهريّ خارج اليهودية ومعتقداتها، وتبنى هذا الموقف التيارُ الديني الأرثوذكسي، على تباين مواقفه الصلبة من المشروع الصهيوني، إذ “جاء الموقف […] المعادي للصهيونية من داخل التيارات الدينية اليهودية الرئيسة؛ لا لكونها حركة علمانية يهودية فحسب، فقد وجد كثير من العلمانيين اليهود قبلها، بل لأنها في نظر المتدينين جريمة لا تُغتفر وهي علمنة اليهودية ذاتها بقومنتها (أي بتحويلها إلى إثنية قومية).
في حين تبنى التيار الثاني فكرة الخلاص السياسية الدهرية، واعتبرها جزءا من فكرة الخلاص الدينية، وتبنى هذا الموقف التيار الديني القومي، أو الديني الصهيوني، معتبرا أن المشروع الصهيوني الاستيطاني في فلسطين حلقة من صيرورة الخلاص الدينية، وتمهيدا لها، وأن قيام “دولة إسرائيل” هي جزء من الخلاص المسياني، كما ورد في المقدس الديني اليهودي. بطبيعة الحال، سوف تتطرق الورقة للتيار الأول (الحريدي)، وليس الثاني (الديني الصهيوني)، والذي على عكس التيار الأول يرى في الخدمة العسكرية واجبا دينيا مقدسا، ويندمج أعضاؤه في الجيش الإسرائيلي.
اندمجت التيارات الدينية المركزية في إسرائيل في المشهد السياسي الإسرائيلي الصهيوني العلماني الاشتراكي الذي ميّز هذا المشهد خلال العقدين الأولين من قيام إسرائيل، وجاء الاندماج على شاكلة أحزاب دينية تُمثل قطاعات دينية، فتشكلت أحزاب تُمثل المتدينين الحريديم، مثل أغودات يسرائيل، ويهودات هتوراه، وديغل هتوراه، وحزب مركزي يمثل المتدينين القوميين أو الصهيونيين، وهو حزب “المفدال”. وعلى المستوى السياسي، كانت المهمة المركزية لهذه الأحزاب في العقدين الأولين المحافظة قدر المستطاع على مصالح المتدينين في ما يتعلق بتوفير الميزانيات للجهاز التعليمي الخاص بهم، والحرص على تطبيق التعاليم الدينية الرسمية في الدولة، فازدادت أهمية المؤسسة الدينية الرسمية في مسألة تعريف من هو اليهودي.
تأسست مكانة المجموعة الحريدية في إسرائيل من اتفاق “الوضع القائم” الذي وُقع بين ديفيد بن غوريون وحزب “أغودات يسرائيل” الذي كان يُمثل التيار الحريدي في صفوف اليهود في فلسطين، تم توقيع الاتفاق قبل الإعلان الرسمي عن تأسيس دولة إسرائيل، وذلك لضمان تأييد الحريديم لقرار تقسيم فلسطين وإقامة دولة يهودية.
وقد تعهد بن غوريون أمام ممثلي الحريديم بأن الدولة العبرية سوف تضمن حيزا خاصا للمتدينين، يشمل الاعتراف بيوم السبت عطلة رسمية في البلاد، وتأسيس جهاز تعليمي خاص بالمتدينين، وتأسيس محاكم دينية لتطبيق قضايا الأحوال الشخصية، واعتماد الشريعة اليهودية في تحديد الأكل الحلال (كوشير)، ومع ذلك لم يتطرق اتفاق الوضع القائم للخدمة العسكرية.
لم يتطرق بن غوريون للخدمة العسكرية، لأنه كان يعتقد أن الوقت سيؤدي إلى اندماج الحريديم في المجتمع الإسرائيلي، أو أن أعدادهم سوف تتضاءل، كما أنه لم يكن يعتمد عليهم في المجهود الحربي، وكان يريدهم أن يكونوا جزءا من الإجماع السياسي اليهودي لتأسيس الدولة، وتحييد معارضتهم الدينية والأيديولوجية لفكرة تأسيس دولة لليهود في فلسطين. وواضح أن بن غوريون أخطأ التقديرات في تطور قوة الحريديم السكانية، إذ اعتبر الحريديم أن الوضع القائم يسري أيضا على الخدمة العسكرية، وأنه العقد الاجتماعي الذي نظم العلاقة بينهم وبين الدولة، ولا شك أن اتفاق الوضع القائم يعبر عن فكرة التسويات في العلاقة معهم.
تعتبر دراسة عدد المتدينين في إسرائيل وصفاتهم الديمغرافية من القضايا المختلف عليها في إسرائيل، فهناك تقديرات مختلفة لعدد المتدينين في إسرائيل، وتحديد صفة المتدين عموما. في العموم، يتم تقسيم المجموعات الدينية في المجتمع اليهودي إلى 3 مجموعات أساسية: المحافظين أي أصحاب التديّن المحافظ الشعبي، المتدينين الأرثوذكسيين (الحريديم) من شرقيين وأشكنازيين، أي اليهود المتزمتين دينيا في نمط حياتهم الدينية، والمتدينين القوميين أي أبناء الصهيونية الدينية.
تشير معطيات المعهد الحريدي لأبحاث السياسات إلى أن عدد الحريديم وصل في العام إلى مليون و211 ألفا و668 نسمة، ويشكلون 12.3% من مجمل المواطنين في إسرائيل (العرب واليهود).
ازداد عدد الحريديم في إسرائيل بشكل كبير، وذلك بسبب نسبة التكاثر الطبيعي المرتفعة في صفوفهم، ففي عام 1948 كانت نسبة الحريديم تصل إلى 2.6% من السكان، وارتفعت إلى 4.4% عام 1968، وازدادت إلى 6.5% عام 1988، ووصلت إلى 9.1%، لترتفع إلى 12.3% اليوم. وتوضح هذه المعطيات الزيادة الكبيرة للحريديم في العقود الأخيرة، وذلك رغم التراجع في نسبة التكاثر السكاني بعد عقدين من تأسيس دولة إسرائيل، ولكنها بقيت الأكثر ارتفاعا من بين القطاعات الاجتماعية المختلفة في إسرائيل، ومن بينها الفلسطينيون في مناطق 1948.
يتميز المجتمع الحريدي بكونه مجتمعا فتيّا، إذ تصل نسبة الشريحة العمرية 0-19 في هذه المجموعة إلى 58% من مجمل المتدينين المتزمتين في إسرائيل، مقابل 30% من مجمل السكان اليهود. وتدل هذه المعطيات على أن المجتمع الحريدي أصغر عمرا من المجتمع اليهودي عموما.
في حين تشير المعطيات، التي أوردها تقرير معهد “شموئيل نئمان” في معهد التخنيون في حيفا، إلى أن معدل الزيادة في عدد الحريديم في إسرائيل يتراوح بين 4-7% في السنة، وذلك يعني أن الحريديم يضاعفون عددهم كل 10-16 سنة. وحسب تقرير صدر بعنوان “إسرائيل 2028″، فإنه إذا استمرت المؤشرات الديمغرافية الحالية للحريديم في الاتجاه نفسه، فإن نسبة السكان الحريديم ستشكل عام 2028 نحو خُمس السكان اليهود في إسرائيل، وسيشكل الطلاب الحريديم الذين سيلتحقون بالصف الأول نحو 40% من مجمل طلاب الصف الأول اليهود في العام نفسه.
وحسب توقعات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية المعتمدة على السمات الديمغرافية الحالية للحريديم في إسرائيل، فإن عددهم سيصل عام 2059 إلى نحو 4.1 ملايين نسمة، وسيشكلون نحو 35% من مجمل السكان في إسرائيل، بينما ستشكل شريحة الأعمار 0-19 الحريدية في العام نفسه ما يقارب 50% من مجمل السكان في الدولة (وليس اليهود فقط). وتوضح المعطيات أن معدل التكاثر الطبيعي للمرأة المتديّنة الحريدية يصل إلى 6.5%، مقارنة مع 2.9% في المجتمع اليهودي عموما.
أسباب معارضة الحريديم للتجنيد
هنالك مجموعة من الأسباب التي تُفسر معارضة الحريديم للتجند في الجيش، ويمكن الإشارة إلى أهمها في ما يلي:
-
معارضة أيديولوجية دينية
وهي المعارضة التاريخية والأقدم التي تُشكل أرضية لمعارضة الحريديم للخدمة العسكرية، إذ ترى هذه المجموعة أن الصهيونية تعارض المنظور الديني الأرثوذكسي الذي يعتبر أن خلاص اليهود يكون من خلال عودة “المشيّح” (المسيح اليهودي المخلص)، وأن الصهيونية حركة عارضت الحتمية التاريخية والدينية في خلاص اليهود الذي يجب أن يكون خلاصا إلهيا وليس دنيويا، أو سياسيا. وتعتبر شرائح في صفوف الحريديم أن إسرائيل حالة منفى، وعلى الرغم أن نفي المنفى في المفهوم يكون من خلال العودة إلى “أرض إسرائيل”، فإن نفي المنفى ليس حالة مادية بالأساس، بل نفيّ المنفى يتم من خلال قدوم المسيح المخلص وإقامة مملكته، عندها تتم فكرة نفيّ المنفى، وقد وضعت الحركة الصهيونية هدف نفي حالة الشتات لليهود وتجميعهم في فلسطين، ولكن ضمن مشروع عملي سياسي وقومي، لذلك يعتبر الحريديم أن إسرائيل منفى كما كانوا في الشتات.
-
معارضة اجتماعية وثقافية
تعيش المجموعة الحريدية في أحياء ومدن منفصلة تقريبا عن المجتمع الإسرائيلي الواسع، وتتميز بأنماط حياتية واجتماعية وثقافية مختلفة بدءا من اللباس وانتهاء بالقيم الاجتماعية. وقد استطاعت هذه المجموعة الحفاظ على تمايزها بسبب عدم اختلاطها بالمجتمع الواسع، وحفاظها على ثقافة “الغيتو” -إن صح التعبير- في إسرائيل، في واقع يشبه إلى حد ما واقع الغيتو الانعزالي في أوروبا.
في هذا الصدد، يعتبر الحريديم التجنيد خطرا اجتماعيا وثقافيا، إذ إن الجيش هو المؤسسة المهمة في “بوتقة الصهر” الإسرائيلي التي يلتقي فيها الأفراد من جميع فئات المجتمع، مما قد يؤدي إلى تغلغل ثقافة دخيلة على المجتمع الحريدي ويغيره من الداخل، أو يساهم في اندماج الحريديم في المجتمع الإسرائيلي الواسع.
ولا تتوقف تداعيات التجنيد على الخدمة العسكرية، بل إن الانفتاح على المجتمع الواسع من خلال الجيش سيفتح آفاقا جديدة للشباب الحريدي للانخراط في سوق العمل الواسع، وهو فضلا عن كونه انفتاحا على قيم اجتماعية وثقافية أخرى، فهو يهدد أيضا الأرضية التي يقف عليها المجتمع الحريدي في عدم العمل وتمضية العمر في الدراسة الدينية وتعلم التوراة والعيش على مخصصات اجتماعية من الدولة ومع مؤسسات أهلية داعمة للمجتمع الحريدي. بناء على ذلك، فالانخراط في الخدمة العسكرية يحمل تهديدا اجتماعيا كبيرا للتماسك الداخلي والتمايز الخاص للمجتمع الحريدي عن المجتمع الإسرائيلي عموما.
-
معارضة سياسية
نمت المعارضة السياسية بشكل تراكمي في صفوف الأحزاب الحريدية، إذ إن القوة الانتخابية والسياسية لهذه الأحزاب تعتمد في الأساس على نمط من تصويت الحريديم “القبلي” لهذه الأحزاب من منطلقات الدين والهوية الخاصة. وتعتبر قواعد الأحزاب الدينية الحريدية ثابتة نسبيا، وهي المخزون الانتخابي لقوة الأحزاب الدينية في النظام السياسي الإسرائيلي، لذلك فإن الحفاظ على هذه القاعدة يضمن قوة الأحزاب الدينية وقدرتها على التأثير على تشكيل الحكومة، وتوزيع الموارد المادية.
في المقابل، فإن الأحزاب الدينية تخشى أن تؤدي الخدمة العسكرية إلى تسرب هذه القواعد لأحزاب أخرى، خاصة اليمين الديني القومي أو القومي المحافظ. وإن اختلاط الشباب الحريدي في الجيش ولقاءهم مجندين متدينين آخرين من التيار الديني القومي أو الصهيوني سيؤدي إلى تغيير في نمط تفكير هذا الشباب نحو الخدمة العسكرية والدولة، وسيميلون إلى تأييد الأحزاب الدينية القومية، وهو فعلا ما حدث السنوات الأخيرة مع المتدينين الحريديم القلائل الذين تجندوا للجيش وتحولوا إلى متدينين قوميين يدعمون أحزابا دينية أخرى غير حريدية.
وجراء هذا اللقاء بين الشباب الحريدي المتدين غير الصهيوني والشباب المتدين الصهيوني غير الحريدي، نشأت مجموعة متطرفة في صفوف اليمين تسمى “الحردليم”، وهي جمع بين كلمتين حريديم قوميين. وقد جذبت أحزاب اليمين المتطرف مثل “عظمة يهودية” برئاسة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وحزب “الصهيونية الدينية” برئاسة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش هذا النوع من الشباب. في المجمل، تخوف الأحزاب الدينية الحريدية من الخدمة العسكرية يرتبط بشكل مباشر بخسارة أو ضعف القاعدة الاجتماعية والانتخابية لهذه الأحزاب.
صعود القضية بعد العدوان على غزة
بعد أن ألغت المحكمة العليا قانون التجنيد من العام 2015، بسبب غياب المساواة فيه في ما يتعلق بالخدمة العسكرية، طلبت الحكومات المتعاقبة تأجيل البت بالموضوع، وفي عام 2023، وقبل اندلاع الحرب أمهلت المحكمة العليا الحكومة حتى يوليو/تموز لتشريع قانون الخدمة العسكرية للحريديم، وماطلت الحكومة لذرائع مختلفة، ومع اندلاع الحرب، طالبت المحكمة مرة أخرى بتشريع القانون، وحتى اللحظة لم تنفذ الحكومة ذلك، مما يعني سريان قانون التجنيد الإلزامي العام عليهم، إذا لم تشرّع الحكومة قانونا جديدا.
قبل العدوان على غزة، كانت قضية تجنيد الحريديم تأخذ طابعا اقتصاديا في الأساس، سواء من طرف مؤسسات الدولة أو الشرائح الاجتماعية المطالبة بتجنيدهم. فبالنسبة إلى الدولة، كان منطلقها أن تجنيد الحريديم سوف يمهد لانخراطهم في سوق العمل، وهذا الأمر سيزيد الناتج القومي، ويقلص الفجوات الاجتماعية والاقتصادية، وهو واحد من المعايير المهمة للتدريج الاقتصادي العالمي. وحسب معطيات وزارة المالية، فإن تجنيد الحريديم لمدى السنوات الثلاث الإلزامية سوف يؤدي إلى ربح نحو 42 مليار شيكل للسوق. أما الشرائح التي تتجند للخدمة العسكرية، فاعتبرت أن تجنيد الحريديم سوف سيقلص عدد أيام خدمة الاحتياط السنوية وما تحمله من تداعيات اقتصادية واجتماعية على جمهور جنود الاحتياط، إذ تشير المعطيات إلى أن تجنيد ألف شاب حريدي سوف يوفر 833 ألف يوم في خدمة الاحتياط، ويوفر على ميزانية الدولة ما يقارب 1.3 مليار شيكل في السنة.
بعد اندلاع الحرب على غزة وعلى الجبهة الشمالية مع لبنان، واستدعاء 300 ألف من جنود الاحتياط الإسرائيلي، صعدت قضية تجنيد الحريديم من جديد، وهذه المرة ليس بسبب العامل الاقتصادي، بل تحولت إلى قضية حياة أو موت، فقد قتل خلال العمليات المئات من جنود الاحتياط، فضلا عن الثمن الاجتماعي والاقتصادي الذي دفعه الآخرون.
تشير معطيات مؤسسة التأمين الوطني إلى أن ألف مصلحة تجارية تابعة لجنود الاحتياط أغلقت في الستة الأشهر الأولى للحرب، أي 6% من مجمل المصالح التجارية التي أغلقت، وهو معدل أعلى من معدل المصالح التجارية التابعة لجنود احتياط في السوق. وتتوقع مؤسسة التأمين الوطني أن يزداد هذا العدد خلال عام 2024، وتضيف المعطيات أن نحو 50% من المصالح التجارية لجنود الاحتياط التي أغلقت موجودة في مركز البلاد وتل أبيب. ونحو 25% في الشمال وحيفا، ونحو 13% في الجنوب.
وزاد الغضب الشعبي من موضوع تجنيد الحريديم، بسبب عدم تشريع قانون يعمق من مشاركتهم في الخدمة العسكرية، وفي الوقت نفسه العمل على تشريع قانون يطيل خدمة الاحتياط الحالية، فبدلا من تخفيف عبء خدمة الاحتياط على من يخدم، تعمل الحكومة على إعفاء الحريديم من جهة، وزيادة عبء الخدمة على الباقين.
وفي استطلاع أجرته حركة “بنيما” الاجتماعية، أشار 76% من الإسرائيليين إلى أنهم يؤيدون تجنيد المتدينين، بمعدل ارتفاع 7% بالمقارنة مع التأييد قبل الحرب. وفي توزيع المؤيدين حسب التصويت للأحزاب، فإن 56% من مصوتي الليكود، و-89% من مصوتي “معسكر الدولة”، و87% من مصوتي حزب “هناك مستقبل”، و87.5% من مصوتي “إسرائيل بيتنا” برئاسة أفيغدور ليبرمان يؤيدون تجنيد الحريديم.
وفي صفوف مصوتي مركبات الائتلاف الحكومي اليميني، يشير الاستطلاع إلى أن نسبة الذين يؤيدون تجنيد الحريديم من صفوف مصوتي حركة “شاس” الدينية يصل إلى 26%، في حين تصل النسبة في صفوف مؤيدي حزب يهودات هتوراه إلى 15.8%. في المقابل فإن 59.5% من مصوتي شاس و-66.7% من مصوتي حزب يهودات هتوراه يعارضون تجنيد المتدينين. أما في صفوف مصوتي حزب “عظمة يهودية” برئاسة إيتمار بن غفير، فإنه فقط 37% يؤيدون تجنيد الحريديم، و-42.6% في صفوف مصوتي الصهيونية الدينية برئاسة بتسلئيل سموتريتش.
يبين الاستطلاع أن أغلب الشرائح الاجتماعية الداعمة لمركبات الحكومة الحالية (64 مقعدا) يعارضون تجنيد المتدينين للجيش الإسرائيلي، في حين يظهر انقسام واضح في صفوف مؤيدي الليكود.
علاوة على ذلك، فإن قانون الاحتياط الجديد، الذي قدمه الجيش ووزارة الدفاع، سوف يُسبب ضررا للاقتصاد الإسرائيلي بقيمة 6-8 مليارات شيكل في السنة للناتج المحلي (نحو 2 مليار دولار). ترتبط التداعيات الاقتصادية لمنظومة الاحتياط بقانون تجنيد الحريديم، ففي دراسة أعدها خين هرتسوغ حول التداعيات الاقتصادية لقانون الاحتياط الجديد، تشير إلى أن الضرر لا ينحصر في الإنفاق الحكومي المباشر على رواتب جنود الاحتياط الذين يتركون أعمالهم للالتحاق بالجيش لمدة شهر ونيف في السنة، والتي تقدر بنحو 2.4 مليار شيكل لخزينة الدولة، بل يتعدى نحو الضرر الذي سيلحق بالسوق، وهو ضرر يشمل تراجع الإنتاج في السوق، بسبب خروج الموظفين وأصحاب المصالح التجارية لتأدية خدمة الاحتياط، خاصة أن القانون الجديد يطيل عمر انتهاء خدمة الاحتياط من 40 عاما إلى 45 عاما، وهي السنوات التي يكون فيها معدل إنتاج الفرد الأعلى.
وفي الوقت الذي تم فيه استدعاء 300 ألف جندي وضابط في الاحتياط للخدمة في الجيش بعد اندلاع العدوان على غزة، فإن ممن تم تجنيدهم من الحريديم كان قليلا، وكشف الجيش أن عدد الحريديم الذين تجندوا بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول وصل إلى 1100 حريدي، ومع ذلك أكد الجيش أن معدل تجند الحريديم لم يتغير، إذ أشارت معطيات الجيش إلى أن 540 من الحريديم تجندوا منذ بداية الحرب، في إطار مسار التجنيد الخاص بالحريديم في الجيش، وذلك من بين 66 ألف وصلوا لعمر التجنيد في سنة التجنيد الأخيرة.
وتشير معطيات مراقب الدولة إلى أن 10% فقط من المرشحين للخدمة العسكرية في صفوف الحريديم يتجندون للجيش، إذ يصل عددهم إلى 1200 مجند. وحسب معطيات المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، فإن 1.7% فقط من الرجال الحريديم من الشريحة العمرية 20-24 تجندوا للجيش.
تماطل الحكومة في تشريع قانون لتجنيد الحريديم، وتحاول التوصل لصيغة قانون تكون مقبولة للأحزاب الدينية لضمان بقائها في الحكومة. وعمل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على إزالة العوائق أمام تشريع قانون ينسجم مع مطالب الأحزاب الدينية، ومنها إقالة وزير الدفاع يوآف غالانت الذي كان يعارض تشريع قانون يعفي الحريديم من الخدمة العسكرية وبالذات في سياق التحولات التي حدثت خلال الحرب على غزة، وحاجة الجيش للجنود، وحالة التعب والإرهاق التي أصابت جنود الاحتياط. وكان نتنياهو قد تخلص قبل غالانت من التحالف مع حزب “معسكر الدولة” برئاسة بيني غانتس الذي كان يعارض تشريع قانون يعفي الحريديم من الخدمة العسكرية، وكانت هذه القضية واحدة من الخلافات مع نتنياهو التي أدت إلى خروج غانتس من الحكومة.
خاتمة
أثرت الحرب على قطاع غزة وبعدها في الشمال مع لبنان على قضية تجنيد الحريديم للخدمة العسكرية، فلم يعد المجتمع الإسرائيلي يقبل التسويات في هذه المسألة وجر المسألة دون حل أو التسويف في معالجتها، فضلا عن أن المحكمة العليا ألزمت الحكومة الإسرائيلية بتشريع قانون لتجنيد الحريديم يأخذ بعين الاعتبار المساواة في العبء العسكري حتى لو كان الوصول إليها يتم بشكل تدريجي.
تكمن المشكلة في ظل الحكومة الحالية في أن حسم قضية التجنيد سيخلق معضلات أخرى للحكومة، فحسم التجنيد نحو تحقيق المساواة في الخدمة العسكرية يعني الاصطدام مع مطالب الأحزاب الدينية في الحكومة، والتي قد تخرج منها وتسقطها بسبب تشريع قانون لا يتوافق مع مطالبها. أما إذا حسمت نحو إعفاء أغلب الحريديم من الخدمة، فإن ذلك سيخلق احتجاجا كبيرا في المجتمع وحتى داخل الجيش نفسه، خاصة في صفوف جنود الاحتياط الذين ربما لا ينصاعون لأوامر الاستدعاء للخدمة لشعورهم بالظلم مقابل القطاع الحريدي.
وإنّ تعمق الانقسام حول هذه المسألة في الفترة القادمة سيكون أكبر، فلم تعد المسألة متعلقة بالجانب الاجتماعي والاقتصادي فحسب كما كانت قبل الحرب، بل إنها مسألة حياة وموت، واستعداد الشرائح الاجتماعية التي تخدم أن تضحي بحياتها وتدفع ثمنا اجتماعيا واقتصاديا كبيرا، مقابل شريحة الحريديم التي لا تخدم ولا تعمل وتحصل على امتيازات اقتصادية كبيرة من الدولة.
الجدير بالذكر أن خبر “موجز تاريخ تجنيد الحريديم.. من التسوية إلى الحسم” تم نقله واقتباسه والتعديل عليه من قبل فريق اشراق العالم 24 والمصدر الأصلي هو المعني بما ورد في الخبر.
اشترك في نشرة اشراق العالم24 الإخبارية
الخبر لحظة بلحظة
اشرق مع العالم
اقرأ على الموقع الرسمي
روابط قد تهمك
مؤسسة اشراق العالم خدمات المواقع والمتاجر باك لينكات باقات الباك لينك
اكتشاف المزيد من اشراق العالم 24
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.