ماذا وراء طلب حظر الطيران في السودان؟
اشراق العالم 24 متابعات عالمية عاجلة:
نقدم لكم في اشراق العالم24 خبر “ماذا وراء طلب حظر الطيران في السودان؟”
خفتت تلك الدعوات إلى أن بدأت أصوات في تحالف القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) تجهر بها، ثم صارت مطلبًا جهيرًا، لا سيما في زيارة رئيس “تقدم” الدكتور عبدالله حمدوك إلى بريطانيا خلال الفترة من أكتوبر/تشرين الأول إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2024، حيث أعطى حظر الطيران الأولوية في طلبه، ووضع إمكانية دخول قوات إلى أرض السودان لحماية المدنيين في المرتبة الثانية.
حظر الطيران (no- fly zone) والمناطق الآمنة (safe zone)
المنطقة الآمنة، بحسب تعريف المجلس النرويجي للاجئين، هي منطقة مؤقتة تهدف إلى تأمين وحماية المدنيين وتجنيبهم آثار العدائيات. لم يظهر هذا المصطلح في أدبيات القانون الدولي الإنساني أو المعاهدات الشبيهة، ولكن ظهرت في القانون الدولي الإنساني أشكالٌ من المناطق المحمية، مثل: المستشفيات، والمناطق المحايدة، والمناطق منزوعة السلاح.
أما مناطق حظر الطيران، فهي مناطق يُمنع فيها الطيران العسكري للجهة الممنوعة من الطيران، وغالبًا ما تكون هذه المناطق خاضعة لسيطرتها. وتنفَّذ هذه الإجراءات بواسطة قوة عسكرية أخرى (قوات دولية أو خارجية مفوضة) لأسباب إنسانية أو عسكرية. ويمكن تشبيه تلك المناطق بالمناطق منزوعة السلاح الجوي.
ولا يقتصر الإجراء على منع الطيران أو ضربه عند خرق الحظر، وإنما يتضمن أيضًا توجيه ضربات استباقية وقائية ضد قوات الدولة التي يشملها حظر الطيران؛ بهدف إضعاف قدراتها القتالية.
ولكي تكتسب تلك المناطق الصفة الشرعية والقانونية، ينبغي أن يتم ذلك إما باتفاق أطراف النزاع المسلح، أو بصدور قرار من مجلس الأمن.
برزت هذه الظاهرة في مطلع تسعينيات القرن الماضي، حينما أقامت الولايات المتحدة وحلفاؤها في عام 1991 مناطق حظر طيران على شمال العراق لحماية الأكراد، وفي جنوب العراق لحماية الشيعة. لم يستند ذلك الحظر إلى موافقة أو قرار من مجلس الأمن، مما دفع الأمين العام السابق للأمم المتحدة بطرس غالي إلى وصفه بعدم القانونية.
في عام 1992، أصدر مجلس الأمن القرار 781 بحظر الطيران في البوسنة، وتولى حلف الناتو مراقبة تطبيق ذلك القرار. ومع ذلك، استمرت خروقات القوات الصربية للقرار، حيث بلغت نحو 500 خرق، دون أي رد فعل من قوات الناتو، حتى صدور القرار 816 في مارس/آذار 1993.
ثم صدر القرار 836 الذي أعلن سربرنيتسا منطقة آمنة، لكن ذلك لم يمنع الجيش الصربي من ارتكاب مجزرة مروعة قُتل فيها ما يتراوح بين 7 و8 آلاف مدني تحت سمع وبصر قوات حماية المدنيين على الأرض.
وفي ليبيا، أصدر مجلس الأمن يوم 17 مارس/آذار 2011 قرارًا بحظر الطيران على ليبيا، وتم تطبيق القرار بواسطة حلف الناتو. وقامت قوات الناتو بتوجيه ضربات استباقية ضد القوات التابعة للجيش الليبي، ولم تكتفِ بضرب الطائرات التي تخرق الحظر.
لقد تمت تجارب حظر الطيران في سياقات متعددة، ومن نافلة القول إنها جميعها لم تخلُ من البعد السياسي المباشر وليس الإنساني. فقد انسحبت فرنسا من التحالف الدولي في العراق عام 1996، معلنةً أن الحظر أخذ أشكالًا وأهدافًا تجاوزت الأهداف الإنسانية.
وفي الحرب الأوكرانية، رفض الناتو التورط في حظر الطيران، لا سيما بالنظر إلى امتلاك روسيا أسلحة نووية وقدرتها على إيذاء القوات التي تطبق الحظر. وبغض النظر عن الأبعاد السياسية، فقد فشلت العديد من التجارب في تحقيق أهدافها الإنسانية المعلنة، كما رأينا في النتائج الكارثية لحالة البوسنة على سربرنيتسا.
وكذلك، لم تنجح بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان في حماية المدنيين الذين لجؤُوا إلى مقراتها، ولا في حماية نفسها. وينطبق الأمر أيضًا على حالة بعثة اليوناميد في السودان، التي فشلت في حماية المدنيين في دارفور.
وخلصت دراسة أجرتها جامعة ستانفورد عام 2004، بعنوان “دروس من العراق والبوسنة حول نظرية وتطبيق مناطق حظر الطيران”، إلى أن هناك شروطًا لنجاح أية مهمة لحظر الطيران، منها وجود هيكل قيادة واضح وموحد، إذ إن غياب ذلك في حالة البوسنة أدى إلى الازدواجية وغياب التنسيق، مما انعكس سلبًا على الأداء.
كما أكدت الدراسة ضرورة أن تكون الدول المشاركة في الحظر على دراية بأهداف سياساتها وإستراتيجية الخروج من المهمة (Exit Strategy) مسبقًا، لتجنب مشكلة المراقبة الدائمة (عبر الدوريات). وأشارت أيضًا إلى أهمية الدعم الإقليمي لنجاح أي عملية، مستشهدة بأثر امتناع تركيا عن دعم التحالف في حربه على العراق، مما أدى إلى إعاقة العملية.
ويرى المجلس النرويجي للاجئين أن نجاح المناطق الآمنة يتطلب موافقة جميع أطراف النزاع باتفاق مكتوب ومفصل، أو بقرار من مجلس الأمن الدولي، مع ضمان توفير التمويل والأفراد والتفويض اللازم، وأن تكون العملية ذات طبيعة مدنية بحتة، وأن يكون دخول المدنيين إلى المناطق الآمنة طوعًا وليس جبرًا.
أما المحاذير التي تصعّب نجاح المناطق الآمنة فهي كثيرة، منها صعوبة الوصول إليها في ظل غياب الاتفاق بين الأطراف، وكذلك مخاطر قربها من مواقع المتقاتلين والبنى التحتية. ومن المحاذير أيضًا احتمال النظر إلى المدنيين خارجها على أنهم جزء من المقاتلين أو المتعاونين.
وهناك مخاطر استخدام الأطراف المناطق الآمنة كمخازن للسلاح، مما يعرض المدنيين لأخطار أكبر، أو استغلالها كتكتيك سياسي لإخلاء أراضٍ واحتلالها وتهجير السكان. ويضاف إلى ذلك عدم رغبة أو قدرة قوات الحماية على التصدي للهجمات وحماية المدنيين.
وقد رأينا عجز قوات اليوناميد في دارفور وعدم رغبة أفرادها في حماية المدنيين، حيث ظلت تقبع في ثكناتها، وتعجز عن التصدي للهجمات الواقعة عليها هي نفسها. بل إنها كانت تعتمد في تحركاتها على استصدار إذن من الحكومة، بينما كان من المفترض أن تأتي لحماية المواطنين من هجمات الحكومة.
من المهم الإشارة إلى التقرير الذي قدمته لجنة تقييم بعثة اليوناميد يوم 29 ديسمبر/كانون الأول 2021، بالرقم S/2021/1099، للأمين العام، والذي أحاله بدوره إلى مجلس الأمن. ذكر التقرير أن البعثة عانت من العديد من الإخفاقات، حيث فشلت في حماية المدنيين في كثير من الحالات، بل وفشلت أيضًا في حماية نفسها من الهجمات، إلى جانب فشل الدور السياسي للبعثة في التوصل إلى حل.
واختتمت اللجنة تقريرها بأهم توصية، مفادها: “إن ضغط الرأي العام قد يكون عاملًا مساعدًا قويًا لفعل شيء لحماية المدنيين، ولكن هذا يجب ألا يقود وحده إلى نشر عملية سلام إذا كانت الشروط السياسية لنجاحها غائبة”.
السياق السوداني في الحرب الحالية
أما في السياق السوداني، فلا بد من ملاحظة أن حرب السودان هي حرب داخل الدولة (Intra-State)، بين جيش نظامي وقوات بدأت شبه نظامية، ثم انتهت إلى قوات غير نظامية، مما يجعلها تصنف علميًا تحت باب الحرب غير النظامية (Irregular Warfare).
ومع تقدم الحرب، تغيرت طبيعتها وأهدافها عدة مرات. بدأت الحرب كحرب شبه نظامية بين جيشين، حيث ظلت كل قوة تستهدف مقار ومقدرات القوة الأخرى. ولكن بسرعة، تحولت الحرب إلى حرب غير نظامية، حيث بدأت الدعم السريع في استخدام أساليب الهجوم على البنية التحتية غير العسكرية، ثم استهداف الأهداف المدنية ومساكن المواطنين.
لم يتوقف الأمر عند ذلك، بل امتد إلى استهداف المواطنين أنفسهم بالقتل، وفرض الحصار عليهم، واعتقالهم، ونهب الممتلكات، وتهجيرهم، وإذلالهم بأساليب متعددة شملت الجلد، والاغتصاب، وفرض أنواع من الجبايات، وطلب الفدية للإفراج عن الأسرى وغير ذلك.
جمعت الدعم السريع بين كل الأساليب الثلاثة المعروفة في الحروب غير النظامية:
التمرد: العمل على إضعاف السلطة المركزية بهدف إسقاطها والحلول محلها.حرب العصابات: تنفيذ ضربات مباغتة وسريعة للأهداف والانتقال إلى أهداف أخرى.الإرهاب: الاعتداء على المدنيين بهدف ترويعهم، وتهجيرهم، وزعزعة الثقة في الخصم.
وهذه الأساليب معروفة للجيوش غير النظامية في حربها مع الجيوش النظامية. وغالبًا ما تقتصر حركات التحرر والمقاومة على النوعين الأولين، لكن الدعم السريع استخدمت أسلوب الإرهاب بشدة، خصوصًا في منطقة الجزيرة، ولا سيما شرقها.
بينما لجأ الجيش في إستراتيجيته العسكرية إلى إستراتيجية دفاعية، هدفها الاحتفاظ بقدراته العسكرية المادية والبشرية، مدركًا عدم قدرته على تعويض الخسائر البشرية والمادية مقارنة بخصمه، الذي يمتلك مصادر إمداد مفتوحة من حيث الجنود والعتاد العسكري.
اعتمد الجيش في تنفيذ تلك الإستراتيجية بشكل أساسي على سلاح الطيران، وإلى حد ما على المُسيّرات والعمليات الخاصة. كما تجنب الهجوم المباشر بالمشاة؛ بسبب نقص أعدادها، بالإضافة إلى تمدد مساحة انتشار قوات الدعم السريع، وبقي الجيش مدافعًا عن مقراته ووحداته.
وعندما بدأت الحرب، كان التفوق العسكري واضحًا لصالح قوات الدعم السريع لعدة أسباب، منها تموضعها الإستراتيجي في العاصمة وحول مقرات الجيش، وتفوقها العددي في المشاة، إضافة إلى تفوق سلاحها الخفيف النوعي وسهولة الحركة، وهي عوامل مناسبة لحرب المدن، لا سيما مع تفوقها في نوع وعدد المركبات السريعة، إلى جانب أسباب أخرى ساهمت في هذا التفوق.
ومع مرور الوقت، واستنزاف الجيش للقوة البشرية للدعم السريع باستخدام سلاح الطيران وعند دفاعات مقراته، ومع حصول الجيش على مصادر ذخائر وأسلحة إضافية، وتجنيد أعداد كبيرة في المقاومة الشعبية، فضلًا عن دخول حركات الكفاح المسلح في دارفور إلى الحرب لصالحه، تحوّل الجيش تدريجيًا من إستراتيجية الدفاع البحت إلى الهجوم. وبدأ يحقق نجاحات عسكرية بطيئة، كان من أبرزها تحرير أجزاء من العاصمة، وتحرير موقع جبل موية الإستراتيجي، وصمود مدينة الفاشر في وجه هجمات الدعم السريع المتكررة.
رافق هذا الوضع نقص واضح في مشاة قوات الدعم السريع، وهو ما ظهر في استغاثة القائد علي يعقوب قبل مقتله في الفاشر، حيث أوضحت تصريحاته نقص المقاتلين لديهم. كما ظهر ذلك في نداء حميدتي الأخير الذي استنفر فيه قواته كافة، بل وحتى حواضنه الاجتماعية، في محاولة لتحويل الصراع إلى وجهة قبلية، مع التحول إلى الخطة (ب)، التي فُهم ضمنًا أنها تشمل التعامل العنيف مع المدنيين. وبرز ذلك من خلال طلبه من قواته عدم التصوير. كذلك، صرح حميدتي في الخطاب نفسه بنقص الذخائر لديهم.
تنفيذًا لوصية حميدتي، انتقلت قوات الدعم السريع إلى تنفيذ الخطة (ب)، التي اعتمدت على الإرهاب عبر وسائل متعددة، شملت القتل الجماعي، والاغتصاب، والحصار، والتجويع، والتهجير، والتسميم. ومن أبرز تلك الجرائم، تسميم سكان مدينة الهلالية التي تخضع لسيطرة الدعم السريع، مما أدى إلى وفاة أكثر من 500 شخص.
شكّلت الوتيرة السريعة والطبيعة الفظيعة للانتهاكات بيئة ملائمة لتعالي الدعوات إلى إنشاء مناطق آمنة وفرض حظر الطيران.
ولا شك أن حماية المدنيين تظل الغاية الأسمى لكل إنسان، وهي هدف لا يختلف عليه أحد، إذ يجب حصر الحرب وقصرها على الأهداف العسكرية في حال تعذّر وقفها.
ولكن يجب مراعاة الحقائق الآتية على أرض الواقع:
إن الأغلبية الساحقة من الانتهاكات كمًا، والأفظع نوعًا، هي تلك الممنهجة والثابتة التي ترتكبها قوات الدعم السريع في أي مكان تدخله. بل وصل الأمر إلى استهداف القرى والأماكن المدنية التي لا توجد بها قوات الجيش. وشمل ذلك كل الانتهاكات المذكورة أعلاه، بل وكل ما يخطر على قلب بشر.
ولذلك، فإن أية خطة لحماية المدنيين يصعب تطبيقها على أرض الواقع، نظرًا لتمدد المساحات التي تحتلها الدعم السريع وسرعة حركتها في الإغارة على القرى والمدن، مما يجعل نشر قوات حماية مهمة شديدة الصعوبة. هذا إذا أخذنا في الاعتبار طبيعة قوات الدعم السريع الحالية، التي انضم إليها عدد كبير من الأفراد بغرض النهب وجمع “الغنائم”.
وفي المقابل، لا يمكن مقارنة عدد ضحايا المدنيين نتيجة قصف الطيران بعدد ضحايا الانتهاكات التي ترتكبها الدعم السريع، إذ إن عدد الضحايا الناتج عن القصف أقل، وهو من قبيل الأضرار الجانبية المصاحبة (Collateral Damage). فالضربات الجوية تستهدف بشكل رئيسي أماكن تمركز قوات الدعم السريع في المدن، ولا تهدف إلى ضرب المدنيين، إذ لا فائدة عسكرية أو سياسية في ذلك.
كما أن القصف الجوي لا يتم بوتيرة ثابتة أو تركيز معين على مناطق سكنية، على عكس النمط الممنهج الذي تمارسه الدعم السريع من استهداف للأحياء المدنية والتكايا. وهذا أمر واضح لكل منصف، مع الإقرار بضرورة تجنب إصابة المدنيين، وتقدير تناسب القوة مع تحقيق الأهداف العسكرية، والتشدد في اتخاذ الاحتياطات اللازمة لحمايتهم.
وحتى إذا سلّمنا جدلًا بأن حظر الطيران قد يساهم في تقليل الضحايا من المدنيين، فإن ذلك لا يوقف الانتهاكات الأكثر والأفظع التي ترتكبها الدعم السريع في الجانب المقابل. وإذا أخذنا بعين الاعتبار طبيعة الأسلحة المستخدمة لدى كل طرف، فإن حظر الطيران يعني عمليًا منع الجيش من استخدام سلاحه الأبرز، وترك قوات الدعم السريع حرة في حربها ضد الجيش، حتى لو التزمت بعدم مهاجمة المدنيين ووجّهت أسلحتها نحو قوات الجيش.
لهذا السبب، ينظر الجيش إلى هذا المقترح باعتباره محاولة لكف يده وإطلاق يد الدعم السريع، ولا يُنتظر منه أن يلتفت إلى مثل هذا المقترح، أو أن يأخذه بعين الاعتبار.
كذلك، ينظر الجيش وداعموه إلى هذه الدعوة بشك كبير وتوجس، حيث إنها تأتي بعد تغيّر موازين القوى العسكرية لصالح الجيش، وبعد تحوله إلى إستراتيجية هجومية في العديد من المحاور، وإحرازه تقدمًا ملموسًا. كما تُفهم هذه الدعوة على أنها تهدف إلى ترسيخ وجود قوات الدعم السريع والاعتراف لها بمناطق سيطرة، وإبقائها فيها، وإعادتها للمشهد السياسي والعسكري، ومنحها فرصة لالتقاط أنفاسها من خلال التجنيد وإعادة التسليح، رغم أن الدعم السريع ما زالت تتمتع بعدد كبير من المقاتلين وبمناطق واسعة تحت سيطرتها.
كذلك، يرى البعض أن خطوة حظر الطيران تصب في مصلحة رعاة الدعم السريع في الخارج وحلفائها السودانيين، خصوصًا مع تراجع سمعة تنسيقية (تقدم) وزيادة السخط الشعبي عليها. وتعتمد هذه التنسيقية على بقاء الدعم السريع كطرف فاعل لضمان عودتها للمشهد السياسي في حال حدوث تسوية سياسية، وهو ما يفسر حرصها على بقاء الدعم السريع فاعلًا ومؤثرًا.
كل ذلك يحدث في ظل تراجع وضيق فرص الحل السياسي للحرب؛ بسبب التطورات الأخيرة، لا سيما أحداث الانتهاكات في الجزيرة، وتزايد الغضب الشعبي الرافض للدعم السريع. كما يعكس الوضع عدم رغبة الجيش في الدخول في أي مفاوضات قبل تعديل موازين القوة لصالحه، إضافة إلى تعثر الوساطات نتيجة أخطاء هيكلية وإجرائية.
إذن، ليس من المتوقع أن تنجح الدعوة لحظر الطيران، إذ لا توجد سوى ثلاث وسائل لتحقيقها، وكلها تبدو غير قابلة للتنفيذ:
- توافق طرفي القتال: وهذا الخيار غير وارد في ظل غياب اتفاق سياسي شامل، لأن المقصود من الحظر سيكون عمليًا تحييد سلاح الجيش، مما يخدم مصلحة الدعم السريع فقط.
- قرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع: وهو خيار صعب للغاية؛ بسبب حق النقض (الفيتو) الذي قد تستخدمه الدول الكبرى، إضافة إلى تضارب الأجندات الإقليمية والدولية. كما أن توفير تمويل للعملية يمثل تحديًا كبيرًا، خاصة في ظل الفشل الواضح في الوفاء بالتعهدات الإنسانية لضحايا الحرب، فضلًا عن صعوبة توفير قوات تدخل إلى السودان أثناء القتال المستمر، وغياب وقف إطلاق النار.
- حظر الطيران خارج إطار القانون الدولي: على غرار ما حدث في العراق، لكن هذا الخيار أيضًا مستبعد جدًا؛ لأن التدخل خارج الشرعية الدولية ذو كلفة عالية ولا يُقدم عليه إلا إذا كانت هناك مصلحة أو خطر كبير يُهدد الولايات المتحدة أو الدول الكبرى، وهو أمر غير متوفر في السياق الحالي.
وحتى لو تم تجاوز العقبات السياسية والمالية واللوجيستية وتم دخول قوات إلى السودان، فإن هذه القوات ستكون على الأرجح أقل كفاءة من سابقاتها من قوات حفظ السلام، التي دخلت في سياقات أخرى عبر اتفاقات بين أطراف النزاع وفي ظل وقف إطلاق نار أو وقف العدائيات.
وتُظهر التجارب السابقة فشل بعثات الأمم المتحدة، مثل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL)، وبعثة الأمم المتحدة في الكونغو (MONUSCO)، وبعثة الأمم المتحدة في أفريقيا الوسطى، وبعثة الأمم المتحدة في مالي (MINUSMA)، وبعثة اليوناميد في السودان . (UNAMID) كل هذه التجارب ما زالت حاضرة في الأذهان، وقد أشرنا سابقًا في المقال إلى أمثلة من حظر الطيران.
وباتت دوريات العلوم السياسية تزخر بعناوين تبدأ بالسؤال: “لماذا فشلت بعثة الأمم المتحدة في…؟”، حيث يُضاف اسم البلد أو المنطقة إلى قائمة طويلة من إخفاقات الأمم المتحدة. أما أسباب هذا الفشل، فهو موضوع آخر قد نتناوله في مقالات قادمة، إن شاء الله.
الجدير بالذكر أن خبر “ماذا وراء طلب حظر الطيران في السودان؟” تم نقله واقتباسه والتعديل عليه من قبل فريق اشراق العالم 24 والمصدر الأصلي هو المعني بما ورد في الخبر.
اشترك في نشرة اشراق العالم24 الإخبارية
الخبر لحظة بلحظة
اشرق مع العالم
اقرأ على الموقع الرسمي
روابط قد تهمك
مؤسسة اشراق العالم خدمات المواقع والمتاجر باك لينكات باقات الباك لينك
اكتشاف المزيد من اشراق العالم 24
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.