مسرحية "الفيل يا ملك الزمان".. إسقاطات رمزية على مأساة غزة
اشراق العالم 24 متابعات عالمية عاجلة:
نقدم لكم في اشراق العالم24 خبر “مسرحية "الفيل يا ملك الزمان".. إسقاطات رمزية على مأساة غزة”
2/12/2024
سر الأمان
تبدأ المسرحية بالكلمات التالية من راوي المسرحية “هذه حكاية بلاد كان العصر فيها كالبحر الهائج لا يستقر على وضع، والناس فيه يبدون وكأنهم في التيه، يبيتون على حال ويستيقظون على حال، تعبوا من كثرة ما شهدوا من تقلبات وما تعاقب عليهم من أحداث، يتفرجون على ما يجري ولكن لا يتدخلون فيما يجري، وفي أحد الأيام اعتقدوا أنهم اكتشفوا سر الأمان”.
لم يكن اكتشاف سر الأمان بأن ملك ما أو قائد ما منحهم إياه أو وهبهم العدل كهبة، لكن ذلك السر اكتشفوه من شدة ما قاسوا من خوف، حيث أنه كان للملك فيل ظالم، يجول فوق البيوت ويعيث في الأرض فسادًا، حتى وصل به الأمر أنه دهس طفلًا تحت أقدامه الغليظتان، حينها اكتشفوا أن الأمان سيكون بالتخلص من ذلك الفيل.
تتجلى في المسرحية إسقاطات متجددة على معاناة الشعوب، حيث يُصور الفيل كرمز للطغيان الذي يسحق كل ما يعترض طريقه، وهو انعكاس مأساوي لما يواجهه الغزيون، على سبيل المثال في أحد مشاهدها، يوصف طفل دهسه الفيل بـ”عجين من لحم ودم”، مشهد يطابق ما يعايشه أهالي القطاع، حيث بلغ عدد الأطفال الشهداء منذ بدء العدوان الأخير أكثر من 17 ألفًا، وفق إحصاءات فلسطينية حديثة.
“يا ويل أمه”.. صرخة الأمهات الغزيات
“يا ويل أمه” إن هذه العبارة تكررت كثيرة في نص المسرحية، وما هذا التركيز إلا مقاربة مع أمهات غزة بشكل خاص، فإن الأم الغزية منذ بداية حرب الإبادة في 7 أكتوبر، تشرين الأول 2023 كانت المفجوعة الأولى في أطفالها، وأصوات النساء في غزة هن من نستذكرهن بمجرد أن نغمض أعيننا لنتخيل المشهد هناك، ومن الجُمل التي تناولت وصف دقيق لأمهات غزة أيضًا “تأتي الأم لتنادي ابنها فتلم جثته من الطريق”.
وقيل في المسرحية أيضًا “لا أمان على طفل في هذه المدينة حتى لو وضعته أمه في بؤبؤ العين”، وهنا يحضرني ما يقاسيه الأطفال في الظروف الجوية الباردة بالخيام في غزة، يحضرني أيضًا الأطفال الخدج في المستشفيات بغزة، حيث طالهم الموت بدون رحمة، وهُددوا به نتيجة قصف المستشفيات وحصارها ونقص الامدادات والوقود، وهنا تأتي المقاربة، لا المستشفيات ولا أحضان الأمهات مصادر للأمان لأولئك الأطفال.
الفيل والمجتمع الدولي.. ملك يُحب الظلم
“تعرفون طبعًا.. والله أنه فيل الملك”، وهنا يبدأ سكان القرية بالتجمهر والحديث عن الواقعة، نساء ورجال وأطفال، بات أمر الفيل حديث الساعة الآن، ووسط التجمع تتجرأ طفلة على طرح سؤال خاف الكبار كثيرًا من طرحه، لكنها سألته بفطرتها التي لم تكبلها سلاسل الخوف بعد “ألن يعاقبوا الفيل؟” الجميع يهزون رؤوسهم، ويستهجنون سؤال الطفلة ويحاولون إسكاتها، لأنه فيل الملك! ولا أحد يستطيع أن يعاقب فيل الملك! ثم يأتي تدخل موسيقي في المسرحية فيه كلمات أغنية تشير اغتيال الطفولة وانعدام الأمان.
يشبه “الملك” في المسرحية المجتمع الدولي، الذي يرعى الظلم ويتجاهل أصوات الضحايا، فالملك يحب فيله ويغض الطرف عن جرائمه، تمامًا كما يغض المجتمع الدولي الطرف عن ممارسات الاحتلال، بحجة “حق الدفاع عن النفس”، متجاهلين الأطفال الذين يقتلون والأسر التي تُباد.
جرائم “الفيل”
“على مد عمري رأيت كثيرًا من الفيلة، لكل ملك فيله، لكن حتى الآن لا أرى مثل هذا الفيل شرًا وغطرسة” يقول رجل في المسرحية، ونستنبط هنا رمزية واضحة: على مرّ الزمان كانت للدول ذات السيطرة على العالم حلفائها التي تدافع عنها وتبرر جرائمها وتعمي عيونها عن ما تفعل، لكن الذي يفعله الاحتلال الاسرائيلي اليوم ليس له مثيل في الشر والغطرسة، والصمت الدولي عن هذه الجرائم غير مسبوق، وهنا تأتي رمزية الملك فهو يشبه المجتمع الدولي الذي يحب “الفيل”، يدعمه ويعطيه الدلال، “لماذا يحب الملك فيلًا مؤذيًا يا أمي؟” تتساءل طفلة في من الشعب، ولا أحد يجد لها إجابة واضحة.
يخرج رجل يدعى زكريا من جموع الشعب في المسرحية وينادي بصوت عنيف وغاضب “ما هذا، حالة لا تطاق ولا تحتمل، ألا يكفينا ما نحن فيه؟ فقر وعذاب”، وكأن زكريا فتح باب الغضب أخيرًا، وبدأ الشعب من بعده يعدد ما يواجهه من سوء في الحال: أوبئة، مجاعات، وهموم كثيرة.
ألا يذكركم هذا بواقع الظروف في غزة؟ فمن ناحية الأوبئة فبسبب عوامل عدة تشمل الاكتظاظ ونقص المياه والصرف الصحي وتعطل أعمال الرعاية الصحية ونقص توفر المطاعيم، فإن الأمراض أكثر قابلية للانتشار في غزة، فقد أكدت منظمة الصحة العالمية على انتشار سلالة فيروس شلل الأطفال النوع الثاني في قطاع غزة، عدا عن أمراض الإسهال والكبد والوبائي والأمراض الجلدية، وأما عن التجويع فقد أشار تقرير بحثي إلى أن 95% من سكان غزة يعانون درجات متنوعة من المجاعة! وذلك بسبب تخريب البنية التحتية والزراعية، وإغلاق المعابر والتضييق على الإمدادات الغذائية.
“لم نر يوم أبيض منذ بدأ يسرح في المدينة” يقول رجل من الشعب في المسرحية، إن هذا هو واقع الفلسطينيون منذ بدء الاحتلال الاسرائيلي على فلسطين، وليس على غزة فقط، فمنذ عام 1948، والاحتلال يمارس بشاعاته تحت رعاية دولية بكل الطرق المؤذية، إبادة وتجويع وتهجير، يسرد أبطال المسرحية هموهم التي تشبه هموم الشعب الفلسطيني، ووسط سردهم تُذكرهم امرأة بأنه فيل الملك، لكن زكريا ينبههم أن يومًا بعد يوم ستزداد الضحايا وتكبر المصائب، فهذا الفيل مثل الكائنات المصاصة للدماء، كلما ازدادت ضحاياها ازداد تعطشها للدم، ويمثل هذا التعطش لهفة الاحتلال للتوسع فمن يوم دخوله أرض فلسطين وله هدف واحدًا يسعى لتحقيق، فنجده يبني المستوطنات ويضيق على الشعب ويبيدهم إذا لزم الأمر، المهم أن يتوسع.
وعلى الرغم من كل المصائب التي استعرضها الشعب جراء بطش الفيل إلا أنهم أكدوا على صبرهم لانتظار الفرج، لكن زكريا كان له رأيًا مختلفًا، فقد اقترح أن يشكون أمر الفيل للملك، يتعجب الشعب بقية الشعب من الفكرة، فهم غير متأكدين من عاقبة هذا التصرف، فبحسب الأخبار المنتشرة في المدينة أن هذا الملك يحب فيله كثيرًا، فلكم أن تتخيلوا أنه كاد مرة أن يطلق زوجته من أجله! خاف الجميع من غضب الملك، لكن زكريا أقنعهم بالذهاب إلى قصره والشكوى إليه من الفيل، فبحسب قول زكريا “من يعلم ربما الملك لا يعرف ما يفعله الفيل بنا”، وبعد محاولات إقناع كثيرة، قرر الجميع الاستعداد والذهاب إلى قصر الملك.
الأصوات العربية أمام المجتمع الدولي
إن حالة الشعب الذاهب للشكوى إلى الملك الآن، هي أشبه بحالات الأصوات العربية المتجهة إلى المجتمع الدولي الحامي والراعي للفيل، لأن الشعب الغزي في أيامه التي يعيشها ليس لديه فرصة حتى للشكوى، فمقاربته الآن بالمسرحية مع الشعب غير منطقية، فالفيل في غزة صار أكثر سلطة وبطشًا بحيث لا يتمكن الناس حتى من الوصول لقصر الملك من أجل الشكوى عليه، فهم يموتون قبل أن يصلون أصلًا!
توحيد الأصوات، أمر تطلب مجهودًا كبيرًا من القائد زكريا حتى تمكن من جعلهم جميعًا على موجة واحدًا، يتحدثون بنبرة مفهومة وواضحة وبطريقة منظمة، وهذا ما تحتاجه بالتحديد الأصوات العربية، توحيد للطاقة والصوت، نعم الجميع لديه شكواه ومعاناته، نعم الجميع لديه حقوقه، لكن أمام المجتمع الدولي يجب أن يكون كل شيء واضح ومنظم، والكلام مقنعًا ومرتبًا، وإلا فسنخسر فرصتنا كأصحاب للحقوق.
وبعد أن احتشدت الأصوات وكأنها صوت واحد، دخلت جموع الناس إلى قصر الملك المهيب، وبدأت رهبته تدخل قلوبهم، سُحرت عيونهم بأعمدة القصر وحراسه الأقوياء، وهنا حاولوا تمالك أنفسهم حتى جاءت اللحظة التي قابلوا فيها الملك، يبدأ الملك بخطابه اتجاه شعبه، مشيرًا إلى أن جهود الجميع تتظافر لبناء البلاد، ومؤكدًا على فخره بإنجازاته العظيمة في مملكته، الإنجازات التي في نظره أثارت طمع الطامعين من الأعداء، كما لفت الملك في خطابه إلى أنواع الأعداء، نوع خارجي وآخر داخلي يندس بين الشعب ويتظاهر بحبه، ويضيف الملك إلى كلامه عدو ثالثًا ” للأسف أنفسنا عندما تضعف فتصغي للطابور الخامس الذي يغرغر بالطيبين منا فيحرضهم على الشكوى ونشر الفوضى” وبعد كل جملة يقولها الملك كان الشعب يتفاعل بالتصفيق الحار من شدة الخوف.
أحيانًا يمارس المجتمع الدولي هذه اللعبة بطريقة ملتوية، من يشتكي على شيء يضّيق عليه عيشته، ومن يحاول أن يثور على الظلم والاستبداد يتهم بأنه إرهابي، تمامًا كما يفعل الملك في هذه المسرحية، ويجد الملك في مسرحيتنا أيضًا أن لا حل إلا بالصبر على المشاكل، وهذا ما يذكرني بالاتهامات التي تطال المقاومة خاصة تلك التي تشير إلى أنها ألقت بالشعب إلى التهلكة، متناسين أن الشعب أصلًا كان يعيش في الهلاك بسبب الفيل، أي المحتل الاسرائيلي.
زكريا يفتح فهمه ويقول “الفيل..” وقبل أن يكمل كلامه ينهال الملك بوابل من كلمات المدح لفيله العزيز، الأمر الذي يزيد من خوف الشعب قبل التفوه بأي شكوى، يتساءل الملك إذا ما كان نهيمُ الفيل يفزع الأطفال! وكادت طفلة أن تبوح بالحقيقة، أن لا ليس ما يدمرهم مجرد نهيم، لكن الجميع تداركها وحالة من التوتر عمت المكان، حتى خضع الشعب ونطقوا بما أراد الملك سماعه “نحن نحب الفيل”، بل وأخفوا حقيقة أنه قتل طفلًا رضيعًا وذلك خوفًا من حُكم الملك عليهم، وطالبوا بزواج الفيل وتكاثره كي يكون سعيدًا، وأن لا يكون وحيدًا!
إعادة قراءة النص في سياق اليوم
عَرض “الفيل يا ملك الزمان” في الوقت الحالي ليس مجرد إعادة إحياء لنص كلاسيكي، بل هو تذكير بقضايا إنسانية عالقة، تكشف التواطؤ العالمي مع الطغيان، وتجدد الدعوة للوعي والمقاومة ضد كل أشكال القمع والاستبداد.
المسرحية التي استلهمت سياقها من أحداث القرن العشرين، تجد صدى أكثر قوة اليوم، في عالم لا يزال يُواجه “فيلة” طغت وتجبّرت على حساب حياة الأبرياء.
وشهدت فعاليات الغرة للآداب والفنون، التي تنظمها مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، عروضا مسرحية وفنية مزجت بين الإبداع والتراث، من تقديم نخبة من الفنانين المرموقين والمواهب الواعدة.
واستقطبت الفعالية، التي أقيمت على مدار خمسة أيام واختتمت اليوم الاثنين بالمدينة التعليمية في العاصمة القطرية الدوحة، جمهورا كبيرا من مختلف الثقافات والأعمار في قطر، حيث احتفت بالحضارة العربية الإسلامية وإبداعاتها الفنية والثقافية من خلال عروض مسرحية وموسيقية وأمسيات شعرية وورش عمل تعليمية.
- الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
الجدير بالذكر أن خبر “مسرحية "الفيل يا ملك الزمان".. إسقاطات رمزية على مأساة غزة” تم نقله واقتباسه والتعديل عليه من قبل فريق اشراق العالم 24 والمصدر الأصلي هو المعني بما ورد في الخبر.
اشترك في نشرة اشراق العالم24 الإخبارية
الخبر لحظة بلحظة
اشرق مع العالم
اقرأ على الموقع الرسمي
روابط قد تهمك
مؤسسة اشراق العالم خدمات المواقع والمتاجر باك لينكات باقات الباك لينك
اكتشاف المزيد من اشراق العالم 24
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.